أعلن «لقاء سيدة الجبل» رفضه «وضع المسيحيين في مواجهة ربيع العرب وربط مصيرهم بأنظمة القمع». وأعلن بعد خلوته الثامنة التي عقدها في أدما أمس تحت عنوان «دور المسيحيين في ربيع العرب» عن توصيات مقترحة دعا فيها إلى تنظيم لقاءات حوارية حول مضمون وثيقة اللقاء والتواصل مع الانتشار اللبناني وتفعيل دوره في دول الاغتراب والمساهمة في تنظيم لقاء وطني حول دور لبنان في الربيع العربي والتواصل مع القوى الديموقراطية العربية التي تنتمي إلى الربيع العربي للمشاركة معها في بلورة الأسس لقيام عالم عربي ديموقراطي وتعددي والمساهمة في تأسيس مركز دراسات وأبحاث حول ثقافة ربيع العرب. واتفق على تشكيل هيئة لمتابعة تنفيذ الخطوات التي سيتم إقرارها، وحدد 27 الجاري موعداً لإعلان النص المعدل مع أسماء هيئة المتابعة والخطوات العملية. سعيد وكان اللقاء عقد خلوته في حضور أكثر من 500 شخصية سياسية وحزبية ونقابية، ضاقت بهم القاعة المخصصة للمناسبة ما اضطر المنظمين إلى فتح قاعة مجاورة، واستهلت بالوقوف دقيقة صمت حداداً على أرواح شهداء ربيع العرب والربيع اللبناني. ثم تحدث النائب السابق فارس سعيد، وقال: «ما دفعنا إلى هذا اللقاء هو الإحساس بالمسؤولية حيال ما يجري في منطقتنا العربية من تحول تاريخي، وهو في تقديري عملية ضخمة لا تزال في أوج تفاعلاتها ولن يكون تأثيرها في منطقتنا بأقل من تأثير الثورة الفرنسية عام 1789 في أوروبا». وأضاف: «نرى في ما يحدث تأكيداً لخياراتنا التاريخية، لا مفاهيم مستجدة، لأن مفاهيم الثورة هي مفاهيمنا التاريخية. نرى فيه أيضاً مصلحة أكيدة لا ينبغي النظر إليها بعين القلق والتوجس. إن ضمانتنا كلبنانيين هي في وحدتنا وتضامننا، مسلمين ومسيحيين، ذلك التضامن الذي أطلق الربيع العربي مع انتفاضة الاستقلال عام 2005». ثم تحدث النائب السابق صلاح حنين، وقال: «مكتوب للبنان اليوم أن يكون العنوان الواضح لحق الشعوب بتقرير مصيرها سلمياً بعيداً من الغوغائية والسلاح»، معتبراً أن «لا يمكن أي فرد أو فريق أن يمارس سلطة لا تنبثق من الدولة ومؤسساتها الدستورية». ثم تحدث سامي نادر والبروفسور أنطوان قربان والمحامي إلياس مخيبر والصحافي ميشال حجي جورجيو والخبير في الشؤون الفلسطينية زياد الصايغ، قبل أن يتلو النائب السابق سمير فرنجية الوثيقة المعروضة للنقاش والمداولة وهي مقسمة إلى ثلاثة أقسام: أولاً «ما نريد التذكير به»، ثانياً «ما نرفضه» وثالثاً «ما نريده». وقال فرنجية: «نريد التذكير أولاً بدور الكنيسة في إطلاق ربيع لبنان الذي شكل الإشارة الأولى لربيع العرب. فقد وضع نداء المطارنة الموارنة في 20 أيلول/ سبتمبر 2000 الأسس لإنهاء سلطة الوصاية السورية واستعادة السيادة والاستقلال والقرار الحر، فبعدما كان لبنان ساحة لتسلط الآخرين، صار ساحة شهادة أبنائه جميعاً لحريتهم، وزخماً لأكبر انتفاضة شعبية في العصر الحديث». وتابع: «نريد التذكير ثانياً بأن الكنيسة كانت سباقة في مطالبتها بقيام الدولة المدنية، الحديثة والديموقراطية القائمة، كما جاء في المجمع البطريركي الماروني، على «التوفيق بين المواطنية والتعددية» وعلى «التمييز الصريح، حتى حدود الفصل، بين الدين والدولة، بدلاً من اختزال الدين في السياسة، أو تأسيس السياسة على منطلقات دينية لها صفة المطلق». وأضاف: «نرفض أولاً وضع المسيحيين في مواجهة ربيع العرب الذي يرتكزعلى قيمتي الحرية والعدالة»، مؤكداً أن «هذا الربيع العربي يشكل خبراً سعيداً للبنان، الذي ظل، على مدى أكثر من نصف قرن، موضوعاً