خفّت حدة القصف الجوي نسبياً أمس في اليوم الثاني للعملية البرية، والعاشر للحرب على قطاع غزة، فيما ازدادت كثافة القصف المدفعي، الذي أباد عائلات بأكملها في جريمة حرب جديدة مكتملة الأركان. ووصلت النيران الإسرائيلية إلى قلب مدينة غزة للمرة الأولى منذ بدء العدوان. وفي اليوم الثاني للعملية البرية، لجأت قوات الاحتلال الى تنفيذ عمليات"إعدام"ميدانية، إذ أعدمت المواطن عطية السموني 45 عاماً بدم بارد أمام عدد من أفراد عائلته في حي الزيتون جنوب مدينة غزة التي احتلتها أثناء هذه العملية، حسبما قال أحدد أبنائه ل"الحياة". وبدا أن دور طائرات"اف 16"اقتصر أمس على قصف المنازل بلا هوادة، إذ قصفت عدداً منها، بينها منزل عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جميل مزهر في مخيم النصيرات للاجئين في وسط القطاع من دون سابق إنذار، فدمرته. وبعد عشرة أيام من القصف المتواصل، وجراء انقطاع التيار الكهربائي عن كثير من المناطق منذ بدء العدوان، استفحلت الأزمة الانسانية الشريط الساحلي الصغير في القطاع الذي لا تتجاوز مساحته 360 كيلومتراً مربعاً يعيش فيها مليون ونصف المليون فلسطيني، أكثر من 70 في المئة منهم من اللاجئين الفقراء تبقيهم على قيد الحياة مساعدات غذائية تقدمها لهم دورياً وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين"اونروا". ونفد من القطاع الوقود والخبز والدواء والمياه التي لم تعد تصل إلى نحو ثلثي سكان القطاع، فيما واجه القطاع الصحي أزمة خطيرة في الأدوية تمثلت في نفاد أكثر من 100 صنف منها، واستنزاف كميات ضخمة من المواد والمهمات الطبية اللازمة لإسعاف آلاف الجرحى والمصابين. ومع استمرار القصف، استشهد أمس أكثر من 25 فلسطينياً وأصيب عشرات بجروح، في وقت واصلت الأجنحة المسلحة لفصائل المقاومة الفلسطينية إطلاق مزيد من الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية المحاذية للقطاع وتلك البعيدة عنه. وحطمت"كتائب القسام"أمس"رقماً قياسياً"جديداً في إيصال الصواريخ إلى مدى جديد، إذ أطلقت صاروخاً ضرب منطقة تقع إلى الشمال من مدينة اسدود، أي الى مسافة أبعد من 40 كيلومتراً. واللافت أمس أن القوات الراجلة الاسرائيلية بدت أكثر فظاعة في القتل، إذ قال شاهد ل"الحياة"من بلدة بيت لاهيا شمال القطاع الواقعة تحت الاحتلال بعد فراره من المنطقة، إن قوات الاحتلال تأمر المواطنين بمغادرة المناطق المحتلة، ومن لا يفعل تقتله بدم بارد. وروى الشاهد الذي رفض ذكر اسمه أنه شاهد قبل هربه من منطقة سكنه جنود الاحتلال يدفنون أربعة مواطنين أحياء في حفرة، ثم ردموها، ووضعوا فوق التراب سيارة مدنية فلسطينية مدمرة من القصف. وازداد القصف المدفعي الإسرائيلي ضراوةً ضد المدنيين الذين مثلوا غالبية شهداء اليوم العاشر من العدوان، فيما لم تستثن القذائف بيوت العزاء التي استشهد أربعة في استهداف أحدها في مخيم جباليا للاجئين. وأدى القصف الى قتل عدد من أفراد عائلتين، غالبيتهم من الأطفال والنساء، واحدة في حي الزيتون، والثانية في مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة. ووقعت واحدة من أبشع المجازر في عدد من منازل عائلة السموني في حي الزيتون التي وصل إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة جثامين سبعة شهداء منها، بينهم أربعة أطفال. وقال أفراد من العائلة تمكنوا من الفرار إن هناك مزيداً من الشهداء والجرحى في أحد المنازل الذي تعرض للقصف بعد تجميع المواطنين في أحد المنازل. وقال جلال أحمد السموني أثناء وجوده في