جان شلمبرجر صانع مجوهرات اشهر انيقات العالم، من جاكلين كنيدي وإليزابيت تايلور الى دوقة كنت ولورين باكال وديانا فريلاند وعشرات سواهن، افتُتح اخيراً معرض لأعماله للمرة الاولى في مناسبة مرور عشر سنوات على وفاته في باريس. ولم يتحول متحف الفنون التزيينية في اللوفر، حيث مكان المعرض، الى قلعة حصينة يوم تدشينه لأن سفيرة الولاياتالمتحدة الاميركية في باريس باميلا هاريمان كانت راعيته، بل لأن كل قطعة معروضة هي فريدة ولا توأم لها وتساوي ثروة قائمة بذاتها. ففي قاعة لا يمكن الدخول اليها الا بعد تفتيش دقيق توزعت القطع الألماسية والزمردية والعقيقية في مكعبات زجاجية سميكة وقف عند كل منها حارس عملاق. جمالية لامتناهية ودقة في الصنع مدهشة وألوان احجار متراصة بأحجام رؤوس الدبابيس لتشكل عصفوراً او سمكة او محارة او ياسمينة. وهذه ليست الا نماذج من الثلاثة آلاف قطعة من اعمال شلمبرجر صارت من ملكية متحف الفنون التزيينية، كهبة. سيتمتع من له حظ من الجمهور الفرنسي والأوروبي برؤية هذه الروائع على مدى اشهر عدة. غير ان حكاية جان شلمبرجر والمجوهرات مثيرة. فهو لم يصل الى عالم المجوهرات الا بالمصادفة عندما برزت موهبته الفطرية في الصياغة بعد ان عمل موظفاً في مصرف وفي دار نشر. وفي حكايته المثيرة انه جاء الى لبنان سنة 1943 مع جيوش فرنسا الحرة بقيادة الجنرال ديغول. وهناك طلبت منه جمعية الحرفيين اللبنانيين في بيروت تصميم مشروع حياكة لنسيج نفذته مطرزات لبنانيات. وكان ذلك تنفيذاً لطلب من الملك فاروق والملكة فريدة. من هو؟ ولد جان شلمبرجر في 24 حزيران يونيو 1907، في مدينة ميلوز في مقاطعة الألزاس الملاصقة جنوباً لمدينة بال السويسرية، وهو ابن عائلة تجار نسيج وتملك مصانع لحياكته. وباشر شلمبرجر دراساته العليا في ميدان الاعمال والمال. وفي 1929 سافر الى الولاياتالمتحدة الاميركية حيث بدأ حياته العملية كعامل في معمل للقطن في نيوجيرسي. وبين 1930 و1935، اشتغل في مصرف في برلين، ثم في دار نشر برون في باريس. وتوجه شلمبرجر الى ابتكار المجوهرات منذ ان تسلم ادارة عطور ليلونغ في العاصمة الفرنسية، وحيث تعرف الى الأميرة فوسينيي لوسانج التي أدخلته في حلقة السهرات الاجتماعية الفخمة المخصصة لعلية القوم. وهناك التقى بشخصيات نسائية بارزة مثل دوقة كنت والأميرة ناتالي بالي وكريستيان بيرار والفيكونتس ماري لور نواي، والى جان كوكتو وماري لورانسان. وكان اول طلب تلقاه لصناعة حلية ثمينة وفريدة من دوقة "كنت". في ذلك الحين، كانت ديانا فريلاند محررة في مجلة "هاربرس بازار"، فشجعته في توجهه الجديد، ثم راح يصمم مجوهرات غير ثمينة للخياطة إيلشا شياباريللي الى جانب أزرار من نوع خاص بأزيائها. بداية الشهرة ولم يصب شلمبرجر شهرة واسعة الا بعد ان ابتكر قداحته "السمكة". فقد ذاع صيته في فرنسا وعبر الاطلسي. وما ان اعلنت الحرب العالمية الثانية، حتى عاد الى نيويورك وافتتح مخزناً فيها، في الجادة الخامسة بالتحديد، مع شريك هو نيكولا بونغار، وراح يرسم أثواباً لدار ازياء نينون. لكنه التحق سنة 1941 بجيوش فرنسا الحرة في لندن، وهكذا رحل معها بإمرة الجنرال ديغول، كما اشرنا، الى بيروت. ثم الى نيويورك سنة 1946 حيث بدأ بتحضير افتتاح اول معرض له في محترفه هناك. وبين باريس وهذه المدينة، قسم عمله وذلك قبل ان يقوم بجولة الى جنوب شرق آسيا كررها مرات عدة واستوحى من فن تلك الشعوب الاسطوري ما أدخله في تصاميمه الرائعة. وفي سنة 1955 طلبت منه الحكومة الفرنسية تصميم حلية لإهدائها الى البطريرك بولس بطرس الموشي في مناسبة اعتلائه سدة البطريركية في لبنان. وفي سنة 1959 صمم شلمبرجر سيف الاكاديمية الفرنسية لمارسيل آشار في مناسبة دخوله اليها في 3 كانون الاول ديسمبر من تلك السنة. وقد استقر هذا الفنان في باريس منذ سنة 1978 ولم يغادرها الا الى محترفه حيث انصرف الى ابتكار اساور وأقراط وعقود ودبابيس شعر وأمشاط وأزرار قمصان وخواتم، وجميعها بناء على طلب خاص من شهيرات العالم. اما للرجال، فقد خصهم بعلب السجائر وأقلام وسيوف وحلي لربطات العنق. وحين فتحت وصية شلمبرجر بعد وفاته في 29 آب اغسطس 1987، كان من بين ما أوصى به هو ان يدفن في مدينة البندقية التي احبها كثيراً وتردد اليها في السنوات الاخيرة من حياته. عشق شلمبرجر الطبيعة من أزهارها وعصافيرها الى اسماك بحارها النادرة. وجميع الحلي التي شكلت معرضه مستوحاة منها، لكن ايضاً كما يقول مستوحاة من السجناء والدانتيل والتطريز. والى جانب المجوهرات المعروضة، وهي نخبة قليلة من بين آلاف الحلي التي صممها، عُرضت مقتطفات من مئات الصحف والمجلات التي كتبت عن فنه الفريد في جميع انحاء العالم وكذلك بعض الكتب التي أُلفت عنه بهذا الصدد. وكان شلمبرجر يقول عن علاقاته هو بالذات مع الحلية ومع صاحبتها: "عندما كانت تأتي الى محترفي سيدة ما وتطلب مني تصميم عقد او إسوارة لها، فأول ما افعله هو ان احاول فهمها. لأن الأمر يتعلق بتحديد ذوقها وطريقة حياتها وما تحبه وما لا تحبه ومميزاتها الشخصية ووجهها وقامتها... وباختصار كنت احاول ان اعرف في اي مناخ ستحيا حليتي التي سأصممها. ومثلاً، ان بعض النساء ممن قامتهن صغيرة، هن بحاجة الى حلي كبيرة. والعكس بالنسبة الى المرأة ذات القامة الضخمة نوعاً ما، فهذه يجب ان تكون حليتها رقيقة وناعمة". ليست من حلية معروضة في معرض شلمبرجر الا ويداخلها الياقوت. وفي الكتاب الذي حققته عنه دار نشر فرانكو ماريا ريتشي، هناك فصل خاص عن الياقوت ومحبة "الجوهرجي" الفنان له. وشلمبرجر كان يحب الشرق، ويحب ياقوت الشرق، ويقول عنه انه ألماس في المدينة، تماماً كما جاء عنوان معرضه الذي سيبهر الجمهور "لا ياقوت وألماس بل فن رائع".