يذكر المؤرخون لتطور المرجعية عند المسلمين الشيعة كيف ازداد نفوذها مع تطور وسائل الاتصال الحديثة بدءاً من التلغراف بين النجف وايران في أواخر القرن التاسع عشر. ولا يزال موضوع المرجعية اليوم يفرض نفسه على وسائل الاعلام التي من مهمتها متابعة الاحداث المؤثرة في حياة الناس، فكيف في منصب له، إلى أثره الديني في حياة الملايين من اتباع المذهب الامامي الاثني عشري، انعكاساته السياسية في أكثر من بلد عربي واسلامي. لذلك كانت "الوسط" رائدة في طرح هذا الموضوع ولا تزال تتابعه. وقد زار مندوبها مدينة قم وحوزتها حيث التقى عدداً من العلماء المعنيين وعاد بحوارات تلقي أضواء جديدة على هذا الموضوع الحساس. كما التقى الشيخ حسين منتظري وأجرى معه حواراً، هو الاول منذ زمن، تحدث فيه عن المرجعية وعن شؤون سياسية اخرى. وستنشر "الوسط" في العدد المقبل جولة لأحد الزملاء في النجف وكربلاء حيث وقف على آراء بعض العلماء في العراق. كما تنشر صوراً ملونة لمقامات تضررت اثناء الاحداث التي شهدها جنوبالعراق إثر تحرير الكويت، في آذار مارس 1991. ليس في محيط الحوزة العلمية في مدينة قم الايرانية ما يشير الى ان اتصالات وحملات انتخابية تتم على قدم وساق لاختيار مرجع للطائفة الشيعية خلفاً للسيد آية الله العظمى محمد رضا الكلبايكاني. ولا يوجد ايضاً ما يوحي بأن هناك معسكرين متقابلين احدهما يؤيد وجود المرجعية في قم والآخر يؤيد وجودها في النجف في العراق. ولعل في تداخل مواقع الطرفين في المدينةالايرانية الواقعة على بعد 125 كيلومتراً من العاصمة طهران ما يجعل البحث عن حقيقة الموقف ولمصلحة من تكون الغلبة أمراً من الصعب حسمه. فأنصار المرجعية لمصلحة قم اختاروا الشيخ محمد الاراكي 103 سنوات مرجعاً، معتبرين ان أي مرجع مقيم في النجف لا بد من ان يتعرض لضغوط من النظام الحالي في بغداد، لهذا فإن وجود مرجع في جو مطلق الحرية أمر ضروري. ويتهم المتمسكون بالمرجعية في النجف الحكومة الايرانية بأنها مهتمة بترسيخ المرجعية في قم لكي يتسنى للقيادة في ايران الجمع بين المرجعية الدينية والزعامة السياسية. ويرون ان للمرجعية وجهين، وجهاً دينياً ووجهاً سياسياً. وان المرجع يستطيع في ظل نظام غير عادل ان يمارس صلاحياته الدينية وألا يدخل بعمق في السياسة حتى يجنب الحوزة العلمية في النجف التعرض للاخطار. ولا يتوقف "النجفيون" لحظة واحدة عن القول ان النجف هي المركز والمنارة للمرجعية وان كل العالم الاسلامي الشيعي يتطلع اليها. لكن الآخرين يردون انهم لا ينظرون الى المرجعية من هذه "الزاوية الضيقة" قائلين ان انتقال المرجعية من النجف الى قم تم طبيعياً كما سبق للمرجعية ان تنقلت بين الكوفة وكربلاء ومشهد والنجف في السابق. محمد باقر الحكيم ويقول السيد محمد باقر الحكيم، وهو رجل دين عراقي بارز مقيم في ايران "ان إثارة موضوع المرجعية عبر وسائل الاعلام أمر غير مقبول اخطأ بعض الجهات في تعميمه بهدف جني فوائد". وقال الحكيم الذي يرأس "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق" ان اختيار