مستشفى الشفاء إن هناك ما لا يقل عن 20 من أبناء العائلة في المنزل الذي تعرض للقصف، معرباً عن خشيته من أن يكون من بينهم كثير من الشهداء. وفي الحي نفسه، أطلقت قوات الاحتلال النيران على منازل السكان، فاستشهدت طفلة من عائلة الحلو تبلغ من العمر خمسة أعوام، كما استشهد جدها، فيما أصيبت والدتها بجروح خطيرة، ونقلوا جميعا إلى مستشفى الشفاء. وأعلنت مصادر طبية فلسطينية استشهاد أربعة مواطنين، واصابة40 بجروح، في قصف على بيت عزاء المسعف الفلسطيني عرفة عبدالدايم الذي استشهد أول من أمس في بلدة بيت حانون شمال القطاع أثناء محاولته تقديم المساعدة إلى عدد من الجرحى. وفي وقت سابق، استشهد سبعة من عائلة ابو عيشة شمال مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة. وأكدت المصادر الطبية في مستشفى الشفاء أن الشهداء هم أب وأم وخمسة من أطفالهم سقطوا عندما تعرض منزلهم لقذيفة اطلقتها الزوارق الحربية، أدت إلى تدمير المنزل فوق رؤوسهم. وسبق ذلك قصف مبنى اتحاد لجان الرعاية الصحية بالقرب من مستشفى الشفاء غرب مدينة غزة، ما اسفر عن تدمير المبنى بالكامل واربع سيارات اسعاف، وعدد من العيادات المتنقلة التي كانت تستخدم كمستشفيات ميدانية لإغاثة ضحايا القصف الإسرائيلي. وأكدت مصادر في الاتحاد أنه لم يتم إنذار العاملين في المبنى قبل القصف. وقصفت أربعة منازل أخرى لكوادر في"كتائب القسام"الذراع العسكرية لحركة"حماس"، وجامعة الأمة للعلوم الشرطية في حي النصر. وارتفع عدد شهداء العملية البرية أمس إلى نحو 90 شهيداً، بينهم 30 طفلاً، و20 امرأة، ومنذ بداية العدوان إلى 540 شهيداً، واكثر من 2500 جريح. وأطل أمس القيادي البارز في حركة"حماس"الدكتور محمود الزهار، مؤكداً أن الحركة ستحقق"النصر"على إسرائيل. وقال في كلمة بثتها فضائية"الاقصى"التابعة للحركة في أول ظهور له منذ بدأت اسرائيل هجومها على القطاع في 27 كانون الاول ديسمبر الماضي:"النصر آت... بإذن الله". وطالب بفتح معبر رفح وكل المعابر الفلسطينية، ورفع الحصار عن غزة، مؤكداً أن"خيار المقاومة سينتصر على الصهاينة". وانتقد الموقف الاوروبي من العدوان، وهاجم الموقف الأميركي المساند لإسرائيل، ووصف موقف الاممالمتحدة بأنه"خاطئ". وقال إن"الشعوب ترفض مواقف الحكام وتخرج للتضامن مع غزة". وأكد"وحدة برنامج المقاومة ووحدة الشعب الفلسطيني"، محذراً من وصفهم ب"العملاء والخونة"من العبث بأمن الشعب الفلسطيني. وأشار إلى اسرائيل وقادتها قائلاً:"إنهم شرّعوا قتل أطفالهم عندما قتلوا اطفالنا، وشرّعوا في قصف مستشفياتهم عندما قصفوا مستشفياتنا، وشرّعوا في هدم كنسهم عندما هدموا مساجدنا... لقد شرّعتم كل وسائل زوالكم بأيديكم". وتوعدت"كتائب القسام بتوسيع دائرة المناطق التي تتعرض للصواريخ. وخاطب الناطق باسم كتائب القسام"أبو عبيدة"في بيان بثته فضائية"الاقصى"الإسرائيليين، قائلاً:"نعدكم بأن المدن والمواقع الاستراتيجية التي دخلت في دائرة القصف ستظل وسندخل غيرها". وأكد أنه"ما دام العدوان يطاول مليوناً ونصف المليون في قطاع غزة، قررنا إدخال أضعاف هذا العدد في مرمى صواريخنا .. بنك الأهداف لدى حماس فيه الكثير من الخيارات". وتوعد بأسر"مزيد من الجنود"الإسرائيليين، متوجها إلى هؤلاء بقوله:"زميلكم غلعاد شاليت مشتاق إليكم، ووعدناه بالإتيان له بعدد من رفاقه المخلصين". ونفى أن تكون الضربات والغارات الاسرائيلية أضعفت القوة الصاروخية للحركة، مؤكداً أن"كتائبنا بخير وهي قادرة على الاستمرار لأشهر طويلة بإطلاق صواريخها وفي شكل مكثف". واتهم