لم تشهد الساحة الإيرانية بداية مبكرة للانتخابات الرئاسية مثلما تشهده هذه السنة، استعداداً لخوض هذه الانتخابات التي تنطلق في حزيران يونيو 2013، لأسباب متعددة تتعلق بالوضع الداخلي والتطورات الإقليمية. وتنشط القوى السياسية والاحزاب الإيرانية من اجل ترتيب اوراقها لخوض هذه الانتخابات من دون اثارة الغبار الذي قد يؤثر عل? مستقبلها الانتخابي، فتتزايد حالات النفي لهذا الخبر او ذاك، الصادر من هذه الجهة او تلك، بشأن ترشح شخصية معينة أو عقد اجتماع تشاوري انتخابي، الأمر الذي يشير ال? رغبة هذه الاحزاب والشخصيات في إرسال بالونات اختبار للوسط السياسي ودرس ردود الفعل التي تعطي مؤشرات لطبيعة التحرك الانتخابي. وير? المهتمون بالشأن الإيراني، أن التعقيد القانوني والسياسي والديني السائد داخل الاطر الإيرانية المختلفة، هو الذي يدفع بهذه الجهات ال? التحرك عل? استحياء لدرس ردود الفعل، فسيف مجلس الرقابة الدستورية الذي يرأسه العالم المتشدد آية الله احمد جنتي، مصلت عل? رقاب العباد، من المرشحين الذين يبتعدون عن مدار القانون والقيم التي أرستها الجمهورية الإسلامية، لأنه لا يمكن ايَّ مرشح للانتخابات الا العبور من نافذة هذا المجلس، الذي ينظر في صلاحية المرشح من اليوم الذي ولدته فيه امه الى حين تفكيره في خوض الانتخابات، مروراً بكل المواقف التي اتخذها المرشح طوال حياته السياسية. أضف ال? ذلك المشهد السياسي الذي لا يخلو من تعقيد، لجهة التحالفات الحزبية التي ترتبط بطبيعة العلاقة بين المحافظين الاصوليين من جهة، وبين بقية الاتجاهات السياسية الاخر?، ناهيك بوجهة النظر التي تملكها المؤسسة الدينية ومراجعها في دعم هذا المرشح أو ذاك. واذا ما استبعدنا هذه الاجواء، فإن ثمة اسباب موضوعية ومهمة تجعل الانتخابات الرئاسية المقبلة حساسة للأوساط الداخلية والإقليمية والدولية. داخلياً، هذه الانتخابات هي الاول? من نوعها بعد الانتخابات الرئاسية الماضية التي أجريت عام 2009، وما رافقها من أحداث وتطورات ذهب ضحيتها حزبان سياسيان يشكلان العمود الفقري للتيار الإصلاحي، وهما حزب جبهة المشاركة الإسلامية الذي تزعمه محمد رضا خاتمي شقيق الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، وحزب جبهة مجاهدي الثورة الإسلامية الذي تزعمه السياسي المخضرم بهزاد نبوي، اضافة ال? الحالة التراجيدية التي واجهها المرشحان الرئاسيان الخاسران مهدي كروبي ومير حسين موسوي. عل? الصعيد السياسي، يشعر العديد من الاوساط الداخلية بضرورة الدفع بشخصيات سياسية قادرة عل? ترميم علاقات إيران بالخارج، التي تراجعت بشكل ملحوظ خلال رئاسة الرئيس محمود احمدي نجاد، فعلاقات إيران مع دول الجوار والمحيط العربي والإسلامي تراجعت في عهد احمدي نجاد ال? أدنى مستوياتها، اما العلاقات الإيرانية-الغربية، فسجلت تدهوراً واضحاً انعكس عل? العلاقات الديبلوماسية، وعل? صعيد المقاطعة الاقتصادية التي فرضتها هذه الدول عل? إيران. الملف النووي ويعزو بعض المراقبين فشل الحوار مع الدول الغربية بشأن ملف إيران النووي، ال? الفريق الذي يقود المحادثات مع الجانب الغربي، بعد ان عمد الرئيس احمدي نجاد ال? إجراء تغييرات في سكرتارية مجلس الامن القومي، فأقص? امينه العام السابق علي لاريجاني ليحل محله سعيد جليلي، الذي يواجه انتقادات عل? صعيد طبيعة إدارته الملف النووي مع الدول الغربية، وأقصى وزير الخارجية منوشهر متقي ليحل محله علي اكبر صالحي، إذ يسود اعتقاد بأن هذا التغيير لم يكن موفقاً في وضع آلية إدارة الحوار مع المجموعة السداسية الغربية. اقتصادياً، فشلت حكومة الرئيس احمدي نجاد في تنفيذ برنامج التعديل الاقتصادي الذي بدأه في نهاية ولايته الاول? عام 2008 وسار عليه في ولايته الثانية، إلا أن التنفيذ لاقى معارضة شديدة من مجلس الشور? والقيادة الإيرانية بسبب حصره في الكفاءات المؤيدة للرئيس، الامر الذي أوقع تنفيذ البرنامج الاقتصادي في مطبات يدفع ضريبتها حالياً المواطن الإيراني، ولم تستطع حكومة احمدي نجاد تحقيق الوعود بخفض