المرجع "يجب ان يتم في ظروف معينة يجتاز خلالها امتحانات عدة أبرزها ان يكون عالماً في الفقه ومجتهداً وصاحب رسالة وله باع طويل في الحياة العامة من خلال تلامذته ومريديه كما يجب ان يشهد له بحسن اخلاقه ومزاياه". ورأى "ان في تصوير موضوع المرجعية كأنه خلاف بين النجف وقم، والعرب والعجم، كثيراً من المبالغة خصوصاً انه سبق لغير العرب ان تولوا المرجعية وأداروها من خارج النجف. وكذلك لا يلغي الاتفاق على مرجع وجود شخصيات يعترف بآرائها ويؤخذ بها". ناصر مكارم وقال الشيخ ناصر مكارم رئيس الشورى في الحوزة العلمية في قم ل "الوسط" وأحد المرشحين للمرجعية: "ان اختيار مرجع للطائفة الشيعية أمر لا يطرح في الأسواق، وهو خاضع لاعتبارات عدة اهمها ان يكون المرجع فقيهاً جامعاً، وان يكون عادلاً مؤتمناً في دينه ودنياه، وان يكون عالماً بمسائل الزمان وما يقتضيه من إصدار احكام وفتاوى لأن عدم معرفة المرجع بمسائل الزمان يحول دون اصداره احكاماً واستنباطها، ولهذا فإن الفقيه لا يمكن ان يغلق باب منزله ويعزل نفسه عن الناس. ان وجود حكم اسلامي في ايران فتح المجال أمام مرجع ليفتي في مسائل لها ارتباط وثيق بالاقتصاد والسياسة والثقافة، وفي الحرب والسلم. اضافة الى انه يجب ان يكون مقبولاً ومعروفاً بين الناس. هناك من يقول ان ايران تحاول انتزاع المرجعية من النجف لمصلحة قم، ما رأيك في ما يثار؟ - ان النجف وقم وغيرهما، مراكز علمية اسلامية، نحن نحب النجف كما نحب قم، وفي كل واحدة من هذه الحوزات، اذا كان هناك شخص أريد له ان يكون مرجعاً، فإنه يجب ان يكون مقبولاً. السيد الخوئي كان في النجف، السيد الكلبايكاني كان في قم، كان هذا مرجعاً وكان ذلك مرجعاً عاماً. تقديري ان هناك دعاية عالمية تقول ان ايران تصر على ان تكون المرجعية فيها وفي قم خصوصاً. لقد رأيت وسمعت بعض هذه الدعايات، وهي تدل على ان غير المسلمين يصرون على ألا تكون المرجعية في قم وايران عموماً. وان وراء هذا الاصرار مؤامرة هدفها ألا تكون المرجعية الى جانب قائد الثورة الاسلامية في ايران وقائدها. ومع ذلك اؤكد مجدداً ان المرجعية لا يعينها هذا الشخص أو ذاك وانما يجتمع اهل الخبرة ويختارون الاصلح والافضل. انها ليست حملة انتخابية أو نشاطاً سياسياً. في زمن مرجعية الامام الخوئي، كان هناك مراجع آخرون لهم موقعهم وتلامذتهم. ولم يؤثر وجودهم ونشاطهم في موقع السيد الخوئي. الى أي مدى يمكن ان يؤدي عدم التوافق على مرجع اعلى الى ايجاد مرجعيات عدة؟ - في كل مرحلة من المراحل، كانت تمر اوقات يكون فيها أكثر من مرجع، ولم يكن ذلك ليستمر طويلاً. وانا أعتقد بأن مثل هذا الامر قد يتكرر في المستقبل. اننا لا نرى عيباً في تعدد المراجع. من هو أبرز المرشحين لتولي المرجعية؟ وهل يستغرق الاختيار فترة زمنية قبل ان تقوم مرجعيات عدة اذا لم يتم التوافق على مرجع واحد؟ - لا بد من ان نحسم امرنا ونقرر ما نريد، إننا نأمل حسم هذه القضية في المستقبل القريب. محمود الهاشمي أما السيد محمود الهاشمي، أحد أبرز تلاميذ السيد محمد باقر الصدر وطلاب الحوزة العلمية في النجف فعتب على الذين خرجوا بموضوع المرجعية الى العالم الخارجي. وقال "لم يسبق من قبل ان نوقشت القضية بهذه الطريقة". ورد على اسئلة "الوسط" كالآتي: هناك من يقول بصراع بين النجف وقم على المرجعية الشيعية، كيف تنظر الى ما يجري؟ - إنني ألوم بعض الجهات الموجودة في الخارج نظراً الى طرحها هذا الموضوع في وسائل الاعلام، الأمر الذي أفسح في المجال أمام اجهزة مختلفة لاثارة الشكوك وفتح ما وصف بصراع بين النجف وقم. ما يجري في هذا الموضوع يناقش بهدوء بعيداً عن المنابر التي ذكرت ولا يعكس الاجواء التي شاعت. ان العلماء والخبراء، سواء كانوا في النجف أو قم، هم خير من يفتي في هذه القضايا ويختارون الأصلح والانسب لهذا المنصب. ما هي الاجراءات التي تتخذ عادة لاختيار مرجع؟ وهل هي مشابهة شكلاً لاختيار البابا في الفاتيكان؟ - لدينا صيغ قريبة لكنها ليست بالشكل التنظيمي الذي ذكرته. ان العلماء يختارون المرجع طبقاً لمواصفات معينة يجب ان يتمتع بها، كالتقوى، والتاريخ الجهادي واستنباط الحكم الشرعي، والمعرفة العميقة والتفوق بعلوم الدين على الاقران والنزاهة والرسالة وغير ذلك. وبعد وفاة اي مرجع يعود الناس الى رجال الدين والحوزات العلمية فتسألهم مباشرة عن الاصلح ولا تلجأ الى الصحف لاختيار مرجع. ان المقلد عندما يختار فلاناً مرجعاً، فإنه يختار شخصاً يأتمنه على املاكه وعرضه وكل شيء. لكن جهات سياسية عدة استغلت، ويا للأسف، طرح الموضوع في الصحافة. الى أي مدى أثّرت الاوضاع السياسية التي يعيشها العراق في مستوى النجف العلمي، وهل يبرر هذا عدم اختيار مرجع من هذه المدينة؟ - لقد أثّر النظام السياسي الحالي في العراق في مستوى الحوزة وأضعف أداءها. وكان نظام الرئيس صدام حسين، على رغم طرحه شعارات اسلامية، أول من تصدى للمدّ الاسلامي، خصوصاً المد الشيعي. فأقدم على اعتقال العلماء وإعدام بعضهم والتنكيل بآخرين، وعلى إغلاق المكتبات الدينية. ان قتل الشهيد محمد باقر الصدر وكوكبة كبيرة من العلماء والمثقفين أساء الى الوضع العلمي والديني في النجف، الأمر الذي اضطر بعضهم الى مسايرة سياسة الحكومة الى حد ما، وقلّل من معرفة من يعيش في النجف حقيقة ما يجري في العالمين العربي والاسلامي من تطورات دقيقة واحداث كبيرة في مقدمها الثورة الاسلامية. وماذا عن القول ان الصراع على المرجعية اتخذ طابع الصراع بين عرب وعجم؟ - حاول بعض وسائل الاعلام تصويره بهذه الطريقة، وهو أمر غير صحيح. ان المرجع، كما ذكرت في السابق، يجب ان يكون صاحب رسالة وخبيراً في دينه وله موقع اجتماعي وصاحب سمعة طيبة جداً ويشهد له بكفاءته واخلاقه وعلمه ومواجهته التحديات، خصوصاً الحكومات الظالمة او الغاصبة والمخالفة للاسلام. يتوقع بعضهم ان يكون هناك اكثر من مرجع للطائفة بسبب الاختلاف الواضح وعدم الاجماع على شخص معين. - مرت الطائفة الشيعية في ظروف كان لها فيها أكثر من مرجع، ووجود مراجع عدة لا يعني الاختلاف، بل كان هؤلاء يعتبرون انفسهم مكملين بعضهم البعض. ماذا عن أهمية ان يكون المرجع عربياً أو غير عربي؟ - إن ما يطرح في هذا المضمار بعيد عما يجري في الواقع العميق للساحة الشيعية، فالمعيار عندنا في الاختيار، ولنا الثقة الكاملة بمجلس اهل الخبرة وذوي الفضيلة العالية، وهم بعد المرجع في الفضل والعلم والاجتهاد. وقد يجمع هؤلاء على شخص، وقد لا يجمعون فيكون لنا اكثر من مرجع، وسبب ذلك لا يعود بالضرر وانما بالفائدة خصوصاً ان هؤلاء لا يتميزون بعضاً عن بعض بالعلوم والخبرة والشأن. من هم ابرز المرشحين للمرجعية؟ - الاراكي في قم والسيستاني في العراق وآخرين... آذري قمي ولا يتردد الشيخ آذري قمي، وهو من أشد المتحمسين الى مرجعية قم والقائد الفكري والروحي ل "رابطة علماء الدين المجاهدين" روحانيات وصاحب امتياز صحيفة "رسالت"، في الهجوم على كل من آية الله السيد محمد الروحاني وآية الله السيد علي السيستاني والانتقاص من كفاءتهما لتولي المرجعية. وقال تلميذ الخوئي والخميني في داره حيث استقبلنا "ان روحاني وسيستاني لا يتمتعان بالمواصفات المطلوبة للمرجعية، وان امر المرجعية حسم لمصلحة الشيخ الاراكي". وهنا حوار معه: لماذا شككت في طرح اسم السيد محمد الروحاني مرشحاً للمرجعية، وما الهدف من اصداراك بياناً لهذه الغاية؟ - ان الاعلم والاكفأ من بين رجال الدين الشيعة والاكثر احتراماً وجهاداً هو الاحق في تولي المرجعية. ولا أعتقد بأن السيد روحاني اكفأ من اقرانه في مجالات عدة. والاعلم في الأصول لا يعني الاعلم في الفقه، واستشهدت بمواقف للسيد الخوئي والكلبايكاني والخنساري في هذه القضية. وحتى اذا سلمنا بأعلمية السيد الروحاني في الفقه، فإنه يشترط ألا يكون المرشح للمرجعية مخالفاً لتعاليم الامام القائد وللجمهورية الاسلامية ولا يكون معترضاً على ولاية الفقيه. والسيد الروحاني كان منذ البداية مخالفاً للامام الخميني. والذي عين لتولي المرجعية الشيعية هو الشيخ الاراكي وليس في الدنيا أحد أعلم منه في كل القضايا التي تهمنا كمسلمين شيعة. لقد طالت مدة اختيار المرجع، كيف سيكون الحل؟ - لقد أجبتك ان الشيخ الاراكي عين مرجعاً وحيداً في كل انحاء العالم. من أجمع على ذلك؟ - في ايران تم الاجماع على ذلك. كل أهل الخبرة في هذا المجال اتفقوا على ان الشيخ الاراكي هو الاعلم. وقبل وفاة السيد الكلبايكاني كان الناس يقولون ان المرجعية كانت بينه وبين الاراكي. وعندما توفي السيد الكلبايكاني فرغت الساحة امام الاراكي لتولي المرجعية. ماذا عن الاسماء الاخرى التي لا تزال مطروحة لتولي المرجعية؟ - هناك السيد محمد الشيرازي والسيد السيستاني. اما الشيرازي فمردود اجتهاده لأن استاذه في كربلاء كتب انه ليس بمجتهد. ان ما يهمنا في المرجعية هو الاعلمية والعدالة ومواصلة النظام الاسلامي، وكان هو يرفض قيادة الامام الخميني ويدعو الى الشورى. ان القيادة والولاية أُخذتا من الائمة الابرار، وفي امامتهم كانت الشورى منتفية. اما السيد السيستاني فإنسان جيد ومجتهد لكنه ليس بأعلم من الاراكي وغيره. انه في درجة أقل، وهو لا يخالف ولاية الفقيه ولا يدافع عنها، ويعيش في ظل قيادة صدام