على غرار «حزب العدالة والتنمية» التركي، حقق اسلاميو تونس في «حركة النهضة» فوزاً واضحاً عبر الوسيلة الأولى للديموقراطية: الانتخابات. وفي محاكاة للنموذج الذي صاغه أردوغان ورفاقه، يؤكد زعيم تونس الجديد راشد الغنوشي التزامه اقامة دولة «تتآلف فيها القيم الاسلامية مع القيم الديموقراطية المعاصرة». وكان الغنوشي صرح اخيراً ان تركيا «لا تشكل نموذجاً للتونسيين فقط وإنما للعرب جميعاً، كونها أولت اهتماماً كبيراً بالتنمية الاقتصادية، وحاربت الفساد في الدوائر الرسمية، وأمّنت استقلال القضاء، وضبطت الجيش، كما لم تقف أبداً ضد إرادة شعبها وتطلعاته، فهذه الأوصاف تجعل من تركيا قدوة حسنة للشعب التونسي وللعرب». هذا النجاح الأول في العالم العربي للنموذج الاسلامي التركي الذي يشجعه الغرب ويشيد به لأسبابه الخاصة، وعلى رغم انه لا يزال من المبكر جداً الحكم عليه، قد يدفع شعوباً عربية اخرى، ومصر هي الاكثر ترشيحاً، الى السعي لاعتماد المثال ذاته، لكنه يثير في الوقت نفسه مخاوف اطراف آخرين في المنطقة يرون خطورة في الترويج المبسط لمزايا انظمة الحكم الاسلامية. فالغنوشي المستفيد من تعاطف شعبي شكل تعويضاً لجماعته عن حملة التنكيل والنفي التي مارسها ضدها نظام بن علي، يتناسى ان لتركيا التي لم تستطع ايجاد حل لمشكلة الاقليات ولا تزال تخوض حرباً متصاعدة ضد الاكراد على ارضها وفي داخل العراق، ظروفها ومعطياتها التي لا تنطبق بالضرورة على غيرها، خصوصاً بسبب قربها من اوروبا واضطرارها الى مجاراة الاتحاد الاوروبي في الكثير من القوانين والتنظيمات طمعاً في عضويته، وهو ما ليس مطروحاً بالنسبة الى اي دولة عربية. اما ما تعيشه تركيا حالياً من مزاوجة بين الاسلام والعلمانية فهو نتيجة قرن من الإرث الاتاتوركي الذي يصعب تجاوزه وليس خياراً طوعياً للاسلاميين، ويتبدى ذلك في كباشهم الدائم مع المؤسسة العسكرية وفي نزعتهم الى تقييد الصحافة. ويعتقد البعض ان الاسلاميين الاتراك يمارسون انتهازية في السياسة قل نظيرها، ويتقلبون في مواقفهم بسهولة تدعو الى الشك في صحة الركون اليها، وهو ما حصل أخيراً مع ايران التي اختلفوا معها بشدة في شأن الوضع السوري والدرع الصاروخية الاطلسية حتى وصل الامر الى تهديدات متبادلة، ثم لم يلبث كل ذلك ان هدأ وتلاشى بعدما وجدت انقرة مصلحتها في مواجهة مشتركة مع طهران لمقاتلي حزب العمال الكردستاني، وهو ما يحصل ايضاً مع اسرائيل التي خفضوا العلاقات معها ووصفوها بأشد النعوت واشترطوا اعتذارها عن مهاجمة اسطول مساعدات تركي لغزة، ثم طلبوا مساعدتها لايواء ضحايا الزلزال الاخير. ويحذر القلقون من ان تجربة الحكم قد لا تكون سهلة على الاسلاميين العرب، اولاً لقلة خبرتهم وثانياً لأن المشكلات التي سيرثونها عن الانظمة الاستبدادية كبيرة جداً، وبالتحديد مسألة الاقليات التي تواجه تمييزاً دينياً واجتماعياً شبه مستتر لا بد سيخرج الى العلن مع وصول الحركات الاسلامية غير المعتادة على التعددية الى السلطة. وشاهدنا كيف ان «المناخ الاسلامي» السائد في مصر بعد انهيار نظام مبارك ادى الى مواجهات عنيفة متكررة مع الاقباط الذين يحاولون المحافظة على الهامش الضيق الذي كان متاحاً لهم. ويعتقد هؤلاء ان الاسلاميين العرب قد يبتعدون شيئاً فشيئاً عن اعتدالهم المعلن اذا ما واجهتهم صعوبات في قيادة دولهم او وجدوا انفسهم مضطرين الى تقديم تنازلات متتالية في اطار تحالفاتهم. وبين المتخوفين من الانظمة الاسلامية من يبالغ قليلاً، مثلما فعل البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي رأى في احتمال سقوط النظام في سورية انهياراً لآخر منطقة عازلة في وجه «هلال عثماني» يمتد من اسطنبول الى مصر مروراً بلبنان، ويعيد الى الذاكرة تجربة مرة دامت قروناً.