ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي وأعمدة"الورق"بمقطع أحد المحتسبين أثناء لقائه مع وزير العمل عادل فقيه برفقة عدد من المحتسبين، والتهديد بالدعاء والابتهاج بإصابة وزير العمل السابق الدكتور غازي القصيبي رحمه الله بالسرطان. الأصوات المتخاصمة تراشقت بالتهم والأدعية. المؤيدون يرون أحقية الدعاء على من ظلم، والساخرون من"المحتسب"ورفاقه يرون موقفهم غير إنساني. وثمة فريق ثالث وقف رافضاً للسخرية بالدعاء، ورافضاً لابتهاج وتكبير المحتسبين لحديث من دعى على الوزير، وحمده لله بأن أصاب القصيبي بالسرطان. المحتسب، هدد الوزير بالدعاء عليه إن استمر بتوظيف النساء، أو الدعاء له بالهداية إن تراجع، ما أثار تساؤلات حول سرّ احتكار الاحتساب على قضايا المرأة، وعدم الاحتساب الاخذ من المال العام دون وجه حق أو الفساد أو الاستبداد أو الرشاوى، وحول آداب الاحتساب، ومدى أحقية الدعاء على من يختلف فكرياً معك، أو مدى جواز الفرح بإصابة المسلم بالمرض. تحدثت"الحياة"مع عدد من الشرعيين، وأجمعوا على أن الجهر بالدعاء حق مشروع وسلاح للمؤمن، حين تقل الحيل، إذ يقول الله تعالى:"لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"، ولفتوا إلى أن من يرى في نفسه العدل وعدم الظلم فلا يخشى من الدعاء، لأن الله حكم عدل، مؤكدين أن الشماتة والفرح حال وقوع الابتلاء على المسلم لا تجوز، لأن الابتلاء من الله وعلى الناس أخذ العظة والعبرة. يقول أستاذ السياسة الشرعية والأنظمة المقارنة في جامعة الملك عبدالعزيز وعضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي البروفيسور حسن سفر:"إن الاحتساب يشمل جميع القضايا وفق الآداب والقواعد التعاملية التي أشار إليها الأئمة مثل ابن تيمية والشيرازي الذين كتبوا في أدبيات المحتسب، وعلى ضوء هذه القواعد يحسن التعامل والتخاطب مع من يقصدهم المحتسبون وفق الخطاب القرآني"وقولوا للناس حسنا". وأرجع سفر اقتصار الاحتساب على المرأة من المحتسبين، إلى"الخوف والحرص والمحافظة على المرأة التي عرفت بالعاطفة والاندفاع، إذ للهيئة دور تشكر عليه، وإن كان هناك بعض ممن أساء إلى هذا النظام، إلا أن فيه الخير الكثير والتطور الكبير"، وأشار إلى أن بعض الثقات ذكروا أن هذه المحال النسائية لا يقتصر فيها البيع على النساء، إذ بها من الاختلاط الظاهر الذي تحرص الهيئة ورجال الدين على متابعته للحفاظ على المرأة". ورأى أن من شرعوا بالدعاء على وزير العمل قد يكونون شعروا بعدم تحقيق مطالبهم التي هي المحافظة على المرأة وصيانتها، لذا نرى أنهم من منطلق حسن النية لجأوا إلى الدعاء، وهو حق مشروع لمن ظلم أو تُعدي عليه أو رأى منكراً، وشدد على عدم جواز الفرح على المسلم حال مرضه، لأن الله مطلع على الأحوال، إذ ما يصيب المؤمن من مرض، فهو ابتلاء من الله لا يجوز الفرح والشماتة فيه". وأوضح عضو رابطة علماء المسلمين والأستاذ الفقه المقارن الدكتور عبدالعزيز عرب أن"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة واجبة على كل مسلم ومسلمة، وبهذا فإن الحسبة لها في الإسلام منزله علية، ومرتبة رفيعة، لا غنى للأمة عنها في إقامة منهج الله في الأرض، ولكن للحسبة آداباً وشروطاً وفقهاً، كأن تكون برفق وعلم، وما يثار هذه الأيام من دعاء على أهل المنكر فإن الأصل هو عدم جواز الدعاء على المسلم إلا إذا كان ظالماً، فإن الله سبحانه وتعالى أباح ذلك للمظلوم لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ، وأعظم ظلم هو التعدي على الدين والأعراض". وقال في حديث إلى"الحياة":"ما يُتهم به بعض المحتسبين من الاهتمام الزائد بحال المرأة السعودية فهذا واجب عليهم، لأن أهل الباطل والفساد غاضهم طهرها وعفافها وحياؤها، فكان مشروعهم هو إفساد أخلاقها، فوجب ولزم التصدي لهم ديانة لله، وحماية للأعراض والأخلاق" السعيدي: المحتسبون لا يملكون غير الدعاء