عندما سئل أسامة بن لادن عن علاقته بالجماعات المصرية والجزائرية، أجاب في محطة "سي. ان ان" قبل أيام "إنهم إخوة لنا يطلبون العون لحمايتهم من الإرهاب الحكومي ويجب مساعدتهم". وعلى رغم أن الاجابة لا تكشف الكثير، إلا أنها تلخص بدايات العلاقة بين المليونير اسامة بن لادن وقيادات الجماعات الاسلامية المتطرفة في مصر والجزائر، يوم كان اسامة مجرد ثري عربي يؤمن بالجهاد ضد الشيوعيين في افغانستان. وبعد مرور تسع سنوات كاملة على وصول ابن لادن لهذه المناطق ظهر فيها للمرة الأولى العام 1989 تعدت العلاقة حدود التمويل الى شكل من أشكال "الأممية الجهادية" التي عبرت عن نفسها في ما يسمى ب "الجبهة العالمية الإسلامية لجهاد اليهود والصليبيين". واللافت أن ابن لادن لم يظهر منذ الهجمات الاميركية الخاطفة، فقد تولى امير تنظيم "الجهاد" المصري الطبيب أيمن ربيع الظواهري 47 سنة الاتصال بوكالات الانباء وتهديد الاميركيين وإعلان "الحرب الجهادية" عليهم في كل مكان. ولم ينس الظواهري أن يؤكد للذين اتصل بهم من الصحافيين، أن ابن لادن حي يرزق وأنه يجلس الى جواره وهو يجري اتصالاته. وكانت تقارير الاستخبارات الاميركية أشارت الى وجود الظواهري مع ابن لادن أثناء الهجمات الاميركية التي نجيا منها بأعجوبة. وقبلها بشهور ظهر اسامة بن لادن في مؤتمر صحافي بمناسبة إعلان "الجبهة العالمية ضد اليهود والصليبيين" والى يمينه الظواهري، فالرجلان لا يفترقان منذ أن التقيا للمرة الأولى في صيف 1989، عندما وصل ابن لادن الى منطقة بيشاور الحدودية بين باكستانوافغانستان ليرى بعينه النتائج العملية لتمويله والأفواج التي يرسلها من "المجاهدين العرب" الى هناك للحرب ضد الشيوعيين. ويقول مصدر قريب من الجماعة إن "ابن لادن والظواهري كلاهما كان معجباً بدور الآخر قبل هذا اللقاء"، حيث كان ابن لادن مليونيراً عربياً مستعداً لفتح حسابه المصرفي في سويسرا وأميركا أمام "الجهاد الإسلامي" في افغانستان. ويضيف المصدر نفسه إن الظواهري هو الذي حول اتجاه اسامة الفكري الى الاصولية، من مجرد العمل الخيري الى الاتجاه الجهادي، وبعدها أصبح اسامة أقرب الى افكار الظواهري الجهاد المصري الذي يعظم قيمة العمل العسكري الانقلابي على العمل التربوي الدعوي. وساعد الظواهري على الاستيلاء على قلب ابن لادن وعقله مصري آخر اسمه علي الرشيدي المكني ب "أبو عبيدة البنشيري" أمين شرطة مفصول في القاهرة لنشاطه المتطرف، وكان متهماً في قضية تنظيم "الجهاد" 1981 ومن طلائع الذين وصلوا الى افغانستان، والتقى ابن لادن مبكراً. وكان معروفاً أنه مصدر ثقة للمليونير العربي وصديق شخصي له قبل أن يلقى مصرعه قبل عامين - غرقاً - في إحدى بحيرات رواندا في أول ظهور فعلي لتنظيم "الجهاد" في افريقيا. ويقول المصدر إن أبو عبيدة ملك قلب اسامة واستولى الظواهري على عقله فأصبح جهادياً اكثر من الجهاديين انفسهم. وفي المؤتمر الصحافي لمناسبة إعلان "الجبهة" لاحظ المراقبون في القاهرة أن الشريط الذي تسرب الى القاهرة غاب عنه رفاعي أحمد طه أمير "الجماعة الإسلامية" 43 سنة، ولم يحضره أي من قيادات "الجماعة الإسلامية" المعروفين بوجودهم في الأحوال العادية، حول اسامة، مثل محمد شوقي الاسلامبولي شقيق خالد الاسلامبولي الذي اغتال الرئيس أنور السادات، وكذلك مصطفى حمزة أبو حازم المتهم بمحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في اديس ابابا، وهم في الأساس لا يفارقونه ليل نهار، خصوصاً أن الجماعة كانت طرفاً أساسيا في الإعلان عن "الجبهة" وفسرت مصادر قريبة من الجماعة في القاهرة أن تعقيدات العلاقة بين اسامة والجماعة أحياناً تعبر عن نفسها في مثل هذه المواقف، وأن وجود