شهدت الأيام الماضية خطوات متسارعة لتطبيع العلاقات السودانية - الاريترية كانت آخرتها الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الاريتري هايلي ولد تنسأي للخرطوم، حاملاً رسالة من الرئيس اساياس أفورقي الى الرئيس عمر البشير. وبدا ان الحكومتين جادتان في تحسين العلاقات بهدف تخفيف الضغوط من معارضيهما عليهما، وأدى الإسراع في تطبيع العلاقات وعودة سفارتي البلدين الى وضعهما الطبيعي الى تساؤلات عدة في أوساط المعارضين يتعلق أهمها بمصير المعارضة السودانية المسلحة التي تنطلق من الحدود الاريترية - السودانية، وبالمكان الذي يمكن ان تذهب اليه بعدما سدّت أثيوبيا وأوغندا أبوابهما في وجهها. بدأت العلاقة بين المعارضة السودانية واريتريا في كانون الأول ديسمبر 1994، وعقد اتفاق اسمرا للقرارات المصيرية الذي يعتبر اهم اتفاقات المعارضة في حزيران يونيو 1995. ثم شكلت القيادة العسكرية للمعارضة في اسمرا في العام 1996، واسندت قيادتها لزعيم "الجيش الشعبي لتحرير السودان" العقيد جون قرنق لأن حركته تقوم بالعمل العسكري الحقيقي ضد حكومة البشير في حين لا تزال قوات الفصائل الاخرى تحت الانشاء. وتوجد في الحدود الشرقية للسودان ستة معسكرات أساسية يأتي على رأسها لجهة الحجم "لواء السودان الجديد" الذي يعتبر أحد فصائل قوات قرنق ثم قوات حزب الأمة ويقودها عبدالرحمن الصادق نجل زعيم الحزب رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي، ثم "قوات التحالف السودانية" بقيادة العميد عبدالعزيز خالد ثم قوات قبائل البجا وقوات الحزب الفيديرالي الذي يرأسه أحمد ابراهيم دريج وأخيراً قوات الحزب الاتحادي الديموقراطي المعروفة باسم "قوات الفتح". وفشلت الاحزاب الشمالية ذات القاعدة الشعبية العريضة في تشكيل قوات كبيرة ذات قدرة على منازلة النظام في الخرطوم مع انها تتحرك في مناطق نفوذها في الشمال والشرق، فيما نجحت حركة قرنق في تشكيل قوة أكبر على رغم وجودها خارج مناطق نفوذها. وبات مصير قوات المعارضة السودانية التي تشير تقديرات الى ان عددها قد يصل الى خمسة آلاف محارب غامضاً ومجهولاً بعد اعلان اسمرا انها جادة في تحسين علاقتها مع الخرطوم. وكانت هذه القوات تقوم بعمليات أشبه بعمليات حرب العصابات وتنفذ هجمات خاطفة ضد الحاميات الحكومية والطريق الذي يربط بين الخرطوم وميناء بورتسودان، ووصلت مرتين الى خط أنابيب النفط الجديد. ومن المؤكد ان هذه القوات كانت تجد حماية من نوع ما من اريتريا وكان يبدو مستحيلاً ان تعمل من دون دعم لوجستي من اريتريا حتى اذا كانت تنطلق من الأراضي السودانية كما تردد دائماً. وأجبرت ظروف الحرب بين اريتريا واثيوبيا وعداء اريتريا مع جميع جيرانها بلا استثناء اسمرا الى الدفع بقوة نحو التطبيع مع الخرطوم. أما السودان فيسعى الى اغلاق احدى جبهات الحرب الأهلية التي انتشرت فوق أراضيه. وفي هذا الاطار امكن التطبيع مع اثيوبيا واوغندا أيضاً. ويبدو واضحاً الآن ان اريتريا لن تسمح للمعارضة السودانية بما كانت تسمح لها به في الماضي. ومن المؤكد ايضاً ان المعارضة السودانية المسلحة لن تجد أي جار للسودان يفتح أراضيه لها في ظل الأوضاع الاقليمية الراهنة. ويعتقد المحللون العسكريون ان المعارضة السودانية المسلحة الموجودة في منطقة الحدود السودانية - الاريترية لن تصمد في مواجهة مع الجيش السوداني إذا لم تجد دعماً مباشراً أو غير مباشر من اريتريا. ويبدو مصير قوات المعارضة الشمالية أكثر غموضاً لأن المعارضة الجنوبية قد تعود الى قواعد "الجيش الشعبي" في جنوب السودان، فهل ترحل قوات المعارضة الشمالية الى جنوب السودان وتذوب في جيش قرنق؟ أم تطالب بوقف لإطلاق النار مع الخرطوم وتعيش داخل معسكراتها في السودان أو اريتريا؟ أم يتم حلها وتعود المعارضة الى العمل السياسي والديبلوماسي كما كان حالها دائماً؟