[B][SIZE=4]لعبة التوريط بين جهازي المخابرات الباكستاني والأمريكي[/SIZE][/B] وأبرز ما تضمنته هذه التقارير التواطؤ "الصريح" بين أجهزة المخابرات الباكستانية والمقاومين الأفغان (حركة طالبان والتنظيمات الجهادية الأخرى)، الأمر الذي دفع واشنطن للتعامل بتحفظ شديد مع أجهزة المخابرات الباكستانية، بل وأحيانا تتهمها بالخيانة وبالدعم المباشر والتأييد الكبير لحركة طالبان.. نشر موقع ويكيليكس الآلاف من التقارير السرية ذات الصلة بالحرب على الإرهاب في أفغانستان وبحركة طالبان وتنظيم القاعدة. وأبرز ما تضمنته هذه التقارير التواطؤ "الصريح" بين أجهزة المخابرات الباكستانية والمقاومين الأفغان (حركة طالبان والتنظيمات الجهادية الأخرى)، الأمر الذي دفع واشنطن للتعامل بتحفظ شديد مع أجهزة المخابرات الباكستانية، بل وأحيانا تتهمها بالخيانة وبالدعم المباشر والتأييد الكبير لحركة طالبان. ويشتبه الأمريكيون منذ مدة طويلة في الاستخبارات العسكرية الباكستانية [Inter-Services Intelligence, ISI] بتوجيهها المقاومين الأفغان في الظل، وتسليحهم بكل الطرق المتاحة. هذه الشبهات أكدتها العملية السرية الأخيرة التي أدت إلى تصفية الشيخ أسامة بن لادن في مدينة آبوت آباد، وعدم إبلاغ واشنطن إسلام آباد بها وبتوقيتها وعنوانها، الأمر الذي جعل الحكومة الباكستانية تبدو في نظر العالم وكأنها الجهة المسؤولة عن حماية بن لادن من خلال تغطيتها لفترة تواجده في أراضيها منذ حوالي أكثر من أربع سنوات حسب ما تداولته بعض وسائل الإعلام العالمية. وإذا رجعنا قليلا إلى الوراء، فإن الشبهات نفسها كانت قد تناولتها سلسلة من التحقيقات السرية العسكرية (حوالي 92.000 وثيقة]، سربها للرأي العام موقع ويكيليكس في 25 يوليو 2010. ووفقا لهذه الوثائق، باكستان، حليفة الولاياتالمتحدة، سمحت لعناصر من الاستخبارات الباكستانية بمقابلة أفراد من حركة طالبان في اجتماعات سرية لتنظيم الشبكات "المتطرفة" في أفغانستان والإعداد لهجمات جديدة. الكثير من هذه المعلومات - المستمدة من تقارير ميدانية - لا يمكن التحقق منها، لأنها ربما يأتي البعض منها من مخبرين يدفع لهم المال مقابل جلب المعلومات أو من مصادر قريبة من المخابرات السرية الأفغانية، التي ترى في باكستان عدوها اللدود. وبالإضافة إلى ذلك، كشفت بعض الوثائق عن مشاريع لهجمات خطط لها في الورق ولم تنفذ. قصص أخرى من هذه التحقيقات أشارت إلى التعاون الوثيق القائم بين المخابرات الباكستانية وتنظيم القاعدة، في حين لا يزال من الصعب تأكيد الصلة المباشرة بين جهاز المخابرات الباكستانية وشبكة المقاومين الإسلاميين المقاتلين، خاصة من حركة طالبان، حتى لو أن بعض هؤلاء المقاتلين التابعين لحركة طالبان باكستان مقربين جدا منهم، ووكالة الاستخبارات الأمريكية على علم وإطلاع بتفاصيل ذلك. ومع ذلك، يعتقد الجيش الأمريكي أن العديد من هذه التقارير موثوقة ولا يمكن تكذيبها. وما يثير التساؤل والاستغراب في الأوساط الأمريكية والدولية، تلك التصريحات العلنية للمسؤولين الأمريكيين التي تصف باكستان بالحليف "الإستراتيجي" و"الصديق" و"الموثوق فيه" و"الشريك" الذي