أولى حالات الزواج بين شبان مصريين وشابات أجنبيات في العصر الحديث جرت عام 1836، عندما عادت بعثة من 12 طالب طب كانت تدرس في فرنسا، بينهم ثلاثة طلاب متزوجين من فرنسيات. فأثارت هذه السابقة حفيظة المسؤولين المصريين عن البعثات التعليمية، واشترطوا بعد ذلك أن يوقع المبعوث للخارج على نفقة الدولة تعهداً بعدم الزواج من اجنبية اثناء فترة الدراسة. وهذا التعهد لا يزال يدرج ضمن اوراق التقديم للبعثات التعليمية المصرية الى اليوم. مع ذلك فإن الكثيرين يخرقون هذا التعهد. ونشأت نتيجة لهذه السوابق عادة مصرية يطلب فيها الاهل من أبنائهم المسافرين للدراسة اتخاذ اقصى درجات الحذر من "فاتنات الغرب وألاعيبهن في الايقاع بالشباب الشرقي الاسمر". ومع الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882، وفي ظل حرية التنقل الاوروبي في اقاليم الدولة العثمانية جاء الى مصر العديد من النساء الغربيات كاليونانيات والايطاليات والنمسويات وغيرهن وتزوجن من مصريين، مثل أمين باشا عثمان السياسي الوفدي المصري المخضرم الذي تزوج من انكليزية عاملة في بار. وفي الاوساط الملكية والارستقراطية تزوج الخديوي عباس حلمي الثاني من نمسوية، وتزوج كل من الامير جلال الدين والامير عباس حليم من الراقصة الانكليزية نفسها بعدما طلقها الأول. وفي عام 1937 صدم رئيس الوزراء المخضرم محمد توفيق نسيم البالغ من العمر 67 عاماً المجتمع المصري بإعلان خطوبته على حسناء نمسوية تبلغ من العمر 17 عاماً، وهي نجلة مالك فندق صغير في النمسا. وكانت أول زوجة لعميد المسرح العربي يوسف وهبي اميركية الجنسية. الفيلم الروائي الأول في السينما المصرية، "قبلة في الصحراء" عام 1927، تناول زواج شاب عربي من سائحة اميركية. كما ظهرت افلام تناهض هذه الزيجات وتنتقدها مثل فيلم "اولاد الذوات" عام 1937، الذي صور علاقة شاب ارستقراطي مصري بفتاة فرنسية لعوب، وأكدت ان السعادة الحقيقية هي في زواج المصري من مصرية مخلصة. وفي الخمسينات والستينات - وبسبب علاقة مصر القوية مع الكتلة الاشتراكية حدثت زيجات، مثل مصمم الرقصات الشعبية محمود رضا الذي تزوج من صربية يوغوسلافية، والشاعر الراحل نجيب سرور الذي تزوج من روسية، والمخرج خيري بشارة الذي تزوج من بولندية. وبعد ان تحولت السياسية المصرية تجاه الغرب مرة اخرى عادت الزيجات المصرية - الغربية الى الارتفاع لتصل الى حوالى 2000 حالة سنوياً في المتوسط. وعلى رغم صغر حجم هذه الزيجات وعدم تعديها 1 في المئة من اجمالي الزيجات المصرية، إلا انها لا تزال تثير الكثير من الجدل في المجتمع المصري. ويعتقد البعض أن المرأة الغربية تتزوج الافضل من بين الرجال العرب كالمتعلمين والاغنياء والمشاهير، مثل الملك حسين أو رئيس الوزراء المصري السابق عاطف صدقي أو رئيس وزراء الاردن عبدالسلام المجالي، أو مثقفين مثل جلال أمين أو طه حسين أو الروائي يحيى حقي أو سعد الدين ابراهيم أو وزير الاوقاف المصري الحالي محمود زقزوق. وتثير هذه الزيجات احياناً قضايا الهوية، وافتراض ان الزوج العربي يخضع ثقافياً لزوجته العربية لا العكس. في دراسة ميدانية قمت بها على