حسين. والمراجع يجب ألا يعيشوا في ظل ضغوط. ويؤيد مرجعية السيستاني المجتهدون العرب والرئيس الاميركي كلينتون والذين يقولون ان ايران لا تصلح لأن تكون مقر المرجعية الشيعية. انهم يريدون تعيين مرجع لا يقيم في ايران، ونحن نعتقد بأن المرجعية يجب ألا تكون خارج ايران حتى وان كان هناك شخص صالح وعادل ومجتهد. سبق لمراجع آخرين ان عاشوا في العراق في ظل الحكم الحالي، لماذا الاصرار على نقل المرجعية من النجف؟ - الاراكي واحد من القيادات المعروفة في العالم وهو مرجع مهم. لماذا تصر على القول ان عملية اختيار المرجع انتهت، فيما يقول رجال دين آخرون ان الامر لم يحسم؟ - الاتفاق التام والكامل لم يتم بعد، لكن أهل الحل والعقد في المرجعية، وهم جماعة المدرسين في ايران، وافقوا على اختيار الشيخ الاراكي، وقد وافق اكثر من 34 مجتهداً على هذا الاختيار. كتبوا عن السيستاني ان 51 شخصاً شهدوا لمرجعيته، وسألنا بعض من ذكرت اسماؤهم فكذبوا ما نسب اليهم، ومن بين هؤلاء الشيخ خزعلي والشيخ معرفت. ومن بين هؤلاء الذين شهدوا للسيستاني من يميل الى غير النظام الاسلامي، وبعض آخر قال انه مجتهد ويجوز تقليده ولكن هناك من هو اكفأ منه وأعلم. لماذا تجاهل المراجع النجفية في اختيار المرجع الأعلى؟ - اعرف السيد السيستاني منذ 50 سنة تقريباً، فقد كنت تلميذاً للسيد الخوئي يومها قبل أن أصبح تلميذاً للزعيم الراحل آية الله خميني، والسيد بهشتي هو أعلم وأعرف من السيد السيستاني وقد رد المرجعية عن نفسه ولم يشهد بأعلمية السيد السيستاني. السيد محمد حسين فضل الله من لبنان أيد مرجعية السيستاني وقال أن صحة الشيخ الأراكي لا تسمح له بممارسة نشاطه. ومن يشكك في صحة الشيخ الاراكي؟ - السيد محمد حسين فضل الله قال عنه انه لا يسمع، وأنا أقول ان عدم السمع لا يكون شرطاً يحول دون ان يصبح صاحبه مرجعاً. لمن قال السيد فضل الله ذلك؟ - اتصلوا بي من منطقة الخليج وأبلغوني ذلك. ان آية الله السيد حسين البروجردي كان مسناً وكان لا يسمع وتولى منصب المرجعية. ألا ترى أنك ستكون قريباً امام مراجع عدة للشيعة؟ - لا، أنا أعتقد بأننا سنكون أمام مرجع واحد بعون الله. لقد تعددت المرجعيات في السابق، في زمن ابي الحسن الاصفهاني، كان الميرزا حسين النائيني في النجف، والشيخ عبدالكريم الحائري في قم. وبعد ذلك كان السيد عبدالهادي الشيرازي والسيد الخوئي في النجف، والسيد الكلبايكاني والامام الخميني وشريعة مداري في قم، وكلهم كانوا في زمن واحد. تعدد المرجعية نقطة ضعف شيعية، وسبب ذلك انه لم تكن لهم حكومة ولم تكن لهم قوة. لماذا صوّرت ايران انها تحاول استلاب المرجعية من النجف؟ - انا من جماعة المدرسين، وللانصاف نحن لا نفكر في استلاب المرجعية من النجف. الذين يتهموننا باستلاب المرجعية ليسوا أكفأ من القائد في تسلم المرجعية، انهم رأوا مصالح الاسلام والمسلمين في هذا التعيين. أنا أحب السيد السيستاني وقلت لك انه شخص جيد، لكنه لا يتمتع بمواصفات المرجع. مهدي آصفي ويعترف زعيم حزب الدعوة الشيخ مهدي آصفي بوجود خلاف على المرجعية ويقول "ان وجود مرجعية موحدة يخدم الساحة الاسلامية اما تعدد التوحيد فهو الذي يهدد وحدة الساحة الشيعية". التقته "الوسط" في منزله وطرحت عليه الاسئلة الآتية: كيف ترى مهمة المرجعية في الظروف الحالية، ومن تتوافر شروطها فيه؟ - ان الانسان يخضع لحكم الله تعالى في كل ظروف حياته من مولده وحتى مماته. وهناك نظام واسع يستوعب تحرك هذا الانسان. هذا النظام هو احكام الله. مهمة المرجع والفقيه فهم هذا النظام ومعرفة حكم وحدود الله عز وجل، والنظام الذي ينظم حياة الانسان الفردية والاجتماعية وعلاقات الانسان بالمجتمع وبالناس وبالاسرة وبالدولة وكذلك مع نفسه. مهمة الفقيه هي فهم هذا النظام، في العلمانية الفقيه يشرع، أما في الاسلام فان مهمته هي الاستنباط، وهذه مهمة صعبة. ويطلق عليه الشيعة المرجع، لأن الناس يرجعون اليه لفهم حدود الله تعالى واحكامه. اما شروط المرجعية فثلاثة: الشرط الأول، التفقه ومعرفة ادواته التي تمكنه من معرفة حدود الله واحكامه. والشرط الثاني التقوى والعدالة والالتزام. والشرط الثالث الكفاءة والوعي، اي ان يفهم ويعي متطلبات عصره وتحرك الانسان ويملك الكفاءة الذهنية والجسدية الكافية لمواكبة متطلبات العصر. الى متى سيستمر هذا الجدل على المرجع؟ - بعد وفاة أي مرجع، يتوزع الناس على مجموعة مرشحين للمرجعية، وتبرز في الساحة مجموعة أسماء يملكون ولو بدرجات مختلفة ومتفاوتة مقومات المرجعية. المسلمون الذين يرجعون في احكام دينهم الى الفقهاء يتوزعون على هؤلاء المرشحين، وبمرور الزمن يرسو التقليد على مرجع واحد يملك كفاءة في مواكبة الظروف السياسية والاجتماعية، ومعرفة في الفقه وكفاءة علمية أكثر من غيره. ان استقرار المرجعية عند شخص لا تعني في الضرورة الغاء الآخرين. وما يحدث ان المرجعية تنحصر بشخص يستوعب حاجة الناس الى التقليد اكثر من غيره، والسير التاريخي للمرجعية يؤيد هذا المعنى. حين ينفرد احد المراجع يقلده الناس في صورة أوسع. ان وجود مرجعية واحدة يخدم الساحة الاسلامية خدمة افضل، لأنه يوحد الرأي الاسلامي خصوصاً في المسائل الحساسة ذات العلاقة المباشرة بالحركة في الساحة. وعندما يكون رأي فقهي واحد يكون ذلك افضل. بعض رجال الدين حسم موضوع المرجعية للاراكي، وبعضهم لا يزال يرشح نفسه وغيره، فما هو رأيك؟ - نعم هناك مرشحون مثل الأراكي وقد رشحه بعض كبار العلماء في مدينة قم، ورأيت قائمة بأسماء 34 شخصاً يرشحون آية الله الأراكي، وهناك ايضاً مرشحون للتقليد ولهم مؤيدون في الساحة الاسلامية. من مثلاً؟ - لا اريد الخوض في الاسماء، ان من حق اي من مراجع التقليد ترشيح اسماء. أبرز الموجودين في مدينة قم هو سماحة الشيخ الأراكي. هل يهدد الخلاف على المرجع وحدة الطائفة الشيعية؟ - التوحيد من اهم مقومات الولاية، أما محور المرجعية فهو غير محور الولاية. التوحيد يخدم وحدة الساحة وتعدد المرجعية لا يهدد وحدة الساحة. ان الساحة الاسلامية الشيعية تعتبر ان السيد علي خامنئي هو المتصدي لمحور الولاية، ومع وحدة الولاية لا خطر على الطائفة الشيعية ووحدتها. جواد التبريزي وتوجهت "الوسط" الى منزل الشيخ جواد التبريزي احد تلامذة الخوئي، وبادر الى القول: "أنا لا أحب الحديث في المسائل التي لا صلة لها بدروس الدين". ما رأيك في ما يجري من اتصالات لتعيين مرجع خلفاً للسيد الكلبايكاني؟ - انا متفرغ للبحث والتدريس ولا أتدخل مطلقاً في موضوع المرجعية. هناك من يرشحك لهذا المنصب؟ - لا أبحث في هذا الموضوع مع اي شخص ولست وراء اي موقع، هناك اكفاء كثر لهذا المنصب. جواد الشهرستاني السيد جواد الشهرستاني ممثل السيد السيستاني في ايران وصهره صاحب اهم مؤسسة للتحقيق في الكتب الدينية في قم قال لپ"الوسط": "للمرجعية مواصفاتها وشروطها المعروفة، ولكن في الوقت الحاضر نرى ان للمرجع صفات منها ان يكون في موقع القيادة والريادة في العالم، وملماً بأوضاع العالم الاسلامي وعارفاً بمتطلبات الوضع، وأن تكون له معرفة بمختلف العلوم الحديثة حتى يتمكن من مسايرة الوضع القائم وأن يكون لجهازه المرجعي اتصال مباشر بكل المسلمين في الاقطار المختلفة". الى أي مدى تؤيدون هذا المرجع او ذاك، وهل لخلفية المرجع ومدرسته اثر في تحديد مواصفاته؟ - نحن نؤمن بأن تأييدنا لمرجع لا يعني عدم تقديرنا لآخر، بل ان مراجع الطائفة كلهم محترمون ولهم مواقعهم المحترمة. والتزامي ونشاطي تجاه مرجع خاص لا يقللان من احترامي وتقديري لدور بقية المراجع. اما الناحية الاخرى التي أود الاشارة اليها والمتعلقة بخلفية المرجع، فانني أؤمن بأن للبيئة والمحيط تأثيراً، وللمدرسة كذلك. فلجامعة الزيتونة وجامع الازهر مواصفات، وكذلك للجامعات الغربية مواصفات لا تقلل من قيمتها، ومثل هذا الامر ينطبق على مدرستي النجف وقم. ولا شك في ان لكل مدرسة تأثيرها في طلابها، وعندما نعمل في خط خاص يجب ان نؤمن بأن اسلوب كل مدرسة يختلف عن الأخرى واختلاف المدرسة يؤثر في مواصفات المرجع. فاضل اللنكراني الشيخ فاضل اللنكراني من طلاب السيد حسين البروجردي والامام الخميني، رفض الخوض في مسألة المرجعية وقال لپ"الوسط": "كيف أبحث في هذا الموضوع معك وأنا مرشح للمرجعية؟" وبعد أخذ ورد قال اللنكراني وهو صاحب شرح كتاب "تحرير الوسيلة" للامام الخميني الذي صدرت منه عشرة مجلدات وسيصدر منه ثلاثون مجلداً آخر مستقبلاً، وله مجلدان سماهما "نهاية التقرير" وهو بحث للمرجع آية الله العظمى البروجردي وله مؤلفات اخرى تولى فيها شرح "عهد أمير المؤمنين" لمالك الاشتر وكتاب "في آية التطهير" وآخر عن الأئمة: "إن تعدد المراجع على مدى التاريخ كان أمراً مقبولاً، وقد توزعوا بين قم والنجف وطهران ومشهد". وأضاف ان الظروف التي يتم فيها اختيار المراجع "تأتي بعد ان تتهيأ المراتب اللازمة للاجتهاد، وحين تكون الانظار غير مجمعة على مرشح واحد تتعدد المراجع". وقال رداً على سؤال آخر أنه قبل وفاة السيد احمد الخنساري كان هناك اكثر من مرجع. ويذكر اللنكراني المولود في بلدة قم عام 1929 انه تتلمذ على يد آية الله العظمى البروجردي والامام الخميني في مجال الدروس الفقهية والاصولية لمدة تقرب من عشر سنين مع كل منهما.