لا غنى عنه في الحرب ضد ما يسمى ب"الإرهاب العالمي". واشنطن، ورغم كل ذلك، تريد أيضا الحفاظ على علاقات وثيقة مع حكومة إسلام أباد، التي تمتلك السلاح النووي، لضمان أمن إمداداتها الحيوية لقواتها وقوات حلف شمال الأطلسي التي تمر عبر الأراضي الباكستانية إلى أفغانستان. في زيارة لها بتاريخ 18 يوليو 2010 إلى إسلام أباد، أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، حزمة من المساعدات لصالح الحكومة الباكستانية بقيمة 500 مليون دولار، واصفة كل من الولاياتالمتحدةوباكستان ب"الشريكين المتحدين حول قضية مشتركة". ورغم ذلك، تشير التقارير الغربية إلى أن قيادة الأركان العليا الباكستانية تتصرف كحليف وعدو في الوقت نفسه مع واشنطن، وأن استخباراتها العسكرية تمارس المعايير المزدوجة من خلال قبولها طلبات أمريكية معينة في الوقت الذي تساعد فيه شبكة المقاتلين الإسلاميين. وفند الجيش الباكستاني كل الاتهامات الأمريكية الموجهة ضده بشدة، مؤكدا في الوقت ذاته أن الاستخبارات الباكستانية قطعت آخر روابطها منذ سنوات مع هذه الجماعات الإسلامية "المتطرفة". وطبقا لمسؤولين أمريكيين، يشكل جهاز المخابرات الباكستانية إطارا منظما يعتمد على التسلسل الهرمي في القيادة والمسؤولية مع صرامة شديدة للغاية في اتخاذ القرارات، وعداء غير قابل للمساومة ينحو في غالب الأحيان إلى التطرف الواضح، خاصة عند أي تحرك أو نشاط منفرد، كما حدث في العملية الأخيرة ضد بن لادن داخل الأراضي الباكستانية، الذي كان عملا أمريكيا منفردا بكل المقاييس السرية والعسكرية. يعتبر الجنرال أشفق كياني، قائد الجيش الباكستاني الحالي، الشخصية الأقوى في باكستان [الذي أعيد تجديد تعيينه في منصبه لمدة ثلاث سنوات أخرى]، كان على رأس جهاز الاستخبارات الباكستانية (ISI) من 2004 إلى 2007، وهي الفترة التي تميزت بالتعاون المثمر بين المؤسسة العسكرية الباكستانية وحركة طالبان الأفغانية كما ورد في التقارير [بدءا من يناير 2004 إلى ديسمبر 2009]. وتعرضت الوثائق إلى الجنرال المتقاعد حميد غول، رئيس جهاز المخابرات الباكستانية من 1987 إلى 1989، الذي تحالف عملاؤه مع عناصر وكالة الاستخبارات الأمريكية لتوفير الأسلحة والأموال للميليشيات الأفغانية التي كانت تقاتل القوات السوفيتية المحتلة. ومع نهاية الحرب، احتفظ غول باتصالاته مع المجاهدين السابقين، وبعضهم أصبح قيادات بارزة في حركة طالبان. وأكدت الوثائق - بشكل صريح - على أن هذا الأخير عمل بلا كلل لإحياء اتصالاته القديمة وتفعيلها، وذلك باستخدام حلفاء معروفين من أمثال جلال الدين حقاني وقلب الدين حكمتيار، حيث إن شبكات المقاتلين كانت هي المسؤولة عن موجات العنف التي شهدتها أفغانستان في السنوات الأخيرة الماضية. وهكذا، ووفقا لأحد التقارير، التقى حميد غول في يناير من عام 2009 مع ثلاثة من كبار الزعماء الأفغان وثلاثة من العرب، ربما من ممثلي تنظيم القاعدة، لتحضير هجوم انتقامي بعد مقتل قائد العمليات في تنظيم القاعدة في باكستان، أسامة القيني في يناير الماضي، في هجوم شنته طائرات من دون طيار تابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية. في