عينة من 30 مصرياً تزوجوا من غربيات، تم رصد الانماط الآتية: اولاً: 50 في المئة من الزوجات الغربيات كن أكبر من أزواجهن المصريين سناً. وتراوح الفرق العمري بين سنة و13 سنة. وسبب ذلك ان الزواج المختلط بطبيعته يتطلب هجرة احد الطرفين الى بلد الآخر الاكثر قدرة مادياً واجتماعياً، ما يتوفر في الزوجة الغربية الاكبر سناً الراسخة مهنياً وذات الدخل الثابت. وبصورة عامة هناك اتجاه عالمي مع تحرر المرأة ونزولها سوق العمل، لا يمانع في ان تكون الزوجة اكبر سناً من زوجها، وهذه هي حال نحو 16 في المئة من الازواج المصريين الذين تزوجوا مصريات في العشرة اعوام الماضية، وربما كانت العروس في هذه الحالات ايضاً اغنى أو تملك شقة. ثانياً: اذا كان العربي ناجحاً مهنياً وغنياً في بلده، فإنه يأتي بالعروس الغربية لتعيش معه، أما اذا كان فاشلاً مهنياً وفقيراً أو شبه معدم فإنه يفضل الهجرة الى بلد المحبوبة الغربية. وهذا رد على الذين يعتقدون ان الزواج المختلط وسيلة لسرقة العقول، فهو يسرق فلول العاطلين من العرب. فمشاهير العرب في الغرب مثل السير مجدي يعقوب جراح القلب المشهور أو عالم الفضاء فاروق الباز لم يتزوجوا من غربيات أولاً قبل الهجرة بل هاجروا ونجحوا أولاً ثم تزوجوا غربيات. وبالنسبة الى الأوساط الدنيا والمتوسطة من المصريين، فالزواج من امرأة أجنبية اكبر سناً، يعتبر صفقة شاملة قد تؤدي الى الهجرة. بينما لو ظلوا في مصر برواتبهم الضعيفة وفرص العمل الاكثر ضعفاً، فإنهم سيعيشون طوال حياتهم مضربين عن الزواج. ويرى بعضهم ان الزواج من غربية قبيحة ليس نهاية العالم، فمن الممكن وبعد الاستقرار في الغرب تطليقها والزواج من شابة جميلة أو الاستمرار في الزواج، واقامة علاقات "كلينتونية" هنا وهناك. ثالثاً: نحو ثلثي المصريين والغربيات الذين تزوجوا حصلوا على تعليم جامعي، لأن الزواج المختلط يحتاج لمعرفة لغات اجنبية وانفتاح فكري على الثقافات المختلفة. كما أن خريجي الجامعات يعانون من بطالة ويسعون لفرص تشغيل. رابعاً: ثلث الشباب المصري وثلثا الغربيات كانوا يفكرون في الزواج من اجانب، وسعوا الى ذلك بالفعل، أي ان اهتمامهم هذا سبق مقابلتهم الفعلية لأزواجهن الاجانب. فهناك العديد من الاشخاص يعيشون في بلادهم ويشعرون بالغربة الثقافية أو الانبهار بثقافة اخرى اجنبية أو يرتزقون بالتعامل مع الاجانب، مثل العاملين في قطاع السياحة أو الذين يدرسون في الخارج او مع أجانب. خامساً: اكثر من نصف الذين تزوجوا اجانب لم يكونوا - كما يعتقد البعض - مرفوضين في سوق الزواج والحب من ابناء وبنات بلادهم، بل كان لهم فعلاً علاقات لم تتوج بالزواج لسبب أو لآخر. سادساً: اكثر من ثلثي الازواج المصريين من الاقباط، لأن الاقليات بصورة عامة تجذب للزواج المختلط في محاولة لأن تنضم للأغلبية من دون تغيير العرق أو الدين. سابعاً: قلة عدد الذين يدخلون هذه الزيجات سنوياً - والذي لا يتجاوز 2000 حالة - يدحض أي اعتقاد شائع بأن المرأة الغربية تسرق عرسان المرأة المصرية، فاللص الحقيقي لعرسان المرأة المصرية هو فقر العرسان. ثامناً: من يدخل مجال الزواج المختلط ويتزوج