"لم يعد أمام بوريس يلتسن الآن خيار فاما ان يطيح بدودايف ويعيد شيشانيا، ولو شكلياً، الى روسيا الفيديرالية أو ان يحال، عند انتهاء فترة حكمه، الى المحاكمة بتهمة اراقة الدماء في شيشانيا". هكذا أوضح لپ"الوسط" مسؤول كبير في ادارة الرئيس الروسي، طلب عدم ذكر اسمه، أسباب تصاعد العمليات القتالية في شيشانيا. وقال المسؤول ايضاً ان الوضع في هذه الجمهورية ذات الحكم الذاتي في جنوبروسيا فظيع: فتعداد القتلى والجرحى سواء بين العسكريين الروس أو الشيشان، بمن فيهم المدنيون، أصبح منذ زمن بعيد بالمئات، ان لم يكن بالألوف. وأضاف: "ليس أمام يلتسن وادارته الا مخرج واحد من حمام الدم هذا وهو الانتصار، فالمنتصرون لا يحاكمون". وظل الروس حتى 17 الشهر الجاري يأملون بحل سلمي للنزاع، الذي بلغ أوجه بادخال القوات الروسية باذن من يلتسن فقصفت الطائرات الحربية العاصمة غروزني، على رغم ان فيها مئات ألوف الروس، فيما عمد حوالى 50 الف جندي وضابط روسي مدعومين بالدبابات والمدافع الى تضييق الحصار أكثر فأكثر على المدينة. وحسب قول أعضاء البرلمان الروسي، الذين عادوا أخيراً من شيشانيا، فان معنويات العسكريين الروس متدنية للغاية، فالجنود لا يعرفون لماذا هم في شيشانيا ولماذا يُجبَرون على محاربة سكان الجمهورية المدنيين، الذين يعتبرون رسمياً مواطنين روساً. حتى مستشار الرئيس الراحل لحقوق الانسان سيرغي كوفاليوف الموجود في العاصمة الشيشانية لم يخفِ سخطه من سياسة الكرملين "القومية" هذه. وقال كوفاليوف ان المئات من المواطنين المدنيين يلقون حتفهم نتيجة القصف الجوي والمدفعي للمدينة وان الرئيس الروسي لا يحارب هنا رجال عصابات ولا تشكيلات مسلحة غير قانونية، بل يحارب شعبه هو". على صعيد آخر استخدم الشيشان تكتيك حرب العصابات. فلم يبق في المدينة، مبدئياً، الا السكان الناطقين بالروسية وقسم غير كبير من التشكيلات المسلحة الموالية للرئيس الشيشاني جوهار دودايف، فيما توجهت قوات الشيشان الأساسية الى الجبال لكي تواصل من هناك قتالها ضد القوات الروسية. وقالت مصادر مستقلة في غروزني ان الألوف من الشيشان يعتبرون انفسهم مشاركين في "الغزوات" واعلنوا انفسهم فدائيين انتحاريين. وتجري عملية الكرملين العسكرية بتغطية دعائية مكثفة في وسائل الاعلام الحكومية. وقال صحافي في التلفزيون الرسمي لپ"الوسط": "ان كل الأنباء تقريباً الواردة من منطقة العمليات الحربية تمر في الخفاء على مراقبة المديرية الاعلامية التحليلية لادارة يلتسن"، مضيفاً ان مديري نشرات الأخبار تبلغوا تعليمات بپ"ضرورة التغطية الصحيحة - من وجهة النظر الرسمية - لاحداث شيشانيا". ومما يدل الى مدى نشاط الدعاية المعادية لشيشانيا في وسائل الاعلام الروسية الحكومية ان فالنتين سيرغييف مدير المكتب الصحافي لپالحكومة الروسية حكم عليه الشيشان غيابياً بالاعدام. وعادت الى البرامج الاذاعية لوزارة الدفاع الروسية فجأة أغاني قدماء الحرب الأفغانية وكأن ذلك تأكيد على ان شيشانيا أصبحت "افغانستان ثانية". وتحاول الصحف ومحطات التلفزيون المستقلة الروسية ان تنقل الأخبار بأقصى ما يمكن من الموضوعية عن أحداث شيشانيا، ويبدو انها تخاطر في هذا كثيراً. وهدد أوليغ سوسكوفيتس النائب الأول لرئيس الحكومة الروسية محطة "ان. تي. في" الخاصة بسحب رخصة البث، اما الجريدة الرسمية فتتهم يومياً كل من لا يوافق على خط الكرملين من وسائل الاعلام الروسية بپ"خيانة الوطن ومصالح الدولة الروسية". وقال فاختانغ جاناشيا خبير البرلمان الروسي في العلاقات بين القوميات لپ"الوسط": "ان بوسع يلتسن الاستيلاء على غروزني وابادة دودايف، ولكنه لم يعد بوسعه اطفاء حريق الحرب القوقازية، التي أثارها قراره بادخال القوات الى شيشانيا". وفي رأيه ان النزاع الشيشاني لن يحل في أقرب وقت، بل سيزداد". وأضاف: "كأنما يفعل الكرملين خصيصاً كل شيء لتشديد العمليات القتالية: يضرب غروزني بالقنابل بلا توقف ويؤلب القوقاز والروس المقيمين في مناطق روسيا المجاورة لشيشانيا على القوقازيين. وتغرس في وعي الجماهير اسطورة "اجرامية" الشيشان ويخوّف سكان موسكو بالهجمات الارهابية التي يزعم ان الشيشان قد يلجأون اليها. وأغبى شيء، طبعاً، محاولة تصوير النزاع الشيشاني بأنه حرب من روسيا ضد "الأصولية الاسلامية" مع نسيان ان المسلمين يشكلون خمس عدد سكان روسيا". وقال جاناشيا: "ان احداً لا يستطيع حتى الآن ان يبين أين ذهبت اكثر من 100 مليون دولار مخصصة لشيشانيا من الموازنة الفيديرالية في هذه السنة كمساعدة انسانية: المعروف فقط ان هذه الأموال لم تصل الى غروزني. وطبيعي ان الحرب في شيشانيا لم تبدأ فقط من اجل اخفاء سرقة عادية وانما النزاع الحربي في الجنوب ذريعة مناسبة جداً لادارة يلتسن لارجاء موعد الانتخابات الرئاسية، واذا اقتضى الأمر، فلحل البرلمان أيضاً. ان الحرب في شيشانيا هي، في حقيقة الأمر، طريق مباشر الى حكم استبدادي جديد في روسيا".