الخرطوم .. مساء الثلاثاء 10 كانون الاول ديسمبر الجاري. تنساب السيارات ومركبات النقل العمومي في شوارع مدن العاصمة المثلثة الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري في هدوء مثلما ينساب نهر النيل الذي يشق المدن الثلاث. حركة غير عادية في منزلي رئيس وزراء السودان السابق السيد الصادق المهدي في ضاحيتي ود نوباوي والملازمين. السيارات تزحم الطرق المؤدية الى هناك، والسودانيون يفدون بلا انقطاع وهم يرتدون جلابيبهم الناصعة البياض، ويلفون عماماتهم حول رؤوسهم. هذا المساء يقيم رئيس الوزراء السابق حفل شاي كبير في حديقة منزله في مناسبة زواج كريمته رباح الصادق المهدي. ودرج آل المهدي على إقامة حفلات الشاي بهذه الطريقة لتعزيز التعارف بين أسرتهم والأسر التي تصاهرهم. كان لافتاً أن عدد الحضور فاق التوقع، لأن أسرة المهدي نفسها كبيرة، إذ إن حفدة مؤسسها الامام محمد أحمد المهدي يصل عددهم الآن الى ما يراوح بين 600 و700 شخص طبقاً لصديق الاسرة غراهام توماس، وهو اداري بريطاني متقاعد عمل في الخرطوم إبان العهد الاستعماري. ضيوف الاسرة يأتون من كل حدب وصوب، ومن كل الاتجاهات السياسية، أبرزهم الدكتور حسن الترابي العقل المدبر للنظام الذي سلب المهدي شرعيته الانتخابية بانقلاب أبيض قاده الفريق عمر حسن البشير العام 1989، ترافقه زوجته وصال الصديق المهدي شقيقة رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب الامة. وكان هناك عدد كبير من ضيوف حفلة الشاي من آل المهدي الآتين من لندن خصيصاً لحضور المناسبة. كما كان هناك الصديق نجل المهدي الذي عاد من الولاياتالمتحدة ليفرح بشقيقته. نجم الحفلة بالطبع والد العروس الذي يسعى عدد كبير من المدعوين الى لقائه وتلبية دعوته لتعزيز أواصرهم الشخصية والسياسية معه. في تلك الليلة طال انتظار الضيوف لوالد العروس. تصدى للقيام بالمهمة عميد آل المهدي السيد أحمد عبد الرحمن المهدي، وهو عم الصادق وكان وزيراً للداخلية في إحدى حكومات حزب الامة قبل وقوع انقلاب الرئيس السابق جعفر نميري. كان رئيس الوزراء السابق قد خرج من منزل زوجته الأخرى عصراً وهو يحمل معدات رياضة البولو التي عهد عنه شغفه بممارستها. وحوله مساعدوه من أبناء "الانصار" الذين نذروا أنفسهم لبيت المهدي. محمد مزمل، أبكر، عبد الرحمن، ادريس ... سائقون وحراس شخصيون وأعوان. تحت الأشجار الظليلة القريبة من بيت المهدي، وهي المقر المفضل لرجال الأمن المكلفين مراقبة تحركات رئيس حزب الامة ورصد زائريه من مواطنين وديبلوماسيين أجانب، أدرك رجال الامن أن "رهينتهم" سيمتطي بعد قليل حصان البولو ليمارس رياضته المفضلة ثم يعود ليبدل ثيابه استعداداً للتوجه الى المنزل الآخر حيث تقام حفلة الشاي. لم يكن ثمة ما يوحي بأن رئيس حزب الامة - أحد الحزبين الكبيرين في البلاد - يخطط لأي شيئ يمكن أن يهدد نظام الفريق عمر البشير. وكيف يفعل ذلك وهو صاحب الدعوة الشهيرة الى "الحل السلمي القومي الديموقراطي" والى "الجهاد المدني"؟ وكيف يضمر شيئاً آخر بعدما شاهده ملايين السودانيين داخل البلاد وخارجها وهو يتحدث الليلة السابقة مساء الاثنين 9 كانون الاول في برنامج "علمتني التجربة" الذي بثت القناة الفضائية السودانية الحلقة الثانية من أربع حلقات سجلتها مع المهدي في منزله. تأخر رئيس الوزراء السابق حتى بدأ ضيوفه يتململون. سأل بعضهم زوجته سارة الفاضل فردت عليهم بأنه كان مريضاً ومتعباً. وشيئاً فشيئاً بدأت دائرة السؤال تتسع، بل قفزت فوق أسوار المنزل لتصل الى مسامع رجال الامن الذين كانوا يراقبون المنزل وأهله وضيوفهم. كان الصادق المهدي في ذلك الوقت نأى عن العاصمة مسافة زمنية تزيد على ثلاث ساعات. يقول الحارث ادريس وهو ديبلوماسي سابق يعد من المقربين الى رئيس حزب الامة إن الوقت لم يحن بعد لكشف كل التفاصيل المتعلقة بهروب المهدي لاسباب أمنية تتصل بسلامة بعض الأشخاص الذين عاونوا في إنجاح المهمة، لكنه شدد على أن أنصار المهدي لا يعتبرون خروجه من السودان "هروباً، وإنما هي هجرة. وتصرف يحض عليه الدين، وقد هاجر الامام المهدي والامام الهادي، بل هاجر الصادق نفسه ابان معارضته لنظام نميري". ويضيف: "لا بد من أن يتأمل السودانيون تأثير هذه الهجرة القسرية التي أتت بسبب إرث القهر الذي سامه النظام للمهدي وأبناء الأنصار وبقية مواطني البلاد. وليس في أدبياتنا وفكرنا ما يجعلنا نتحفظ عن هذه الهجرة، لأنه يجوز ديناً الاستنصار لرد الظلم. ولعل أكثر ما يهمنا تبيانه في هذه الناحية أن المهدي بقي متمسكاً بشرعيته الديموقراطية المنتخبة حتى لحظة مغادرته السودان، وهو أمر مهم لأنه خرج زعيماً للشعب السوداني وليس مجرد زعيم حزبي كما يعتقد خصومه". بداية الرحلة شرقاً في مكان ما بدَّل رئيس الوزراء السابق وأعوانه السيارة التي أقلتهم الى الملعب الذي كان يفترض أنه سيلعب البولو على أرضه. ويبدو أن الخطة رتبت على أساس وجود عدد من السيارات نصف النقل اليابانية الصنع لنقل المهدي وحاشيته. وكان أبرز مرافقيه نجله الأكبر الملازم الاول المتقاعد عبد الرحمن الصادق الذي اقصته حكومة الفريق البشير من القوات المسلحة بعد وصولها إلى الحكم. وقال المهدي في البيان الذي تلاه في المؤتمر الصحافي الذي عقده إثر وصوله الى أسمرا إن خروجه تم بالامكانات الخاصة لحزب الامة. وأشار الى أن قرار الخروج اتخذ في 5 كانون الاول، ونفذ في الايام الخمسة التالية. غير أن الأجهزة المعنية في بلدان مجاورة أحيطت علماً بخروج الزعيم السوداني. ويعتقد أن معاونيه أحاطوا الاريتريين الذين يستضيفون مقر التجمع الوطني الديموقراطي تنظيم المعارضة بالتأهب لاستقبال زعيمهم. ولذلك أمرت أسمرا بارسال مروحية عسكرية لنقل المهدي ومرافقيه الى العاصمة الاريترية. تناوب عدد من سائقي السيارات من اعوان المهدي قيادة السيارات نصف النقل التي أقلتهم، غير ان القائد الرئيسي للعملية هو الملازم الأول عبدالرحمن الصادق. وبقي المرافقون الآخرون الذين يقدر عددهم ب 24 شخصاً على أهبة الاستعداد لاطلاق النار من اسلحتهم في حال حدوث أي شيء يهدد حياة زعيمهم. وقال أحد قادة حزب الأمة في الخارج ل "الوسط": ليس سراً ان لدى الانصار اسلحة كثيرة مخبأة لكن وقت استخدامها لم يحن بعد! وأضاف: لا شك في ان المحرك الرئيسي لخطة خروج المهدي هو ساعده الأيمن الدكتور عمر نور الدائم الامين العام للحزب ووزير الزراعة والمال السابق. وهو يقيم في اسمرا والقاهرة ولندن منذ سماح السلطات السودانية بخروجه لتلقي العلاج في الخارج قبل ثلاثة أعوام. وقال ل "الوسط" أحد افراد أسرة المهدي ان رئيس الوزراء السابق درس مع معاونيه خطة المغادرة بدقة شديدة، واختار معهم