تتوقع منظمة التجارة العالمية أن تتراجع حركة المبادلات التجارية العالمية هذه السنة 9 في المئة مقارنة بما كانت عليه السنة الماضية، لتسجل أكبر نسبة تراجع منذ الحرب العالمية الثانية، تسببت بها أزمة المال والاقتصاد العالمية. وتكون المنظمة في توقعاتها، أكثر تشاؤماً من صندوق النقد الدولي الذي قدّر مطلع السنة تراجع التجارة العالمية 2.8 في المئة، في حين ستتراجع صادرات الدول النامية بين 2 و3 في المئة. وتمثل التوقعات ضربة قاسية للجهود التي تبذلها منظمة التجارة العالمية لإنعاش الاقتصاد الدولي، بعد أن سجلت حركة الصادرات السنة الماضية 15 في المئة ارتفاعاً مقارنة ب2007 بما قيمته 15.8 بليون دولار، بينما سجلت تجارة الخدمات نمواً قدره 11 في المئة عن الفترة ذاتها بقيمة 3.7 بليون دولار. عوامل الهبوط وترى المنظمة في تقرير لها، حول «مستقبل التجارة العالمية»، أن عوامل كثيرة تعزز توقعاتها، منها الانخفاض على الطلب على نطاق أوسع مما قُدِّر في الماضي في كل مناطق العالم وكل المجالات بالتزامن مع تباطؤ الاقتصاد في آن واحد. وثمة عنصر آخر يحتمل أن يساهم في تقلص التجارة وهو نقص التمويل. وترشح منظمة التجارة نفسها كوسيط نزيه، من خلال الجمع بين الأطراف الفاعلة الرئيسة للعمل على ضمان توافر القدرة على تحمل التكاليف والتمويل التجاري. وتعتقد أيضاً، أن إجراءات الحماية الوطنية للاقتصادات المحلية، عنصر إضافي قد يعرقل حركة المبادلات، إذ تحذِّر من أن أي ارتفاع في إجراءات الحماية، يهدد احتمالات الانتعاش ويطيل زمن الانكماش مع احتمال أن يتحول إلى مصدر قلق فترة طويلة. وتفيد المنظمة أن آفاق التجارة العالمية في 2009 ستتأثر بشدة بأزمة المال التي بدأت قبل سنتين تقريباً في الولاياتالمتحدة، وتكثّفت في شكل كبير بعد انهيار سوق الأوراق المالية في نيويورك وبنوك الاستثمار في عواصم المال والأعمال الكبرى، على رغم تدخل الحكومات لإنقاذ مؤسسات مالية. إلا أن تلك الإجراءات لم تحل دون حصول اضطرابات في القطاع المالي وتراجع مؤشرات التداول في أسواق المال العالمية، وانتشار حالات نقص حاد في القروض الائتمانية وانخفاض أسعار الأصول، فأدى انخفاض الطلب إلى تعثُّر الإنتاج وانعكس سلباً على مؤشرات النمو في بلدانٍ كثيرة. وعلى رغم أن الأزمة بدأت في الولاياتالمتحدة، إلا أن تداعياتها طالت المؤسسات المالية والاقتصادية في أنحاء العالم من دون أن تميّز بين دولة نامية وأخرى متقدمة. وأدى تدهور الوضع الاقتصادي إلى غياب ثقة المستهلكين، ما أسفر عن ردود فعل سلبية بين القطاع المالي وبقية قطاعات الاقتصاد. وترى منظمة التجارة أن دفع عجلة الانتعاش الاقتصادي الآن، يعتمد على مدى فعالية الحوافز الضريبية المقترحة وخطط السياسة النقدية وتفعيل ما وصفته بتدابير السياسة العامة لمعالجة الأزمة الاقتصادية بما فيها ضمانات إلى المصارف التي تعتبر مهمة بالنسبة إلى النظام الاقتصادي والمالي. وتؤكد المنظمة أن أزمة المال قد تعطل السير العادي لعمل الأجهزة المصرفية وأداء الشركات وتحرم الأفراد من إمكان الحصول على قروض ائتمان تشتد الحاجة إليها في تلك الظروف مع هبوط أسواق الأسهم والسندات وتراجع القوى الشرائية ما يجعل الأسر تحجم عن شراء السلع المعمرة مثل السيارات لمحاولة إعادة بناء مدخراتها، على رغم انخفاض أسعار السلع الأساسية في دولٍ، كما تتأثر البلدان المصدرة للنفط من عائدات التصدير. ويستند تقرير منظمة التجارة في توقعاته، إلى بيانات حركة التبادل التجاري بين كبار المصدرين، والتي أظهرت انخفاضاً كبيراً في صادرات السلع ووارداتها خلال الشهرين الأولين من هذه السنة. لكن خبراء يرون ضرورة التعامل بحذر مع تلك البيانات لأنها تمثل نتائج المعاملات التجارية خلال أسابيع وإن كان يمكن اعتبارها دليلاً على تباطؤ الحركة الاقتصادية خلال فترة زمنية محددة. في المقابل يرى محللون أن تراجع صادرات الصين في شباط (فبراير) الماضي 26 في المئة مقارنة بما كانت في الشهر ذاته من السنة السابقة، و 28 في المئة مقارنة بكانون الثاني (يناير)، بداية الطريق نحو انهيار كامل لحركة التبادلات التجارية. وكان مدير منظمة التجارة العالمية باسكال لامي حض دول العالم على زيادة المعاملات التجارية لضمان استمرار النمو الاقتصادي ودوران عجلة الاقتصاد للتغلب على الركود والسعي إلى إنهاء جولة الدوحة لتحرير التجارة العالمية، وعدم اللجوء إلى إجراءات الحماية، ويعتقد لامي أن جولة الدوحة حققت 80 في المئة من أهدافها ولم يتبقَّ سوى خطوات قليلة لاختتامها. وترى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في تقرير أصدرته قبل أسبوعين، أن الأزمة يمكن أن تشكّل فرصة جيدة لإنعاش كل أنواع المبادلات التجارية، لكن اقتراح باسكال لامي بالتعجيل في إنهاء جولة الدوحة قد يؤدي إلى تبعات غير مقبولة، لاسيما أن أحد بنود الاتفاق ينص على حق الدول في اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية اقتصادها وقت الأزمات، ما يتعارض مع التحذير من أخطار إجراءات الحماية الاقتصادية. أما اقتراح منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فتنقصه تسهيلات التمويل التي تحجم عنها كل الأطراف بما فيها الحكومات، لعدم وجود ضمانات كافية للتسديد. وتبقى بارقة الأمل الوحيدة في ما قد تتمخض عنه مفاوضات قمة العشرين المزمع عقدها في لندن مطلع الشهر المقبل، لاسيما ما يتعلق في كيفية إنقاذ الدول النامية من براثن الأزمة التي تنهش اقتصاد العالم بلا هوادة.