الظواهري يكفي سببا لغياب أي من قيادات الجماعة. وتعيد المصادر تعقد العلاقة لأسباب عدة: الولاية والامارة أولها أن ابن لادن استقى افكاره ومعلوماته عن الجماعة من الظواهري، والظواهري كما هو معروف صاحب فتوى الإمارة التي أطاحت بفرص الدكتور عمر عبد الرحمن في ارتقاء إمارة الجماعات الراديكالية المتطرفة على مستوى مصر وخارجها، عندما أفتى الظواهري بأنه "لا ولاية لضرير" ويقصد بذلك الدكتور عمر عبدالرحمن، و"ولا إمارة لأسير" يقصد عبود الزمر والقيادة الجهادية البارزة في سجن ليمان طرة التي تقضي عقوبة بالسجن 40 سنة في قضيتي اغتيال السادات وتنظيم الجهاد. وهذه الفتوى فضلاً عن أنها كانت سبباً مباشراً لفض التحالف بين "الجماعة" و"الجهاد"، خلقت عداءً مباشراً لدى قيادات "الجماعة" تجاه الظواهري. لذلك عندما وصلت طلائع "الجماعة" الى بيشاور والتقت ابن لادن كانت المياه تعكرت، فلم يبق لاعضاء "الجماعة" نصيب من عقل ابن لادن أو قلبه. ولكن هناك نصيب في تمويله كغيرهم من الجماعات. والأمر الثاني أن "الجماعة" ظلت تنظر الى ابن لادن على أنه مجرد ثري عربي، وفي المقابل هم مناضلون مجاهدون، خصوصاً أن عملياتهم في القاهرة والصعيد عامي 9219 و1993 كانت مدوية، في حين بقي الظواهري الى جوار ابن لادن من دون عمل حقيقي. وتقول مصادر أمنية مصرية إن علاقة الظواهري بابن لادن لم تمنع الأخير من مساعدة "الجماعة" في تأسيس معسكر "المرابطون"، في مقابل معسكر "الخلافة" التابع ل "الجهاد" وكان يتكفل بكل شيء من تسفير المجاهدين حتى توصيلهم الى الجبهة. ففي اعترافاته بالقضية 391 لسنة 9219 المعروفة باسم "العائدون من افغانستان" يقول المتهم عيسوي بسيوني محمد دحروج، إن ابن لادن كان مسؤولا عن كل شيء، "فبمجرد أن وصلت التقاني رجل يدعى أبو عبد الله يعمل في بيت الضيافة، الذي يديره ابن لادن. بعد ذلك استخرج لي أبو عبد الله تأشيرة الى باكستان وحجز لي تذكرة الطائرة، وسافرت وحدي بعد ان قال لي إن هناك ناساً تنتظر المجاهدين في مطار اسلام اباد، كان معي في الطائرة مصريون عرفت منهم أبو اسامة وأبو عبد الرحمن، بعدها ذهبنا على "بيت الأنصار" الذي ينفق عليه اسامة ابن لادن، وهناك بقيت ليومين ثم منه الى "بيت الشهداء" وهو تابع لابن لادن أيضاً، وأخيراً الى "معسكر باري"، كان المسؤول عن المعسكر "أبو تركيا" الليبي وبقيت فيه لخمسين يوماً تدربت خلالها على مدافع كلاشينكوف وهاون ورشاش، وبعدها ذهبت الى الجبهة في منطقة "ترنمار" على بعد 140 كيلومتراً من الحدود. وهناك تعرفت على الجماعة الإسلامية وذهبت معهم الى "بيت المرابطين"، حيث عرضوا عليّ الانضمام للجماعة وأنا وافقت وسموني أبو عبيدة العباسي. ونقلوني الى معسكر الخلافة وهو معسكر تدريبي للجماعة في منطقة خلدن على الحدود، وكلها معسكرات وبيوت كانوا يقولون إن ابن لادن يصرف عليها، ولكني لم ألتق به أو آراه رؤى العين". وفي اعترافات أخرى بالقضية نفسها يقول المتهم اشرف احمد يوسف البدوي 20 سنة إنه بعد أن سمع أشرطة الكاسيت عن الجهاد الأفغاني والشهداء سأل صاحب المكتبة عن طريق السفر الى هناك. فقال له هناك مكتب وشخص اسمه اسامة ابن لادن، ذهبت الى المكتب وسألت عن كيفية السفر فقالوا فقط هات جواز السفر، اقتنعت وقلت فرصة الواحد يُستشهد هناك أخذت شنطتي وأوراقي وذهبت الى المكتب وقلت لهم أنا هربت من والدي فقالوا أمكث في المكتب لأيام، بعدها احضروا التأشيرة وتذاكر السفر وكان معي على الطائرة جنسيات عربية كثيرة في الاتجاه نفسه، وصلنا مطار كراتشي وجدنا أتوبيساً في انتظارنا، وبه انتقلنا الى بيت ضيافة الانصار التابع لاسامة بن لادن، وبعد ليلتين أوصلونا لمعسكر "الفاروق" داخل افغانستان