أقرب الطرق الى الحدود مع اريتريا، بعدما جهزوا زاداً يكفيهم بضعة أيام تحسباً من احتمال توهنهم أو اضطرارهم الى تغيير وجهتهم لتفادي أي دوريات أمنية. وعندما بدأت البلبلة تجتاح قادة الاجهزة الامنية المكلفة مراقبة المهدي، كان موكب رئيس الحكومة السابق وصل الى الحدود بعد مسيرة استمرت اكثر من 12 ساعة. ولم يكن على علم بمغادرته سوى زوجته وعدد محدود من معاونيه. وتستطيع "الوسط" ان تؤكد ان شقيقه السيد فيصل الصديق المهدي المقيم في بريطانيا، وكان يزور السودان لحضور زواج كريمة شقيقه، لم يُبلّغ بمغادرته الا بعد أكثر من عشر ساعات من انطلاق ركبه. وفي صباح اليوم التالي الأربعاء ارسل قائد جهاز الأمن الداخلي 50 من رجاله الى منزل رئيس الوزراء حيث أحاطوا بالمنزل ودخل بعضهم لتفتيشه. وهدد عدد من رجال الأمن - حسب مصادر الأسرة - بمصادرة المنزل. لكن ذلك الاجراء مستحيل قانونياً، "لأن المنزل مسجل باسم السيدة وصال والسيد فيصل والمرحوم صلاح الصديق اشقاء الصادق المهدي. كما ان معظم أملاك الأسرة تتبع ل "دائرة المهدي" التي تعنى بتنظيم النشاط الاقتصادي للأسرة، مما يعني انها لا تزال مملوكة على الشيوع وليست باسم الصادق المهدي. ولأن الخبر سرى كالنار في الهشيم، وعمّ ارجاء مدن العاصمة الثلاث، اضطرت الحكومة السودانية الى اصدار بيان باسم وزارة الداخلية أشار الى "اختفاء" المهدي، "واتضح لاحقاً انه الآن خارج البلاد". وقال مصدر أسري ل "الوسط" ان أكثر أفراد الاسرة سعادة بخروج المهدي شقيقته وصال "التي أبدت ارتياحها لخروجه من براثن النظام". وقبيل غروب شمس الاربعاء قرر مسؤولو قوات الأمن سحب وحدة المراقبة التي ترابط أمام منزلي زعيم حزب الأمة. وبدا واضحاً خلال تلك الساعات ان افتضاح خروج المهدي كان وقعه صاعقاً على مسؤولي الحكومة التي تديرها الجبهة الاسلامية القومية بزعامة الدكتور الترابي. وأصدر وزير الاعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور الطيب ابراهيم محمد خير تصريحاً هاجم فيه المهدي، وتلاه الرئيس السوداني بهجوم مماثل. ورحبت اريتريا وزعماء المعارضة السودانية والولاياتالمتحدة بخروج المهدي. وقال عادل سيد أحمد عبدالهادي رئيس الحزب الاتحادي الديموقراطي المعارض في لندن ل "الوسط" ان وصول رئيس الحكومة السابق الى الخارج قوبل بارتياح شديد من قبل المعارضة السودانية. وأشار الى ان خروجه يسحب من الحكومة "الورقة المهمة والوحيدة". واعتبرت أوساط ديبلوماسية عربية ان وجود المهدي في الخارج سيتيح للمعارضة السودانية "انضاج خيار الكفاح المسلح الذي يبدو انها عقدت العزم على انتهاجه". غير ان المهدي نفسه أكد انه سيواصل السعي الى حل للازمة السودانية لا ينطوي على اراقة دماء السودانيين. لكنه حذر من ان عدم استجابة النظام للضغوط سيحمل السودانيين على انتهاج كل السبل المتاحة لاستخلاص حقوقهم. وهي اشارة واضحة الى ان خيار العنف قد يصبح أمراً واقعاً. مخاطر التدويل ويعتقد ان بقاء رئيس حزب الأمة في الخارج سيتيح له "تفعيل ايقاعات العمل المعارض في سودان ما بعد خروج المهدي" على حد تعبير ديبلوماسي اريتري في لندن. وستكون الفرصة متاحة له للقيام باتصالات مكثفة لاحياء الاهتمام بقضايا مهملة تسيطر على الخطاب السياسي للمعارضة السودانية، وهي: - قضية احلال السلام في جنوب السودان