من اجنبية لا يميل للتعصب والآراء المتطرفة، فلن تجد شخصاً مفرطاً في التدين مستعداً للدخول في زيجة من خارج دينه. الزواج المختلط مثل أي زواج في الدنيا يواجه جميع انواع التحديات والضغوط العائلية والمجتمعية والنفسية والعنصرية، لكنه يتعرض لضغوط مضاعفة لن تصمد الا اذا كان هناك تفاهم متبادل بين الزوجين، ولا يصلح سوى للمتفتح ذهنياً وفكرياً واجتماعياً، وإلا فإن الطلاق سيبدد أية أوهام. على صعيد زواج الشابة المصرية من أجنبي، هناك أولاً المنع الديني والثقافي والقانوني، فلا يعترف بزواج المسلمة بغير المسلم في أغلب البلاد الإسلامية، عدا تركيا العلمانية ودول الاتحاد السوفياتي، السابق ودول المهجر حيث لا يوجد عائق قانوني يحول دون ذلك. مع ذلك، فإن هذه الزيجات - على رغم ندرتها - تثير حساسيات دينية، وغير مرحب بها اجتماعياً على رغم غياب العائق القانوني. فالعديد من الأسر التركية المسلمة، مثلاً، لا تتقبل اجتماعياً أو ثقافياً أو دينياً فكرة زواج ابنتهن من كتابي ولو أعجبهم. ونسبة هذه الزيجات قليلة للغاية. وفي بلاد المهجر تثور الجاليات الإسلامية، إذا حاول أحد الفقهاء الافتاء بجواز هذه الزيجات. وقد حث الدكتور حسن الترابي رئيس المجلس الوطني البرلمان السوداني المسلمين السودانيين الشماليين على الزواج من مواطنات الجنوب من الكتابيات وعبدة الاوثان، كوسيلة لحل مشكلة حرب الجنوب وتعميقاً للوحدة الوطنية. وقد أثارت هذه الدعوة غضب جمهرة الفقهاء عليه. وامتناع العديد من الحكومات العربية عن منح الجنسية لأبناء الفتاة العربية التي تتزوج اجنبياً، ولو كان عربياً مسلماً مثلها، تأكيد جديد للعقلية الذكورية المتعصبة. وقد أجمع الفقهاء أن زواج المسلمة من غير المسلم تجوز إذا تحول الزوج بصورة مخلصة جديدة للإسلام وليس لملء خانة في أوراق رسمية. في القرن العشرين، ومع ارتفاع نسبة تعليم المرأة العربية، واتقانها لغات أجنبية، وكثرة الجاليات العربية في الخارج، وانتشار الأفكار التحررية والاستقلالية للمرأة، وانفتاح الاقتصاد والتعليم العربي على العالم الخارجي، وثورة الاتصالات، وظهور الشركات المتعددة الجنسيات، ونزول المرأة العربية للعمل تحتك بالزملاء والمديرين أو زملاء الدراسة والجيران الأجانب، فقد أدى ذلك الى علاقات وزيجات يتحول فيها الشاب الغربي الى الإسلام. وليس صحيحاً كما يعتقد البعض أن أغلب العربيات اللواتي تزوجن من رجال غربيين هن مسيحيات بسبب غياب القيود والعوائق الدينية في هذه الحال. فهناك دراسات تشير الى أن 75 في المئة من العربيات اللاتي تتزوجن غربيين هن مسلمات. وفي المجتمعات العربية المنفتحة والمختلطة بالغربيين مثل المجتمع المغربي والتونسي واللبناني هناك العديد من العلاقات والزيجات. في جنوبلبنان مثلاً حدثت زيجات بين لبنانيات وأفراد من قوات حفظ السلام الدولية هناك. الظاهرة نفسها حدثت في مصر أثناء وجود قوات فك الاشتباك عام 1974 حين تزوج عدد من الجنود من مصريات بعدما تحولوا الى الإسلام. وفي فرنسا حيث يعيش الملايين من العرب، لا سيما من الجزائر والمغرب وتونس، تجد الزيجات متنامية مع المواطنين الفرنسيين.