منذ تفجيرات الحادي عشر من أيلول سبتمبر الماضي احتل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري صدارة اهتمامات الرأي العام العالمي وتتابع الإعلاميون والباحثون، من مختلف انحاء المعمورة، على تقصي خبرهما ومعرفة تاريخهما. بل وسارع كثير منهم الى مصر لإلقاء الضوء على العلاقة التي ربطت بين الرجلين ومعرفة "الظواهري - اللغز"، بحسب ما قال لي كثير ممن قابلتهم من هؤلاء الوافدين الى مصر طيلة الأسابيع الماضية. ولعل أهم التساؤلات التي شغلت أولئك الباحثين أو الإعلاميين هو لماذا يتبنى الظواهري وبن لادن هذا الفكر المعادي للغرب رغم توافر أسباب الحياة الكريمة لكليهما؟ وغاب عن هؤلاء أن ربط سبب وجود الفكر الإسلامي بالفقر، وقصر أسباب أزمة العنف على الجانب الاقتصادي، تسطيح مبالغ فيه للحقيقة، أو لأسباب الأزمة. وفاتهم أن الفكرة حينما تتمكن من صاحبها، فلا عبرة بعد ذلك لعوامل اجتماعية أو اقتصادية. هذا عن الفكر. كما أن العنف مرتبط باحتقان مزمن، وانسداد لقنوات التفاهم يؤدي بالضرورة إليه. ومن الخطأ، أولاً، الاعتقاد الشائع بوضعية أيمن الظواهري داخل التحالف المبرم بين بن لادن وجماعة "الجهاد" المصرية التي يقودها الظواهري. فالقراءة الجيدة للواقع القريب نسبياً توصل الى نتيجة مؤكدة مفادها أن زعيم جماعة "الجهاد" المصرية، والمطلوب الثاني لدى الولاياتالمتحدة الأميركية، لعب دوراً مهماً في التأثير على خلفية أسامة بن لادن الفكرية، بعدما قابله، المرة الأولى، في بيشاور عام 1987، بعد خروج الظواهري من مصر مروراً بالسعودية التي عمل بها لمدة عام. فقد كان بن لادن، في ذلك الوقت، شاباً ثرياً، صاحب مرجعية سلفية يدعم الجهاد الأفغاني بالمال. وقبل أن يلتقي الظواهري التقى الشيخ عبدالله عزام، "أمير المجاهدين العرب". وكان للأخير دور في تحولات أسامة بن لادن الفكرية، أو الحركية. لكن تأثيره ارتبط، بقدر كبير، بأرضية الجهاد ضد الروس وإخراجهم من أفغانستان. فعزام لم يكن يذهب الى تصادم مع الحركات العربية. لكن التأثير الأكبر، برأينا، كان للظواهري الذي استطاع إقناع بن لادن بفكر الجهاد الانقلابي، بمعنى تغيير انظمة الحكم التي لا تحكم بشرع الله، وإقامة حكومة إسلامية تعمل على تحقيق هذا الحكم. وحينما نقرر ذلك فإننا لا نورده في مقام الحمل على منهج الظواهري، أو نقده، بقدر ما نتحدث من منطلق الخبرة التي نتمتع بها في شؤون الجماعات الإسلامية برؤية أكاديمية بحثية. فمنهج الظواهري، وهو ضمنه أبحاثه وأدبيات كتبه ومقالاته منذ عام 1968 حينما شارك في تأسيس أول "خلية جهادية" في مصر مع يحيى هاشم وإسماعيل طنطاوي ونبيل البرعي ومحمد الشرقاوي وعصام القمري، واضح في سعيه الى قلب نظام الحكم الذي لا يحكّم شرع الله واستبداله بآخر ينفذه. ولذلك كان يرى العمل السري، عبر عناصر عسكرية أو شبه عسكرية. فحينما نقرر ذلك لا نحمل على الظواهري بقدر ما نؤرخ له أو نقوم منهجه في فترة يحتاج الناس فيها الى معرفته. وعلى رغم أن دور الظواهري في قضية "الجهاد" 1981، وواقعة اغتيال السادات كان ضعيفاً، واقتصر على إمداد التنظيم وقتها بالأسلحة، ولم يكن محورياً في إدارة شؤونه، إلا أن أجهزة الأمن فطنت الى أهميته لاكتشافها ارتباطاته بعدد من العكسريين، وقتها، أبرزهم عصام القمري وعبدالعزيز الجمل. ولذلك سعى الظواهري الى الخروج من مصر، بعد الإفراج عنه عام 1984، لأنه أيقن صعوبة تحركه بمنهجه السري ذاته. ولا أتجاوز الحقيقة إذا قلت إن زعامة الظواهري الفعلية ولدت بين عام 1987 و1990، في بيشاور، بعد أن التقى بن لادن، وسرت بينهما علاقة إنسانية وصداقة وطيدة. ومكّنته تلك العلاقة من امكانات مادية ومعنوية ومعسكرات كفلت له أن يجمع شتات تنظيم "الجهاد" الذي كان اصابه الضعف آنذاك في مصر. ووقتها ردد الظواهري أنه "لا ولاية لأسير"، في إشارة إلى المقدم عبود الزمر الذي كان يعد في ذلك الوقت رمزاً لجماعة "الجهاد". واستطاع الظواهري أن يجمع حوله كل رجال الزمر. وأضاف اليهم كثيراً من الشباب الذي سافر للقتال ضد الروس ومساعدة الأفغان، من دون أن تكون لديهم اهتمامات سياسية أو روابط تنظيمية. أحكم الظواهري الزمام بإقناع بن لادن بفكر الجهاد، وزرع حوله مجموعة من أخلص رجاله صاروا في ما بعد أبرز قيادات بن لادن، أو الجبهة التي أسسها الظواهري وبن لادن، عام 1998، مثل أبو عبيدة البنشيري الذي غرق في بحيرة فيكتوريا في افريقيا عام 1996، وأبو حفص محمد عاطف وغيرهما. وإذا كان الظواهري لعب دوراً كبيراً في تغيير بن لادن والتأثير فيه، فإن الأخير أيضاً لعب دوراً كبيراً في تغيير الظواهري والتأثير عليه. فقضية مواجهة العدو القريب أولى من العدو البعيد كانت محور فكر الظواهري. وكان كثيراً ما يردد أن تحرير القدس يبدأ من القاهرة. وكانت قناعته هذه سبباً أصيلاً في رفضه لمبادرة وقف العنف التي أطلقتها القيادات التاريخية "للجماعة الاسلامية" في تموز يوليو 1997، وانتقاده الحاد لشخصي لدوري في ترويج المبادرة. ولكنه وفقاً لما قرره أحمد النجار في تحقيقات قضية "العائدون من ألبانيا"، وبعد إخفاقات متكررة للعمليات المسلحة التي حاول أن يضعف بها النظام المصري، من عام 1993 حتى 1997 والقبض على أعداد كبيرة من عناصر تنظيمه داخل مصر، استمع الى نصيحة بن لادن بوقف مواجهاته المسلحة داخل مصر، ومشاركته التحالف ضد عدو مشترك متمثلاً في أميركا وإسرائيل، ووقّع معه وثيقة تأسيس "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين" في شباط فبراير 1998. * محام مصري.