وتنظيم العلاقات الخارجية مع دول الجوار السوداني. - تنشيط الحوار بين الاسلام والغرب ومناقشة ظاهرة الارهاب الدولي وانعكاساته على الدولة الاسلامية المعاصرة. - عولمة التنمية. - الخطاب الديموقراطي والانتقال السلمي الى نظام حكم يأتي بأرادة الناخبين. - فرص التعايش والتباين بين الاسلام والديموقراطية. - البحث عن دور للسودان في عالم القرن الحادي والعشرين. وبدا واضحاً ان مخاطر تدويل الازمة السودانية من خلال النشاط المرتقب في الخارج للزعيم السوداني ليست بالضخامة التي صورتها بها جهات موالية للحكومة السودانية. اذ ان المهدي أعلن في مؤتمره الصحافي الذي عقده في اسمرا انه سيدعو الى احلال السلام في جنوب البلاد من خلال مشروع السلام الذي اقترحته منظمة الهيئة الحكومية للتنمية ومكافحة الجفاف ايغاد. وقال انه يريد تحولاً الى الديموقراطية من خلال اشراف دولي. وقال الاداري البريطاني المتقاعد غراهام توماس ل "الوسط" انه لا يزال سابقاً لأوانه التكهن بالتأثير الذي سينجم عن خروج المهدي، "لكن البلاد في حال سيئة، وهي بحاجة الى اصدقائها لمساعدتها. ولا ندري هل ستقبل الجبهة الاسلامية القومية ذلك. لكننا نصلي لله حتى لا تقع مذابح، وتراق دماء سودانيين أبرياء". وتابع: "آمل ألا يساهم خروج المهدي في زيادة ترجيح كفة الخيار العسكري لحسم مشكلة الحكم في السودان. ومن المؤكد ان الحسم العسكري خيار سيء. لكن النظام اختار الحل العسكري وهو يدرك انه لن يكون مجدياً على المدى البعيد". ودعا توماس - الذي كان ينوي ان يزور السودان خلال عطلة أعياد الميلاد ليقضيها مع أسرة المهدي لمزيد من التعمية لخطة مغادرة رئيس الوزراء السابق - المجتمع الدولي الى "الاقرار بأن السودان لن يتمكن من قطع الطريق وحده وانما هو بحاجة الى الآخرين. وآمل ان تدرك حكومته ذلك لانها تواجه عزلة متزايدة". وأقر الاداري البريطاني المتقاعد الذي عرف المهدي منذ طفولته بأن الانقسامات بين السودانيين عميقة، لكنه رأى انها "لن تقل عمقاً بمزيد من اراقة الدماء". وسألته "الوسط" هل يمكن ان يساهم خروج المهدي في تغيير قناعات صهره الدكتور الترابي لتدبير مخرج من الأزمة؟ فأجاب: "أعرف الترابي منذ 30 عاماً. اقناعه بتغيير آرائه يحتاج الى معجزة. وما يهمنا ألا نرى مزيداً من التمزق واراقة الدماء. وهذه مناسبة لأذكره بواقعة شهدتها في السودان العام 1961، فعندما زاد ضيق السودانيين بنظام الفريق ابراهيم عبود 58 - 1964 طلبوا من امام الانصار الراحل الصديق المهدي والد الصادق المهدي ان يسمح لهم بمنازلة قوات الأمن. فرد عليهم: لن ألطِّخ يدي بدم أي مسلم. واتمنى مخلصاً ان يحذو الترابي حذو والد زوجته". 1964 و1985 وقال نصر الدين الهادي المهدي نائب رئيس حزب الأمة ل "الوسط" انه يعتقد ان خروج رئيس الحزب "اثبت انه مهما كان جبروت الانظمة العسكرية فهي لا تستطيع الصمود أمام السودانيين الذين ازالوا نظامين عسكريين العام 1964 و1985 ولا شك انهم سينجحون في ذلك للمرة الثالثة". وأشار الى ان لجوء المعارضة الى البندقية "خيار فرضه النظام على الشعب بتصرفاته وتصريحاته واجراءاته لكننا لم نقبل عليه رغبة منا في اراقة الدماء". وذكر ناشطون وحزبيون سودانيون ان خروج الصادق "سينعكس خيراً على حزب الأمة في المقام الأول". وهي اشارة - على ما يبدو - الى اختلاف