في كتاب "المخصص" لابن سيدة، جاء ان "من كانت تتزين بالحلى اطلق عليها امرأة حال. ومن كان جيدها وأذناها لا يتزين كل منهما بقرط او عقد اطلق عليها امرأة عاطل". لا ادلّ من هذا القول على قيمة الحلية عند المرأة ومدى تأثيرها على شخصيتها الاجتماعية حتى ذكرت على هذا الشكل في احد الكتب العربية القديمة المعروفة. والشعراء العرب الكبار تغنوا بزينة العربية وقيامها بصياغة العقود وحبكها باللؤلؤ والمرجان والعقيق. وقال النابغة الذبياني في هذا المعرض: أخذ العذارى عقدها فنظمنَهُ من لؤلؤ متتابع متسردا وكانت دور الصياغة تقوم في المدن العربية القديمة. وجاء عمرو بن كلثوم في شعره على صياغة الحلى وأنواعها: وأجدرنا نّ نفخ الكير خاله يصوغ القروط والشفوف بيثربا حاتم الطائي اطلق على ترنيم الحلى وحفيفه صفة "الوسواس". قال في ذلك: اذا انقلبت فوق الحشية مرة ترنم وسواس الحلى ترنما ويروي كتاب الاغاني لأبي فرج الاصفهاني، الذي يقع في 24 مجلداً، عن ان المرأة في العصر الاموي كانت تصنع الحلي بنفسها. ونظم الأعشى شعراً في تلك الصناعة: أتحسب غزو الشام وحربه كبيضٍ ينظمن الجمان المفصصا في الاغاني كلام كثير عن زينة المرأة في العصور العربية المختلفة. وكانت هذه الزينة تعكس حضارة العصر الاجتماعية والثقافية ومدى التقدم الذي بلغته المرأة. كان الذهب يخلط بالفضة، او كانت الصياغة تتم من كل معدن على حدة. كانت الاحجار الكريمة من الياقوت والمرجان والزمرد واللؤلؤ والدر تستخدم في صناعة الحلي. وروي ان زوجة الخليفة هشام بن عبدالملك كانت تتباهى بقميص زين صدره وظهره بخطين من الياقوت والدر. وهذا ما يشبه تصاميم دور الازياء الحديثة الراقية التي تطلق موديلات للسهرة محشوة بالتطريز بأحجار اصطناعية. في ليلة زفاف زبيدة الى هارون الرشيد أهداها قبقاباً من الذهب والفضة، حسب المصادر التاريخية من مثل الاغاني وما شابهه. هذا يذكر بالاحذية التي تطرز خصيصاً اليوم لشهيرات العالم ولمناسبات رسمية وخاصة. بين الماضي والحاضر في الذهاب اليوم الى عند البدويات في صحراء عربية ما، تلفت اقراط المرأة وعقودها من الفضة والحجارة الملونة الانظار. وذكر هذا الواقع فرضه للشبه بين القديم وبين الحديث في ما يتعلق بحلي المرأة الغربية اليوم. ففي المعرض الذي اقيم عن الموضة النسائية لسنة 1992 في البورت دي فرساي بباريس وفي معرض البيجوركا العالمي للاكسسوارات، يلاحظ هذا التجاذب بين الماضي والحاضر. بل واكثر من ذلك، هذا الانكباب على تقليد زينة المرأة العربية والشرقية قديماً. القروط والعقود في هندسة الهلال والنجمة والزهرة والاحجار زرقاء وحمراء وفستقية. والاساور معدنية وفضية وذهبية بأشكال تعود الى القديم المتداول على زنود البدويات وشهيرات التاريخ. طبعاً لمسات العصر الحديث برزت في نوعية المادة التجارية المستعملة في الصياغة وتحويلها الى حلية رائعة. كما الامر مع كلير ديف وزوجها سيزار التي اقامت محترفها على بعد 100 كيلومتر من باريس، في قلب منزل بورجوازي، سنة 1985. واستخدمت كلير مادة الرتنج الصنوبرية الصمغية في صناعة الحلي المزيفة، مثلها مثل الأمويات في حينه او ما قبلهن من سيدات عمرو بن كلثوم. وكل منهن كان لها معدنها المصاغ وان تشابهت الاشكال والمؤهلات. كلير ديف تخرجت من كلية الفنون الجميلة، ثم قررت بالمصادفة اختيار عالم الحلي وابتكارها. اليوم، توزع كلير، التي بلغ رقم مبيعاتها العشرة ملايين فرنك فرنسي، اعمالها المبتكرة في زينة المرأة "الاكسسوارية"، على اسبانيا وبلجيكا والولايات المتحدة الاميركية من جملة الخمسة وعشرين بلداً آخر. وصدرت سبعون في المئة من ابتكاراتها الى بلدان الخليج العربي. من جديدها انها ادخلت الحجارة الكريستالية في صناعة الاساور والعقود العريضة. من المصممين الذين تبنوا موديلاتها جان بول غوتيه وكلود مونتانا. كثير من الحلي المعدنية في مجموعة كريستيان لاكروا ايضاً بأشكال جمالية فيها الكثير من الفطرية. قلوب ونجوم واحرف وحيوانات بحرية صغيرة كانت في اساس تصاميمه. من المعدن المذهب او المفضض. نقل منها شيئاً لزينة حذاء او زنار او حقيبة يد. حجارة الطبيعة البريئة كانت في حلي دينيف. حلية تزينية من الراتنج الصمغي بأشكال الحصى. حجارة صغيرة ملونة في قلب قرط بهندسة قلب ومن معدن نحاسي. حلي من البحر الشابة "ديغي ديلبوش" اختارت سكان البحر من الاصداف وتوابعها موضوعاً لابتكارات زينة المرأة. عقود من الاصداف واقراط واساور، وايضاً من نجمات البحر باللونين الابيض والمعدني. ادوار رامبو ركز على الشرقية في صياغة الحلي التزيينية لسنة 1993. كثير من الاحجار الملونة القادمة من الوان طبيعة بريئة لتلحق باتجاه الشفق وهو يستقبل اول ملامح العتمة على بحر لا يغادر زرقته. فاني روزان أسست محترفها للعقود والأقراط والاساور وملحقاتها، سنة 1987. تخرجت من معهد الفنون التطبيقية وعملت في ابتكار موضة الاقمشة. ثم انصرفت بعد خبرتها هذه الى ابتكار الحلي التزيينية، ومازجت فيها بين الكلاسيكية والتجديد. وبسرعة انتشرت ابتكاراتها خارج الحدود الفرنسية، وصارت لها اجنحة في معارض عالمية. وقد حققت فاني مجموعة من العقود والاقراط والاساور لربيع وصيف 1993 من الذهب والفضة والنحاس والخشب والراتنج، حملت عناوين غريبة من مثل المجموعة المغامرة او المجموعة الشرهة والطبيعية. وبرزت عصرية مجموعاتها بخلفياتها الثقافية والفنية. محترفها يحمل اسم "دلفا". سونيا ريكييل تحب الاسود للمرأة. تقول: "دخلت الى القاعة كنجمة. تحمل حمرة فاقعة على شفتيها. ترتدي ثوباً اسود وتزينه بحلية صفراء وعقد بقطع مستديرة. وتلفت الانظار وتملأ العيون بالمسرة". عمرو بن كلثوم تغنى بالمرأة العربية تصنع حليتها قبل قرون. كأن الاوروبية تجتر ذلك التاريخ تلقائياً من دون أن تدري.