* ليأتِ الفنانون العرب الينا ولتصبح مصر أميركا الفن في الشرق * الرجل يحب المسائل التجريدية اما المرأة فتحب الأمور المجسدة ، عندما أنام في الفندق أشعر بالراحة ... وفي منزلي أشعر بأنني أنام على صمت مرعب محمد عبدالوهاب بقلم محمد عبدالوهاب. هكذا يمكن اختصار مضمون الأوراق الخاصة والسرية للفنان الراحل الكبير محمد عبدالوهاب التي تنشرها "الوسط" على حلقات. هذه الأوراق لم تنشر من قبل إذ لم يكن عبدالوهاب راغباً في أن يطلع عليها أحد طوال حياته، وهي بخط يده. وقد أوصى عبدالوهاب زوجته السيدة نهلة القدسي بتسليم هذه الأوراق الى الكاتب والشاعر المصري المعروف فاروق جويدة الذي أمضى أشهراً طويلة في قراءتها وجمعها وترتيبها واعدادها للنشر. وتكتسب هذه الأوراق أهمية خاصة اذ أنها تكشف جوانب حميمة وغير معروفة من حياة الفنان الكبير محمد عبدالوهاب كما تكشف آراءه في الناس والمشاهير والحياة ومصر والعالم العربي والفن والمرأة والحب وأمور أخرى ستفاجئ الكثيرين من محبي فنه. "الوسط" اتفقت مع الكاتب فاروق جويدة على نشر جزء كبير من هذه الأوراق الخاصة. ويقضي الاتفاق بأن تنفرد "الوسط" وحدها دون أية مطبوعة عربية أو أجنبية أخرى بنشر هذا الجزء من الأوراق الخاصة وعلى حلقات. وفي ما يأتي الحلقة الثانية: نحن والفنانون العرب أما وقد أصبحت مصر منتهى أمل كل فنان عربي للحضور اليها والنهل من خيراتها الفنية، وأقصد هنا الموسيقى والغناء حيث يوجد في مصر العلم واللحن والكلمة والموسيقى والحفلات والسينما والفرق الموسيقية وأجهزة الاعلام الخرافية من تلفزيون واذاعة وصحف ومجلات. كل هذا جعل الفنان العربي من جميع الأقطار العربية يحضر الى هنا للانطلاق. هنا "الفترينة" الواجهة الكبيرة للعالم العربي وغير العربي في كثير من الأحيان. اذا كان هذا واقعاً فلماذا هذه النغمة المرزولة هذا مصري وهذا غير مصري؟ ان وجود الفنانين العرب هنا، وانصهارهم في المصرية السمحة، واحساسهم بأن ليست هناك تفرقة، تجعلهم دائماً يفكرون في ألا يعودوا الى بلادهم وهذا مكسب لمصر. فالفن سيقوى ويشتد، لأن الفن أخذ وعطاء. سيأخذون منا شهرة وانتشاراً وسنأخذ منهم دماً جديداً وقوة تبعث دائماً الحياة في فننا. لماذا لا ننسى أنهم غرباء؟ لماذا لا يكونون مصريين فعلاً وننسى نحن وينسون هم أنهم غرباء؟ كأميركا مثلاً، ما هو سر قوتها؟ لقد فتحت ذراعيها لكل فنان، الطلياني واليوناني والسويدي والانكليزي، والتركي والعربي والايراني. أي فنان أو فنانة من أي جنس يصبح أميركياً وينسى الأميركيون انه أجنبي. لماذا نخيف الفنان العربي الوافد عندما نجعله حذراً قلقاً من مصر، وأهل مصر، وصحافة مصر. ليحضروا. سنقوى بهم وسينتشرون بنا، ولتصبح مصر أميركا الفن في الشرق، وربما تكون بعد ذلك اميركا الفن في العالم. فسيكون عندنا تركيبات فنية مختلفة مصهورة بدم مصري يحقق لها استيعابه بحكم اختلاف اساليبه في جميع انحاء العالم. قوة اميركا انها تستطيع ان ترضي كل ذوق من اذواق العالم بفضل احتوائها لجميع فناني العالم بإحاسيسهم واذواقهم المختلفة، ثم يثقلون مواهبهم بالعلم، والمال والنفوذ الاميركي. وبذلك يصلون الى ذوق كل بلد في العالم. اميركا بكل هذه الامكانات وبكل هذه الاذواق جعلت من نفسها سيدة للفن في جميع انحاء العالم. اكرر ان الفنان الوافد اذا لم يشعر بأننا ننظر اليه نظرة الغريب لكان هنا وطنه. فالوطن دائماً هو موضع الرزق. ولما كان حذراً، وتوقع ان يجيء اليوم الذي سيترك فيه مصر ليعود الى بلده. لاستثمر امواله هنا في البلد الذي يعيش فيه ومنه، مثل اللبناني الذي يعيش في اميركا فإنه اميركاني يعيش فيها ومنها. ويشتري الارض والمزرعة والعقار هناك. لانه اصبح اميركياً، واطمأن الى انه لا توجد قوة تخرجه من بلده الجديد، ونحن كمصريين اليس اغلب امهاتنا تركيات او شركسيات او سوريات او ليبيات او حبشيات او سودانيات؟ واجدادنا اليس فيهم التركي والشركسي والسوري واجنساً اخرى؟ ولا يزال للآن عائلات بعضها في تركيا او سورية او ليبيا او فلسطين الى آخره… فلماذا لم يشعروا بالذي نشعر به الآن؟ لانه لم تكن هذه النغمة موجودة في ذلك الوقت. وعلى سبيل المثال اليس نجيب الريحاني عراقياً، وجورج ابيض لبنانيا وروز اليوسف لبنانية، وانور وجدي سورياً، ونجاة سورية، ومع ذلك لانه لم تكن توجد هذه النغمة الممجوجة، عاشوا مصريين وماتوا مصريين. علينا بدل ان يقيم الفنانون في مصر بفكرة احتمال العودة الى بلدهم ويرسلون ما يكسبونه من اموال الى بلادهم رسمياً او تهريباً، علينا ان نجعلهم يعيشون في مصر وتظل اموالهم التي كسبوها من مصر في مصر. الزواج السعيد كثيرون يتصورون ان الزواج هو على رأي المثل "روح واحدة في جسدين". الزوج يتصور ان زوجته ينبغي ان تكون على خلقه وفهمه وطباعه ورغباته، تحب ما يحب، وتكره ما يكره. والزوجة ايضاً ترى ان الزوج ينبغي ان يكون على طباعها وفهمها ورغباتها. ويتصورون ان هذا هو الزواج الموفق. هذا ليس طبيعياً فمن غير المعقول ان الانسان الذي جاء من بيئة معينة واخلاق اكتسبها من ابويه واصحابه يتزوج زوجة من بيئة اخرى في جوها وفي فهمها وفي خلقها وفي تطلعاتها، ويريدها نسخة منه وعلى العكس من ذلك فإني ارى ان البعد بين الزوجين هو توفيق في الزواج. فالزوجة يجب ان تظل امرأة كما هي. الزوج يجب ان يظل رجلاً كلما ظهرت هذه الفوارق الطبيعية والضرورية للاحساس بين الذكر والانثى، وهذا الاحساس في حد ذاته متعة وضرورة لبقاء الزواج. واذا اخذنا بالمثل القائل "روح واحدة في جسدين" فمعنى هذا ان الرجل يتزوج رجلاً والمرأة تتزوج امرأة مثلها. والزواج الموفق كوتر العود. والواقع ان هذه التسمية "وتر العود" غير دقيقة لان كل وتر في العود كما يطلق عليه فيه فتلتان متجاورتان تكاد ان تلتصقا ببعضهما في حجم واحد ومن نوع واحد وفي سمك واحد. ومهمة العازف قبل ان يعزف هو ان يساوي فتلة على الاخرى بدقة بحيث اذا ضرب على الفتلتين يخرج الصوت منهما وكأنه فتلة واحدة، بحيث انه لو ارتفعت فتلة او انخفضت عن الاخرى وضرب عليها العازف تعطي صوتاً نشازاً مهتزاً لا يطاق سماعه. والزواج الموفق هكذا ليس فيه نشاز مؤتلفاً، مترابطاً، منسجماً، سليماً صحيحاً، كصوت وتر العود الامثل لا كالاوتار "الخُلَّف". وفي رأيي ان الرجل تجريدي يحب الشهرة والوطنية والنجاح والاختراع والخيال. وكلها مسائل تجريدية. اما المرأة فهي تحب الاشياء المجسدة. تحب المنزل. تحب الاطفال. تحب الملبس. تحب الاسرة. كلها اشياء مجسدة ولذلك وكلَّ لها الله سبحانه وتعالى استمرار العنصر البشري. والمرأة تحب السيطرة على الرجل. تحب استبقاءها له. تحب ان تقبض عليه ولا يفلت من يدها. لان الرجل لو ترك وشأنه لا يهتم بأسرة ولا بزواج ويدور "على حل شعره" فلا تتحقق للحياة هذه الاستمرارية التي حققتها المرأة من خلال هيمنتها على الرجل واخضاعه الدائم لها. وهذا ما يفعله الزواج بالبشر. حياة الفنادق عندما انام في منزلي واضع رأسي على "مخدتي" اشعر بأنني انام على فراغ، على موات، وعلى صمت مرعب. وكثيراً ما اخاف ان تنهار الغرفة بي وتسقط على الارض. وعندما انام في الاوتيل الفندق اشعر بالراحة لان تحتي هذا التجمع البشري المختلط الداخل والخارج الذي يدخن افراده ويأكلون ويلهون واصحاب الاعمال والعائلات والاصدقاء… الضجيج والصراخ والصخب. كل هذا انا فيه نائم على انفاس، على حياة، على ضجيج. اشعر بطمأنينة غريبة. اشعر بالامان. اشعر بأن هذه الانفاس، هذه الحياة تحميني من السقوط. اشعر انها اعمدة تتكئ عليها غرفتي، يتكئ عليها سرير، يتكئ عليها جسدي. والمدن تستيقظ كالانسان تماماً، فهي عند استيقاظها تتثاءب كالانسان وتتمطع مثله وتفرك في عينيها وتنهض من فراشها وتذهب الى الحمام وتغسل وجهها واسنانها وتتمشط وتلبس ملابس العمل الى النشاط والحياة. رأيت هذا المنظر البديع مراراً عندما كنت احيي حفلات في القرى والكفور، ولا اجد مكاناً لنومي فأعود الى القاهرة في سيارة آخر الليل في الخامسة او السادسة صباحاً ادخلها وهي تستيقظ استعداداً للنشاط… للحياة. وقد قرأت في كتاب للرحالة العربي الشهير ياقوت الحلبي هذه العبارة "كلما رق الهواء غلظ الطبع" وهو يشير الى اهل الجبال وخشونتهم والفرق بين اهل الجبال العالية بهوائها الرقيق وبين اهل المدن بهوائها المكثف. فابن المدينة يعيش في جو مثقف متفاهم فيه سلوك متعارف عليه. في المدن علم وثقافة وسلوك ومعاملة تربط المواطنين بعضهم ببعض فيها ادب وسلوك سوي، اما ابن الجبل فهو يعيش بالفطرة بالطبيعة الخشنة… بالبراءة.