يمكن اعتبار المنطقة العربية (الشرق الأوسط) أكثر مناطق العالم اضطراباً وعدم استقرار. فالعلاقات الدولية فيها صراعية غالباً. ولا يتم حل صراع حتى ينشأ صراع آخر. سيادة «قانون الغاب» هو، في واقع الأمر، ديدن العلاقات الدولية، عبر العصور (الأقوى يسيطر على الأضعف) وإن كان هذا العصر قد بدأ يخفف قليلاً من غلواء «غابية» هذه العلاقات... ويدفعها أكثر نحو التعاون، ومراعاة الحاجات الإنسانية. فالعلاقات الدولية هي دائماً مزيج من «التعاون» و«الصراع». وبالإمكان شدها نحو التعاون بالسياسات الحكيمة، وبالتأكيد على مراعاة الاعتبارات الإنسانية، وخدمة المصالح المشتركة، ودرء الأخطار المشتركة. وهذا ما بدأ يتبلور على استحياء منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، ما زالت هذه المنطقة مضطربة، أكثر من غيرها، وحدة الصراعات فيها تزداد شراسة، وعنفاً، مع مرور الزمن. معظم ما يحدث بالمنطقة من نزاعات وحروب، وحروب بالوكالة، ما هي إلا من المعارك الدائرة ضمن الحرب الشعواء في ما بين القوى الدولية، وتنافسها على موارد المنطقة، وإمكاناتها. وهي الموارد التي يسيل لها لعاب القوى العظمى والكبرى. وهذا العدوان، أو التسلط، عبر التدخل في الشؤون الداخلية لمعظم دول المنطقة يمكن أن يرى بالعين المجردة، وأحياناً لا بد من «مايكروسكوب» مكبر لرؤيته. ولكنه -في كل الأحوال- عدوان مرئي ومسموع ومقروء، في أغلب حالاته. **** إن أي قوة عظمى، أو كبرى، تسعى للهيمنة على مناطق العالم النامية -وخاصة ذات الموارد الطبيعية المهمة، والموقع الاستراتيجي، حال منطقة الشرق الأوسط- أي الأقل قوة. وغالباً ما تكون أهم أهداف القوة العظمى، أو الكبرى، تجاه المنطقة المعنية، هي: - الهيمنة على المنطقة المعنية، لأقصى درجة ممكنة. - الحصول على موارد المنطقة بأقل تكلفة ممكنة. - حرمان القوى الدولية الأخرى المنافسة من موارد المنطقة المعنية. أما أهم «الوسائل التي تتبعها القوة المهيمنة، أو العازمة على الهيمنة، فهي وسائل «الاستعمار الجديد»، وأهمها: - الهيمنة على صناعة القرار السياسي، مقابل تقديم الحماية ضد عدو حقيقي، أو مصطنع، وأسلوب «فرق تسد»، إشعال بعض الصراعات، وغير ذلك. **** وفي حالة منطقة الشرق الأوسط، فإن القوة العظمى المهيمنة، حتى الآن، هي الولاياتالمتحدةالأمريكية. وهي لها نفس الأهداف، وتتبع ذات الوسائل، وفي مقدمتها وسائل الاستعمار الجديد. وهذه السياسة مكنتها من المنطقة، وقوت من موقفها على الساحة الدولية. وهذا ما يردده بعض علماء السياسة الأمريكيين، ويعترفون به. ويجب ألا ننسى ما يفعله التحالف الصهيوني - الاستعماري بالمنطقة، وما تقوم إسرائيل به من أعمال تخريبية، وإرهابية، ضد الفلسطينيين، وضد العرب، بصفة عامة. ومنذ أن زرع هذا الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي، والمنطقة في اضطراب وقلاقل. ويكفي أن نذكر هنا أن معظم ما يجري بهذه المنطقة من مآسٍ كان الكيان الصهيوني وراءها. قال ديفيد بن جوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، ذات مرة: «لا يمكن ضمان أمن إسرائيل إلا بعد إضعاف، أو تدمير، عدة دول مجاورة لها، في مقدمتها: العراق، سوريا، مصر». وها قد تم تدمير العراقوسوريا، وقد يأتي الدور على آخرين قريباً. **** وبناء على ذلك التبسيط، لنتخيل أن بالمنطقة العربية الآن تكتلين متضادين متنافرين؛ الأول هو التكتل الغربي، بزعامة الولاياتالمتحدة (ولنرمز لهذا التحالف بالرمز «س»). أما التكتل الثاني المضاد والمنافس للتكتل «س»، ولنرمز له بالرمز «ص»، فهو يتكون من القوى والجماعات المناوئة الآن للغرب، والمكافحة للاستعمار، وأساليبه. وبعض القوى الخارجية، وفي مقدمتها روسيا والصين، وغالبية شعوب المنطقة، ومن يسير في فلكهم. ومعروف أن التكتل «س» تكتل معادٍ، يعمل لما يحقق ما يعتقد أنه مصالحه. وكثيراً ما تكون هذه ال«مصالح» لفئات قليلة فيه. ولقد أصبح معروفاً للجميع، أن التكتل «س» يسعى في اتجاه سلبي ومضاد بالنسبة للمصالح العليا العربية الحقيقية. فعندما يدعي أحد مسؤولي «س» أن تكتله يعمل على استتباب الأمن والاستقرار بالمنطقة، فإنه يعمل ذلك، في الواقع، بما يتوافق ومصالحه ومراميه هو، المتغيرة التفاصيل، الثابتة الأهداف تقريباً. وكثيراً ما يكون ما يعمله عاملاً يزعزع الأمن، ويضر بمصالح آخرين، ويهز الاستقرار الإقليمي لاحقاً، ويزيد غبن الشعوب المعنية. هناك مقاومة محدودة جداً ضد «س»، ولكن ما زال «ص» في موقف المدافع. وذلك بسبب قوة أمريكا، وضعف «ص». ما زالت «ص» جبهة مقاومة، متواضعة الإمكانات. عدوان «س» هو الذي أوجد «ص». نعم، هناك رفض للهيمنة، والعدوان، ومقاومة للظلم، تمثله، ولكنها لا تزال مقاومة باهتة، ومخترقة.