إن شعبية الهاتف المحمول الخليوي آخذة في التصاعد في أوساط الصغار وأولئك الذين على عتبة أبواب المراهقة، وتشير إحصائية في إنكلترا الى أن 90 في المئة من الأشخاص دون سن السادسة عشرة يقتنون هواتف نقالة، في مقابل 40 في المئة من طلاب المدارس الإبتدائية. وكشف بحث أجري حديثاً أن طفلاً من بين كل خمسة أطفال في سن الخامسة يملك محمولاً، وأن هذا الرقم آخذ في الزيادة سنة تلو أخرى. لا شك في أن الهاتف المحمول قدم إلينا خدمات لا يستهان بها خصوصاً على صعيد الحياة اليومية، ولكن بعد أن سحر هذا الجهاز عقول الكبار، ها هو اليوم يفتن الصغار الذين يحاولون المستحيل لاقتنائه، والمضحك المبكي في الأمر أن الأهل باتوا يتسابقون في الأعياد والمناسبات في جلب هذه الأجهزة الى فلذات أكبادهم ضاربين عرض الحائط ما يمكن أن تحمل معها من مضاعفات صحية قد تكون بالغة الخطورة. رُبّ سائل يقول، الى أين المصير؟ إذا استعرضنا رأي باحثين ضالعين في الموضوع، فإن الجواب على السؤال هو بؤس المصير... منذ شهور قليلة، وجه 20 عالماً عبر صحيفة"لو جورنال دو ديمانش"الفرنسية نداء حذروا فيه من المخاطر التي يشكلها الهاتف المحمول، خصوصاً على الأطفال دون سن الثانية عشرة، ودعوا الى عدم السماح للأطفال دون هذه السن باستخدامه، لأن هناك حججاً علمية مثيرة للقلق، من هنا جاء تحركهم لعمل شيء ما قبل فوات الأوان. صحيح انه حتى الآن لم تتوافر الدراسات التي تدين في شكل قاطع الهاتف المحمول، ولكن لم تنشر في الوقت عينه دراسات تؤكد براءة هذه التقنية الحديثة العهد على الأطفال. في عالم الدواء هناك دراسات تتم على مراحل قبل إعطاء الإذن في استعمال العقار من قبل الناس، ولكن في عالم المحمول لم تتم مثل هذه الدراسات لنفي وجود آثار سلبية على الصغار، فتصوروا لو وجدت فعلاً هذه الآثار، فهذا يعني أن الأطفال سيكونون الأكثر تضرراً من هذه التكنولوجيا التي فُرضت عليهم فرضاً إذا صحّ التعبير. والمحزن في الموضوع أن صانعي المحمول ومروجيه باتوا في السنوات الأخيرة يستهدفون عالم الأطفال خصوصاً على صعيد نغمات رنين الهاتف، وهذا التصرّف وصفه أحد الباحثين بالعمل غير الأخلاقي. في كل الأحوال هناك مؤشرات تدعو الى القلق وتثير الشكوك في شأن استعمال تقنية المحمول من قبل جيل الصغار. وفي هذا الإطار يقول البروفسور دومينيك بيلبوم من مستشفى نيكر الباريسي للأطفال:"المعطيات العلمية التي في حوزتنا الآن ترجّح وجود خطر حقيقي وجدي عند بعض مستخدمي الهاتف المحمول، فعلى السلطات الصحية ان تتخذ تدابير فورية للحد من تعرض الأطفال الى الموجات الكهرومغناطيسية، التي يمكنها ان تولد اضطرابات خطرة على شبكتهم العصبية التي هي في مرحلة النمو والتطور. وهذا من شأنه ان يدفع الى ظهور بعض سرطانات دماغية". وفي الإطار ذاته الذي تكلّم عنه البروفسور الفرنسي، أشار زميله لينارت هارديل من مستشفى جامعة أوريبو السويدية، الى أن"الذين يبدأون استعمال الهاتف النقال قبل سن العشرين من العمر يزداد خطر إصابتهم بالغليوما نوع من سرطان المخ بنسبة خمسة أضعاف". ويقول باحثون سويديون ان الأطفال دون ال16 سنة الذين يستخدمون الهاتف المحمول، هم أكثر عرضة للإصابة بالأورام الدماغية من أقرانهم الذين لا يستعملونها، لأن أدمغتهم وأجهزتهم العصبية لم تكتمل بعد، موضحين ان الموجات الإشعاعية تخترق جماجمهم القليلة السماكة وتصل الى العمق بسبب صغر رؤوسهم. وأفادت أبحاث ان إشعاعات الهاتف المحمول التي تخترق رأس الطفل تُحدث خللاً في خلايا المخ مسببة ضعفاً في بنيانه، فضلاً