لفت أستاذ أصول الفقه في جامعة أم القرى الدكتور محمد السعيدي إلى اهتمام الدولة وليس المحتسبين بقضايا الاحتساب في كل شيء، وقال ل"الحياة":"الدولة اهتمت وأقامت أربع مؤسسات للاحتساب، واحدة للقضايا الإدارية وهي ديوان المراقبة العامة والمباحث الإدارية، وواحدة متخصصة في القضايا المالية وهي هيئة مكافحة الفساد، وواحدة متخصصة في الأخلاق وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لذا لم تنحصر الحسبة فقط في المرأة". وحول الدعاء على الوزير، أوضح أن"الله حكم عدل، وبابه مفتوح للدعاء، لكنه لا يستجيب إلا مع من صدق ومسه الضر، ومن دُعي عليه ورأى نفسه عادلاً محافظاً لأعراض الناس، فلا يخشى من شيء، وإن كان مقصراً، فليكمل الجانب الذي قصر فيه، إذ إن الدعاء هو سلاح النفس، وتساءل: ماذا يعمل المظلوم أو المقهور؟ أيخرج مظاهرة مثلاً؟ فهذا حرام وغير مسموح به، لذا ما بينهم إلا"سهام الليل"، فأي شخص يرى أنه مظلوم يلجأ إلى رب العالمين، وهؤلاء الذين دعوا على الوزير يرون أنهم مظلومون، فإذا كان الوزير يرى أنه غير مظلوم وغير مفرط، فلا يخشى من دعائهم، مؤكداً أنه لا تجوز الشماتة حال الدعاء، لكن الاعتبار هو الجائز، وهو المطلوب، لأن الله يقول: فاعتبروا يا أولي الأبصار".. المحتسبون للبائعات : أنتن فتنة ! أوضحت زينب معاناتها حتى استطاعت أن تصل لبائعة في أحد المحال النسائية الخاصة"اللانغري"، فاصطدمت ببعض المضايقات التي تحاول اجتيازها حتى تستطيع أن تعيش مع والدتها بستر وأمان. تقول:"تأتي إلينا بعض المضايقات من بعض المحتسبين حين يشاهدون المجسم الذي يرسم جسم المرأة، ونعرض عليه الملابس، فيقولون لنا أنتم وحدكن فتنة، أبعدن هذه المجسمات، على رغم أننا ملتزمات بالحجاب، إذ إن وزارة العمل تشترط علينا الحجاب، وسبق أن حدثت مشكلة بسبب هذا، فهو من شروط العمل"وأضافت:"أعيش مع أمي وأختي على راتب الضمان الاجتماعي، ونحتاج تسليم 2000 ريال في الشهر للمستأجر، على رغم أنني خريجة بكالوريوس ولدي شهادات من دورات عدة، وكم كنت أتمنى وظيفة حكومية، إلا أنني لم أجد وظيفة تقبل بي أنا وشقيقتي إلا محال الملابس النسائية، وحاولنا جاهدات أن يكون عملنا في الحي نفسه لتقليل موازنة المواصلات التي تقتطع ربع الراتب، إن لم يكن الثلث، وأغلب السائقين لا ينتظمون معك إن لم تأخذ وتعطي معهم في الحديث طوال الطريق، مؤكدة أنها معاناة نعيشها يومياً، لكن لا يشعر بنا أحد، ونحن صابرات محتسبات، همّنا أن نعيش فقط، ولا تتراكم علينا الديون، فنجد أنفسنا في الشارع". وقالت عبير"محاسبة في أحد المحال النسائية":"أغلب الناس يشكرون عملنا، ورجال الهيئة لا نراهم إلا في أوقات الصلاة يضربون على زجاج المحل فقط، غير هذا لا أجد مضايقات بل إنني سعيدة في عملي وأخشى تركه، كوني أعيش بمفردي في هذه الحياة، فأبي متزوج ولديه حياته، وأمي متزوجة ولها حياتها، وأحتاج أن أوفر 1000 ريال شهرياً لإيجار المنزل الذي أسكن به، ناهيك عن المواصلات التي تكلفني حين الذهاب للعمل في اليوم الواحد 50 ريالاً وراتبي 2850 ريالاً، ومع كل هذه المعاناة أنا صابرة ومحتسبة، أدعو الله ألا ينقطع مدخول الضمان الاجتماعي وقدره 800 ريال، ففي حال تسجيلي في التأمينات سينقطع، ولي الآن شهر واحد في العمل". واتفقت معها في الرأي حنان وهي موظفة في أحد المحال النسائية في جدة بقولها:"لا نجد مضايقات في العمل ولله الحمد، وإلى اليوم لم يضايقني أحد من رجال الهيئة أو المحتسبين أو شباب المجتمع، قد تكون هناك مضايقات من نساء غير سعوديات يسمعونني في كل زيارة لهم أن عمل الرجال في محال النساء وخدمتهم لهم كانت أفضل من عملنا نحن النساء، إذ إن الرجال أكثر دارية وعلماً بمتطلبات المرأة، وهنا أفضل الصبر واختيار الصمت، واحترام العميل، فأنا متخرجة منذ أعوام، وغير متزوجة، والفراغ يقتل لحظات عمري، لذا أجد في العمل متعة وطرداً للوساوس والكسل".