وبعدها بدأت التدريبات، ونظراً لاصابتي في قدمي بشرخ رجعت الى "بيت الانصار"، وهناك علمت عن وجود بيت للمصريين تابع للجماعة الإسلامية التي أميرها عمر عبد الرحمن، وهناك التقيت الشيخ أبو طلال طلعت فؤاد قاسم وأبو ياسر رفاعي أحمد طه. وكان لإبن لادن وجود مهم في السودان والبوسنة، وكالعادة عبر أصدقائه من المصريين الذين كانوا يتجمعون في البناية الرقم 15 بحي العمارات في الخرطوم بحري حيث يسكن ابن لادن. وفي مذكرة تحريات جهاز أمن الدولة في مصر عن نشاط المتهم سعيد سلامة الذي جرى ترحيله من إحدى الدول العربية وفق الاتفاقية الأمنية والملقب بالديبلوماسي لكثرة أسفاره تقول المذكرة "إن سلامة كان يرعى انشطة ومشروعات لابن لادن في السودان تقدر بحوالي 50 مليون دولار، وأنه أسس في السودان كما في افغانستان معسكرين أحدهما للجهاد والآخر للجماعة، وكان هناك نحو خمسين مصرياً يقيمون معه في قصره بالخرطوم بحري، أبرزهم أبو عبيدة البنشيري. وثروت صلاح شحاتة 37 سنة المحكوم عليه بالإعدام في قضية الدكتور عاطف صدقي وعادل السيد عبد القدوس 38 سنة محكوم عليه بالاعدام في القضية نفسها، ومن الجماعة كان هناك أبو حازم مصطفى حمزة ورفاعي أحمد طه أمير الجماعة - أبو ياسر ومحمد شوقي الاسلامبولي شقيق خالد الاسلامبولي، وجميعهم غادروا مع ابن لادن بعد محاولة اغتيال الرئيس مبارك في أديس ابابا. مصادر قريبة من "الجماعة" تقول إن ما جرى في السودان وافغانستان جرى مثله على ايدي اسامة بن لادن في البوسنة وعن طريق المصري انور شعبان الذي كان يدير المركز الإسلامي في روما. واستطاع اسامة تسفير المجاهدين العرب الى هناك، وقبل أن يلقى شعبان مصرعه ويترك القيادة لأحد المجاهدين الخليجيين - العام 1994 - كان قد أسس بمعرفة اسامة وأمواله معسكرات للجماعة ومثلها "للجهاد"، تدفق من خلالها المجاهدون العرب والمصريون على تلك المناطق. وتقول المصادر نفسها إن اسامة كان يتبرع بتذاكر الطيران للمجاهدين من مسقط رؤوسهم الى بيت الأنصار ثم الى البوسنة أو الخرطوم أو افغانستان ويهب كلا منهم ألف ريال كمصروف جيب حتى يصلوا الى معسكر القاعدة الذي يتولاه هو شخصياً، وتضيف ان أول من ذهب الى هذا المعسكر كان أيمن الظواهري. واللافت ان ابن لادن فشل حتى الآن في مصالحة "الجماعة" و"الجهاد". وكان قد حاول اكثر من مرة، آخرها اثناء الاحتفال بدخول "طالبان" كابول. إلا أن المحاولة لم تنجح، خصوصا أن اسامة متهم بمحاباة الظواهري على "الجماعة"، كما أن عمق الخلافات بين التنظيمين اكبر من جهود اسامة في التوفيق. وتجلت تلك الخلافات في انسحاب رفاعي أحمد طه مما يعني انسحاب "الجماعة" من الجبهة العالمية التي أعلنها ابن لادن قبل شهور، على رغم سابق توقيع رفاعي على بيانها التأسيسي، وحسب مصادر قريبة من الجماعة في الداخل فإنها لم تكن تقبل الدخول في جبهة ليس لها فيها الصدارة. اضافة الى انها جبهة غير معروفة الأهداف، خصوصاً أن قتل الاميركيين لم يحسم شرعياً لدى مرجعيات "الجماعة". كما أن رفاعي اتخذ قراره من دون الرجوع الى مجلس شورى ليمان طرة ويعرّض مصالح الجماعة للخطر خصوصاً أنها لم تشف بعد من اثار حادثة معبد الدير البحري في الأقصر التي هددت أمان عناصرها في الخارج والداخل. ربما هذا ما يفسر سرّ اختفاء رفاعي وبقية عناصر "الجماعة" من مؤتمر ابن لادن الصحافي وظهور الظواهري فقط، واضطلاعه بالمهمة الصحافية وحده، إضافة الى سببين آخرين، أولهما أن أيمن يوطد دعامته ل "الجهاد" بعمليات من الوزن الثقيل يرعاها اسامة ويشارك فيها أيمن ولو بشكل إعلامي، وثانيهما، أنه يوازن بين "الجهاد" والجماعة في العمل المسلح الذي قامت به "الجماعة" من العام 1986 وحتى الآن