لمحاولات حثيثة رمت، بدعوى «تعريب» نظامه، إلى جعله شبيهاً بالأنظمة المحيطة...». وقال: «نرفض ثانياً ربط مصير المسيحيين بمصير أنظمة القمع والاستبداد التي حولت العالم العربي إلى سجن كبير، فأخرجت شعوبها من الحاضر والمستقبل ووضعتها على هامش التاريخ. إنه موقف أخلاقي يفرضه إيماننا بالإنسان وحقه في الكرامة والحرية، فلا نقبل أن نكون مع الجلادين ضد الضحايا. وهو أيضاً موقف وطني إذ تتحمل هذه الأنظمة الاستبدادية مسؤولية حرب كلفتنا ثمناً باهظاً... ونرفض ثالثاً المشاريع الهادفة إلى ضرب الحضور المسيحي الأصيل في هذا الشرق وتحويل المسيحيين إلى مجرد أقلية تبحث عن حماية لها. والخلاف ليس، كما يصوره البعض، خلافاً حول اختيار الجهة التي توكل لها مهمة تأمين الحماية - حماية خارجية سورية، إيرانية أو غربية، أو حماية داخلية «شيعية» لمواجهة خطر «سنّي» أو «سنّية» لدرء خطر «شيعي» - إنما هو خلاف حول مبدأ الحماية الذي يحول المسيحيين إلى أهل ذمة ويفقدهم حضورهم ودورهم. وهذا ما لا يمكن القبول به». وتابع: «نرفض رابعاً العنف الذي يواكب هذا الربيع العربي. فهو عنف الأنظمة الاستبدادية في مواجهة مطالب الشعوب المشروعة. وهو أيضاً وفي الوقت نفسه عنف قوى التطرف التي ما زالت تتشبث بمنظومات أيديولوجية متداعية، وتحاول جاهدة وقف عجلة التاريخ». وقال فرنجية: «نريد أولاً إطلاق دينامية مدنية في الوسط المسيحي قادرة على التواصل مع ديناميات مدنية شبيهة لها في الطوائف الأخرى وفي المجتمع المدني من أجل إعادة الحياة إلى ربيع لبنان والتشارك مع القوى الديموقراطية التي ظهرت في ربيع العرب لوضع الأسس لعالم عربي ديموقراطي وتعددي قادر على استعادة دوره وموقعه في العالم بعد تغييب قسري دام نصف قرن». استعادة دور المسيحيين وزاد: «نريد ثانياً استعادة دور المسيحيين التاريخي في الشرق والمساهمة في إطلاق نهضة عربية ثانية تؤسس لثقافة جديدة، ثقافة العيش معاً... ونريد ثالثاً العمل على إنهاء دورة العنف المستمرة منذ عقود وبناء سلام لبنان بالتعاون مع كل المخلصين. فنحن اليوم أمام لحظة مصيرية: إما العودة بلبنان إلى ما كان عليه في العقود الثلاثة الأخيرة، ساحة عنف مجاني للقوى الإقليمية والخارجية، تستجيب لأوهام البعض في أن مستقبلهم لا يزال يتطلب مزيداً من الدماء والعذابات والدمار، وإما إعادة صوغ لبنان بلداً يطيب العيش فيه، ودولة قادرة على النهوض بمسؤولياتها». ورأى أن «سلام لبنان يحتاج أولاً إلى استخلاص دروس الحرب والإدراك، كما جاء في المجمع البطريركي الماروني، أن مصير كل واحد منا مرتبط بمصير الآخر... وسلام لبنان يحتاج ثانياً إلى استعادة الدولة سيادتها المفقودة منذ عام 1969 وتأكيد حقها الحصري في امتلاك القوة المسلحة. فلم يعد مقبولاً ولا مبرراً وجود جيشين في دولة واحدة، يخضع أحدهما لإمرة السلطة الشرعية، ويخضع الآخر لإمرة حزب سياسي أو دولة أجنبية. وسلام لبنان يحتاج ثالثاً إلى تحرير الدولة من صراعات الطوائف عليها والشروع، تأسيساً على اتفاق الطائف، في بناء دولة مدنية». وقال: «سلام لبنان يحتاج رابعاً إلى إنهاء حقبة سوداء في تاريخ العلاقات اللبنانية - السورية ودعم القوى التي تناضل من أجل قيام نظام ديموقراطي في سورية، الأمر الذي يشكل الشرط الأساس لإقامة علاقات تعاون وصداقة بين البلدين تضمن مصلحة الشعبين اللبناني والسوري». وأكد أن «تحديد دور المسيحيين في الربيع العربي ليس شأناً مسيحياً خاصاً، إنما هو شأن المسلمين أيضاً، وهو شأنهما معاً وسوية».