اسرائيل"بالتغطية على خسائرها خلال الهجوم البري". وقال إن"كتائب القسام تمكنت من تدمير دبابة بقذيفة من نوع بي 29، وتدمير ناقلة جند بقذيفة فانتوم التي تستخدم للمرة الأولى"، مشيراً إلى"تحقيق مفاجأة للقوات الاسرائيلية مع بداية دخولها الى القطاع بتفجير العبوات الناسفة ووقوع عشرات القتلى والجرحى الذين تكتمت عليهم اسرائيل". وتوعد إسرائيل بهزيمة، قائلاً إن"آلاف المقاتلين في كل شارع وزقاق وتحت كل بيت ينتظرون لحظة اللقاء كي يستقبلونهم بالنار والحديد ويذيقونهم الموت الزؤام". وفي السياق نفسه، ذكرت الاذاعة العبرية الرسمية ان مقاومين فلسطينيين حاولوا امس خطف جندي اسرائيلي في المواجهات الدائرة في حي الزيتون جنوب مدينة غزة. ودارت معركة عنيفة مع مقاومين فلسطينيين حاولوا خطف احد الجنود وسحبه إلى داخل نفق، لكن قوات الاحتلال أفشلت المحاولة. واعترفت إسرائيل بارتفاع عدد الجرحى من الجنود في القطاع منذ الاجتياح البري مساء السبت الماضي إلى 55 جريحاً، بينهم اربعة في حال خطيرة. وذكرت صحيفة"هآرتس"العبرية على موقعها الالكتروني أمس أن اليوم الثاني من الاجتياح كان الأكثر دموية بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلي، وشهد جرح أكثر من أربعين جندياً فضلا عن مقتل جندي آخر. ودارت مواجهات على طول خطوط التماس مع المناطق المحتلة في مدينة غزة، وشمالها، خصوصاً في حي الزيتون. واستمرت فصائل المقاومة الفلسطينية أمس في إطلاق الصواريخ من قطاع غزة بالمعدلات نفسها التي كانت تطلقها في الأيام الأولى للعدوان، ما يؤكد أن العمليات البرية غير قادرة على الحد من قدرتها على إطلاق الصواريخ. وأشارت تقارير إسرائيلية إلى أنه تم إطلاق أكثر من 25 صاروخاً حتى منتصف نهار أمس، من قطاع غزة في اتجاه البلدات والمستوطنات الإسرائيلية في الجنوب. وأكدت مصادر إسرائيلية أن صاروخين أطلقا ظهراً في اتجاه مدينة عسقلان سقط أحدهما في منطقة مفتوحة، في حين أصاب الثاني أحد المخازن، ما أدى إلى وقوع تسع إصابات، بالإضافة إلى عدد من حالات الهلع. وفي وقت سابق أطلق صاروخان في اتجاه عسقلان ادعت المصادر الإسرائيلية أنهما سقطا في مناطق مفتوحة، وآخران في اتجاه مدينة بئر السبع شرق القطاع. وأعلنت كتائب القسام أنها أطلقت صاروخ"غراد"على القاعدة الجوية الإسرائيلية"هتسور"للمرة الثانية، إضافة الى ثلاثة صواريخ"قسام"على موقع"ناحال عوز"شرق مدينة غزة. وقالت إنها"فجرت ثلاث عبوات ناسفة في وحدات إسرائيلية خاصة على جبل الكاشف شرق مخيم جباليا للاجئين شمال القطاع، وقصفت تجمعاً للآليات الإسرائيلية شمال غربي بلدة بيت لاهيا بقذائف هاون"، إضافة إلى"قنص ثلاثة جنود في بيت لاهيا، وإطلاق قذيفة أر بي جي على ناقلة جند على جبل الريس شرق حي التفاح شرق مدينة غزة". الى ذلك، أصدر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة أوتشا أمس تقريراً عن الأزمة الإنسانية في غزة، حتى أول من أمس. وقال إن"الاجتياح العسكري يفاقم من الأزمة الإنسانية"، مشيراً إلى"مخاطر متزايدة تجاه المدنيين بسبب القتال في المناطق المدنية المكتظة بالسكان، وما تزال المستشفيات تعاني من أعباء تفوق قدراتها بسبب الأعداد الكبيرة من الإصابات التي تراكمت منذ بدء الهجمات الإسرائيلية، وتواجه مركبات الإسعاف والطواقم الطبية مصاعب في الوصول إلى الجرحى والمصابين، وتوقفت عمليات توفير الكهرباء والاتصالات في معظم أنحاء القطاع، وتم تعليق عمليات توزيع الغذاء وأغلقت كل المعابر". نشر في العدد: 16713 ت.م: 06-01-2009 ص: 10 ط: الرياض