عن الصداع ومشاكل في الإبصار، ناهيكم عن قلة الاستيعاب وصعوبات في الاستذكار، والى تراجع في الدراسة والمدرسة. ان عقول الأطفال التي لم تنضج بعد تتأثر في شكل أكبر من عقول البالغين لموجات التردد المنبعثة من الهاتف المحمول. ففي دراسة اسبانية تمكن باحثون من مركز الأبحاث العصبي في ماربيلا من التقاط صور لكيفية تفاعل المخ لصبي في الحادية عشرة ولفتاة في الثالثة عشرة، أثناء استخدامهما للهاتف المحمول، وعند مقارنة النتائج مع نتائج بحثية على البالغين، لاحظ العلماء ان نشاط المخ عند الطفل تراجع في شكل واضح خصوصاً في الجانب الذي وضع عليه المحمول، وذلك في دقائق قليلة من بدء المكالمة. وأوضح البحث أيضاً ان قطاعات كبيرة من المخ عند الطفل يكون نشاطها أقل من الطبيعي خلال 50 دقيقة من انتهاء المكالمة التلفونية، ما يشير الى انه ليست النشاطات الكهربائية للدماغ هي التي تتأثر فقط بل نشاطاته الكيماوية الحيوية أيضاً. وفي دراسة دنماركية أشرفت عليها الدكتورة ليكا خيفيتس، وشملت أكثر من 13 ألف طفل وأمهاتهم منذ المراحل الأولى للحمل وحتى سن السابعة، وطُلب من الأمهات استكمال بيانات معينة حول سلوكيات أطفالهم واستعمال الهاتف المحمول من قبل الأم أثناء الحمل وبعده واستعمال المحمول من قبل الطفل، وبعد قراءة النتائج عن كثب، واتضح ان الأطفال الذين استعملت أمهاتهم الهاتف النقال كثيراً خلال الحمل والذين استعملوا هم أنفسهم المحمول كانوا الأكثر عرضة للمشاكل السلوكية. هناك أمران لا بدّ من أخذهما في الاعتبار حول استعمال الهاتف المحمول من قبل الصغار هما: - إن أنسجة الصغار قد تكون أكثر حساسية من أنسجة الكبار تجاه موجات التردد الكهرومغناطيسية المنبعثة من الهاتف المحمول، وهذا ما يجعلهم أكثر عرضة لأخطار الهاتف المحمول كونهم في طور النمو والتطور، أي أن أعضاءهم لم تكتمل بعد. - إن استخدام الهاتف المحمول في عمر مبكر مقارنة مع البالغين من شأنه ان يؤدي الى تعرض أجسامهم لفترات أطول لمجال موجات التردد. باختصار، إن الهاتف المحمول تكنولوجيا جديدة نوعاً ما لم تتضح بعد معالم خيرها من شرها على الأطفال. وعلى الأهل الذين يفكرون في شراء محمول لطفلهم، الذي لم يتخط مرحلة النمو والتطور، ان يتريثوا الى ان يكتمل نموه. أما إذا كان الطفل يملك جهازاً، لا بدّ من اتخاذ خطوات احترازية للحيلولة دون وقوع المحظور. وما يمكن فعله في هذا المجال للتقليل من المخاطر: - استعمال الهاتف المحمول في شكل عقلاني، والأفضل الاستعانة به عند الضرورة القصوى فقط وفي أقل وقت ممكن. - وضع الهاتف على بعد أكثر من متر من الجسم لحظة القيام بالمهاتفة والاستعانة بالسماعات أو بمكبر الصوت. - عدم حمل الهاتف على الجسم. وفي حال حمله يجب إبعاده عن المناطق الحساسة كالدماغ والأعضاء التناسلية والجنسية. - استخدام الرسائل القصيرة عوضاً عن المهاتفة المباشرة فهذا من شأنه ان يقلل من فترة التعرض للإشعاعات الكهرومغناطيسية. - تفادي الاتصال عندما تكون الشبكة ضعيفة. وإذا كانت السلطات الصحية غافلة عن خطر استعمال الهاتف المحمول على الصغار، فعلى الأهل ألا يغفلوا عن هذا الموضوع الحساس للغاية. وإذا كان البعض يتستر على هذا التغافل بحجة ان الهاتف المحمول يؤمّن التواصل مع الطفل، فحري بهم التحرّك قبل فوات الأوان، فيتواصلوا معه لمنعه من استعمال الهاتف المحمول قبل ظهور مضاعفات صحية خطرة تخلق شرخاً عميقاً في هذا التواصل، وصدق المثل القائل: درهم وقاية خير من قنطار علاج. نشر في العدد: 16715 ت.م: 2009-01-08 ص: 32 ط: الرياض