وجهات النظر بين بعض قادة الحزب في الخارج. وقال ديبلوماسي افريقي في اديس ابابا ل "الوسط" انه يعتقد ان من الآراء المتداولة بين السودانيين وجيرانهم في الخارج الدعوة الى قيام "حكومة شرعية في المنفى" برئاسة المهدي، وذلك لدفع مساعي المعارضة لاستعادة الحكم الديموقراطي. ولم يخف عدد من مسؤولي حزب الأمة انهم قد يلجأون الى الخيار الذي لجأ اليه الرئيس الهايتي جان بيرتراند أريستيد الذي عاد الى بلاده في سياق عملية عسكرية أقرها مجلس الأمن التابع للامم المتحدة. أي تنازلات؟ لكن كيف تنظر الحكومة السودانية الى الأثر الناجم على خروج خصمها الرئيسي؟ يقول عبدالمحمود نور الدائم الكرنكي المتحدث باسم سفارة السودان في لندن: "عندما تحدث المسؤولون في الخرطوم عن عدم أهمية خروج المهدي فأنهم لم يسعوا الى ان يبخسوا خصومهم، اذ ان المهدي لم يكن جزءاً في أي من التحولات السياسية الكبيرة التي شهدتها البلاد، خصوصاً ثورة تشرين الأول اكتوبر 1964، وأحداث شعبان 1973، وعملية الغزو التي حدثت العام 1976، بل حتى سقوط نظام نميري العام 1985 لم يكن له دور فيه. أكثر من 30 عاماً والرجل بهذه الطريقة. شعوره الزائد "بأهميته الشخصية يجعله يضفي ظلالاً غير عادية على شخصيته، وتلك مشكلته ومشكلة المعجبين به". وسألته "الوسط" هل تأخذ الحكومة تهديدات المعارضة بشن عمليات عسكرية مأخذ الجد؟ فرد: "المعارضة متحمسة للخيار العسكري لكنها تفتقر الى الجنود. لديها بضع مئات من المقاتلين معظمهم من اتباع العقيد جون قرنق الذي يحاول ان يعوِّض بنشاطه في شرق السودان فقدانه للمبادرة في الجنوب. أؤكد ان المعارضة ليست قادرة على انهاء النظام وسيكشف خروج الصادق المهدي عمق الخلافات بين تنظيماتها ورموزها وتطلعاتها". وعندما أشارت "الوسط" الى ان المعارضة بقيت تتمسك بخيار الحل السلمي سنوات عدة حتى اضطرت الى اعلان الكفاح المسلح. ويعتقد انه لا تزال ثمة فرصة لتفادي العنف اذا قدمت الحكومة تنازلات لمصلحة الخيار غير العسكري، قال الكرنكي: "أي تنازلات؟ هل تعني عودتهم الى السلطة؟ دعوناهم الى المشاركة في الانتخابات النيابية والرئاسية في آذار مارس 1996 فقاطعوها. أما مبادرة ايغاد فتتعلق بقضية جنوب السودان ولا دخل لها بالوضع السياسي في البلاد لانه حُسم أساساً". وأضاف: "كان المهدي يخطب في مساجد انصاره، ويرسل مقالاته الى صحف لندن، ويزور بيوت المآتم والأفراح فكيف يقول انه كان قعيداً ورهينة"؟ احتكار الترابي للسلطة المراقبون المحليون اجمعوا على ان خروج المهدي رغم صرامة الاجراءات الأمنية يشكل ضربة كبيرة لجهاز الأمن السوداني. ورأوا ان خروجه يعني وضع حد لاحتجازه لمصلحة احتكار الدكتور الترابي للسلطة، الامر الذي سيتيح لرئيس الوزراء السابق تجديد اتصالاته مع الدوائر الدولية. وأشاروا الى ان السودانيين في الداخل عاملوا خروجه باعتباره "خروج زعيم للشعب السوداني ظل متمسكاً بشرعية انتخابه حتى آخر دقيقة بقيها في البلاد". وقال توماس الذي يقيم علاقات شخصية مع كل "اجيال آل المهدي ما عدا مؤسس الاسرة نفسه" من المهم انه مهما كان شأن السودان الجديد الذي يطمح السودانيون الى بنائه انه يجب الا يكون قائماً على الانتماءات الدينية القديمة. ولا بد من قيام نظام اسلامي - علماني لاعلاء قيم التسامح واحقاقاً لمبادئ الاسلام نفسها"