نسبة التضخم وخفض نسبة البطالة، ناهيك بالتدهور الكبير في سعر صرف العملة الإيرانية مقابل العملات الاجنبية. وإذا ما استثنينا بعض المشاكل الاقتصادية التي كانت انعكاساً للمقاطعة الغربية عل? خلفية ملف إيران النووي، فإن الاعتماد عل? الكفاءات الصاعدة واستبعاد الكفاءات التي تمتلك خبرات متراكمة، كانا من المشاكل التي وقع فيها احمدي نجاد، والتي وقفت حائلاً دون نجاح برنامج التصحيح الاقتصادي. ويحرص التيار الاصولي القريب من مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي، ال? استبعاد ما يسمى" تيار الانحراف"الذي ينعت به الفريق المحيط بالرئيس، وتحديداً رئيس مكتبه اسفنديار رحيم مشائي، من المعركة الانتخابية الرئاسية، وهو ما يفتح شهية الآخرين للدخول مبكراً في المنافسة الانتخابية الرئاسية عل? أنقاض التيار الذي أسسه أحمدي نجاد. وعل? الرغم من شهية البعض من شخصيات التيار الاصولي المحافظ لإزاحة الإصلاحيين من المعترك السياسي، يعتقد الكثير من المراقبين أنه من الصعوبة بمكان نجاح هذه الجهود، لان التيار الاصلاحي وإن كان مستبعداً من الحياة السياسية في الوضع الراهن، من الخطأ التصور أن في الإمكان القضاء عل? قوة عاصرت الثورة، وضحّت من اجلها، ووقفت بجانبها، وآمنت بقانونها وقيمها، ولا تزال تعتقد أنها الأجدر والأفضل لقراءة مبادئ زعيم هذه الثورة الإمام الخميني بشكلها الحضاري القويم. ومن خلال المعلومات المتوافرة، فإن الإصلاحيين يبدون مقتنعين بأنهم لا يستطيعون الدخول في الانتخابات الرئاسية من خلال مرشحين واضحين، اولاً لانهم لا يريدون المشاركة في الانتخابات في ظل الاجواء الحالية، التي حُظِرَ فيها العمل السياسي عل? عشرات من الناشطين الاصلاحيين وزُجَّ بآخرين في المعتقلات عل? خلفية احداث عام 2009، ناهيك بحظر احزاب رئيسية اصلاحية من العمل السياسي، وثانياً لأن أي مرشح فاعل سيرفضه مجلس الرقابة الدستورية، عل? خلفية احداث عام 2009 التي سميت"تيار الفتنة". وعل? ذلك، فإن المصادر الإصلاحية تتحدث حالياً عن الاتفاق لدعم مرشح اصولي محافظ يكون أقرب الى الإصلاحيين بالشكل الذي يمكّنهم من العمل بحرية في ولايته، وتهيئة المناخات اللازمة للظهور مجدداً في الساحة السياسية، ومنها إعادة الاعتبار للاحزاب السياسية، والشخصيات المتورطة في احداث عام 2009. وتستبعد المصادر قدرة التيار الإصلاحي عل? خوض الانتخابات الرئاسية، بناءً عل? آلية دخول هذا التيار في الانتخابات البرلمانية التي أجريت بداية العام الحالي. أما التيار الاصولي المحافظ، فإن الرئيس احمدي نجاد نجح ال? حد بعيد في خلق اصطفاف جديد داخله، فقد أوضحت الانتخابات الاشتراعية تشتت هذا التيار، بحيث لم تستطع القيادات التقليدية إقناع الاطراف المتنافسة الدخول بقائمة واحدة موحدة، وانما خاضت الانتخابات بقائمتين اصطفتا بناء عل? موقفيهما من الرئيس احمدي نجاد. ويسود الاعتقاد بأن التركيبة التي دخل بها التيار الاصولي الانتخابات الاشتراعية الاخيرة ستكون هي الحاكمة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، باختلاف المرشحين، حيث توجد عدة شخصيات مرشحة من جانب المعارضين للرئيس احمدي نجاد، كمحمد باقر قاليباف عمدة العاصمة طهران، وعلي لاريجاني رئيس مجلس الشور?، ومحسن رضائي امين مجمع تشخيص مصلحة النظام، اضافة ال? اربعة وزراء خارجية سابقين هم: علي اكبر ولايتي وكمال خرازي ومنوشهر متقي وعلي اكبر صالحي. اما المؤيدون للرئيس احمدي نجاد، فإنهم يتحركون في ظل الغطاء السياسي الذي يوفره لهم العلامة المتشدد آية الله محمد تقي مصباح يزدي، ومن ابرزهم غلام علي حداد عادل رئيس مجلس الشور? السابق، والنائب البارز احمد توكلي، وسعيد جليلي امين مجلس الامن القومي، وكامران باقري لنكراني وزير الصحة السابق. واستناداً الى تعقيدات الساحة الإيرانية، فإنه من الصعب وضع تصور واضح لأجواء الانتخابات الرئاسية، لكن الأكيد ان هذه الانتخابات لن تقل إثارة عن الانتخابات السابقة، وستحمل معها أسباب هذه الإثارة، وقد تكون حبل? بالمفاجآت.