ذلك الوقت، حث غول قادة طالبان على تركيز أنشطتها داخل الأراضي الأفغانية، في المقابل، فإنه سيضمن - شخصيا - أن باكستان قد تغض الطرف عن مكان وجودهم في المناطق القبلية الوعرة. وفي اتصال هاتفي معه أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في منزله الكائن في روالبندي، حيث مقر قيادة الجيش الباكستاني، وصف الجنرال المتقاعد حميد غول، هذه الاتهامات بأنها "محض هراء وافتراء". الوثائق الصادرة عن ويكيليكس التي نشرت لإطلاع الرأي العام العالمي على خفايا وأسرار الحرب الأمريكية على ما يسمى ب"الإرهاب العالمي"، أعادت أيضا عملية "فرز" الجهود المبذولة التي قام بها عملاء جهاز المخابرات الباكستانية للسيطرة على شبكة المرشحين للعمليات الانتحارية، الذين تحولوا — فجأة — بداية من الفترة الممتدة من 2006 إلى يومنا هذا إلى سلاح ذو كفاءة رهيبة ومدمرة في أفغانستان. وفي هذا السياق، كشفت وثيقة مؤرخة في 18 ديسمبر 2006 النقاب عن عمليات تنظيم وتطوير شبكات المفجرين الانتحاريين في الداخل الأفغاني وفي مناطق معينة في باكستان، خاصة من ناحية امتلاك المتفجرات والتقنيات الحديثة المستعملة، وعمليات التجنيد والتمويل والدعاية والتدريب في باكستان. وذكر تقرير آخر، أنه تم إرسال انتحاريين لتعطيل الانتخابات الرئاسية التي جرت في أفغانستان في أغسطس 2009، وأن فريقا آخر من الانتحاريين وبطلب من المخابرات الباكستانية تم تجنيدهم لتنفيذ هجمات ضد مسؤولين رسميين كبار وموظفين يعملون في حقل المساعدات والتنمية، والمهندسين الهنود العاملين بقوة في أفغانستان. بعض الوثائق تحدثت حتى عن مشاريع تستهدف أو استهدفت الحكومة الأفغانية برئاسة حميد قرضاي. وفي بعض الحالات أيضا، تناولت بعض التقارير تفاصيل على ما يبدو ل"مشاريع خيالية" غير معقولة، أو من المستبعد جدا تحقيقها. ومن هذه التفاصيل، نقرأ على سبيل المثال لا الحصر مشروع منسوب لجهاز المخابرات الباكستانية استهدف اغتيال مسؤولين كبار أفغان من خلال وضع قنبلة مخبأة متحكم فيها عن بعد، في مصحف "مزيف" من الذهب الخالص!! وفي وثيقة أخرى، خطط كل من جهاز المخابرات الباكستانية وحركة طالبان لإرسال خمور مسمومة إلى أفغانستان لقتل الجنود الأمريكيين!!. ووفقا دائما لهذه التقارير، وفي 19 يونيو 2006، التقى عملاء جهاز المخابرات الباكستانية مع زعماء من حركة طالبان في مدينة كويتا، عاصمة بلوشستان الباكستانية، حيث كان الحديث عن القبول المبدئي وموافقة السلطات الباكستانية إيواء بعض من القيادات العليا لحركة طالبان. في هذا الإطار، أفادت تقارير بتواطؤ الباكستانيين مع من يوصفون ب"المتطرفين"، والتي أدت في الكثير من الأحيان إلى توتر واضح بين الضباط الأمريكيين والباكستانيين على أرض الواقع. كما أن الاجتماعات التي عقدت في المراكز الحدودية، لضبط الحدود وتقييد حركة تنقل الناس والبضائع والسلاح، ومراقبة تنقل عناصر حركة طالبان من باكستان إلى أفغانستان وبالعكس، عكست حالة من انعدام الثقة العميق من طرف الأمريكيين لنظرائهم الباكستانيين. --------------انتهى --------------------------------