تتحرّك السلطات في منطقة الخليج لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، على مختلف الجبهات، بدءاً من إصدار قوانين صارمة، ومروراً بتعقب حسابات وودائع واستثمارات الشركات وتجميدها، وانتهاء بإدراج تقنيات حديثة في المصارف لرصد أي تجاوزات في المستقبل. وأكد محافظ الإمارات المركزي سلطان بن ناصر السويدي في مؤتمر صحافي عقد في دبي أمس، ان دول الخليج خصوصاً والمنطقة العربية عموماً،"تبذل جهداً كبيراً لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب من خلال وحدات استعلام مالية موجودة في مختلف دول المنطقة مرتبطة ببعضها بنظم اتصالات إلكترونية وخبراء". وأشار في الاجتماع الثاني للجنة الوطنية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، الى ان الإمارات"تمكنت في السنوات الماضية من تلبية 80 في المئة من المتطلبات العالمية لمكافحة الظاهرة المنتشرة في أنحاء العالم"، اما نسبة ال 20 في المئة المتبقية ف"صعب تنفيذها لأنها تتعلق بتغيير المجرمين أساليب تبييض أموالهم". ويُقدر حجم عمليات تبييض الأموال على مستوى العالم بنحو 5.1 تريليون دولار سنوياً، ينتج 50 في المئة منها من تجارة المخدرات، وتتوزع البقية بين تجارة الأسلحة والدعارة وغيرها من الجرائم، في حين تستطيع الحكومات رصد 40 الى 50 في المئة فقط من هذه العمليات ومكافحتها". وأعلن السويدي ان"تبييض الأموال تستورده دول المنطقة من الغرب، خصوصاً الولاياتالمتحدة وأوروبا، وهما تُعتبران مراكز للمخدرات التي تتمركز حيث الرخاء الاقتصادي". ولم تكتف المنطقة بذلك، بل مدت دولة مثل الامارات يدها، خلال اجتماعات"الدوليين"في دبي في ايلول سبتمبر الماضي، عارضة على الدول النامية التي تعد مصدراً للأموال القذرة، مساعدتها في سن قوانين رادعة تتعلق بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب. واعترف صندوق النقد الدولي في تقرير صدر في نيسان أبريل الماضي، بجهود الإمارات في مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال، غير انه لفت الى ضرورة تحديث نظمها وتشريعاتها لتتلاءم مع النظم العالمية الخاصة بمكافحة هذه الظاهرة. وأشار السويدي الى أن وحدة مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب"درست في اجتماعها أمس سبل تطبيق المتطلبات الدولية في هذا الشأن". لكنه أوضح أن"أساليب تبييض الأموال متجددة باستمرار، ونحاول دائماً تطوير انظمتنا لتتناسب مع الطرق الجديدة التي يستخدمها مبيّضو الأموال". ومنذ احداث ايلول في الولاياتالمتحدة عام 2001، أصدرت الإمارات قانوناً صارماً يجرّم هذه العمليات، وأعلنت قرارات طلبت بموجبها من المصارف والمنشآت المالية الأخرى إجراء عملية بحث عن اي حسابات او ودائع او استثمارات بأسماء قادة"ارهابيين"او منظمات"ارهابية"، او الذين ساعدوا الإرهابيين والأسماء المبلّغ عنها لديه من مجلس الأمن الدولي وتجميدها. واعتبر السويدي أن الإمارات"أفضل من دول صناعية كبرى في مجال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وهي الوحيدة في العالم التي نظمت عمليات"الحوالة". ولفت الى أنها"حققت نتائج ممتازة في تجفيف منابع تبييض الأموال من طريق الأساليب المباشرة المتعلقة بتحويل الأموال الى المصارف، وتبييض الأموال بواسطة شراء العقار والأموال التي تُهرّب من خلال منافذ برية وبحرية، كذلك تمكنت من تجفيفه في القطاعات الاقتصادية الأخرى، مثل تجارة الذهب والمجوهرات". وعلى رغم أن نسبة عمليات تبييض الأموال في المنطقة العربية لا تزيد على واحد في المئة من الحجم الإجمالي للأموال التي تبيض حول العالم سنوياً، فان السويدي أكد، ان دول المنطقة"بذلت جهوداً لتبني إجراءات وتطبيقها لمنع استخدام النظام المالي من قبل المجرمين"، وحصلت على عضوية"فريق العمليات المالية لمكافحة تبييض الأموال"Financial Action Task Force, FATF، وهي هيئة دولية أُنشئت عام 1989 بهدف تطوير السياسات الوطنية والدولية وتعزيزها لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. يشار الى ان الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، هي أعضاء في"فريق عمليات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمكافحة غسل الأموال"MENAFATF، وهي منظمة إقليمية تعمل بأسلوب FATF تأسست عام 2004 ومقرها البحرين. واتخذ بعض دول الخليج الأخرى إجراءات مشابهة، مثل البحرين التي اصدرت تشريعاً لمكافحة تبييض الأموال عام 2006 من خلال القانون التشريعي الرقم 58، ليشمل علاقة هذه النشاطات بالإرهاب. أما في قطر فأصدر أميرها التشريع الخاص بمكافحة تبييض الأموال في أيلول 2002، وأصدرت الحكومة في شباط فبراير 2004 قانون مكافحة الإرهاب. كما أن كلاً من وحدتي الاستخبارات المالية في قطروالبحرين تنتمي إلى عضوية مجموعة Egmont. واقرت الحكومة السعودية قانوناً لمكافحة تبييض الأموال، لتضييق الخناق على الدعم المحلي للمتشددين، ويقضي بان تتحقق المؤسسات المالية من هوية الراغب في تنفيذ صفقة نقدية او تجارية، وان تحتفظ بسجلات عملياتها لمدة عشر سنوات. اما الكويت فوضعت ضوابط واتخذت إجراءات ضد الجمعيات غير الملتزمة قرارات تنظيم العمل الخيري، وأخضعت عملية جمع الأموال من جانب هذه الجمعيات للترخيص المسبق من وزارة الشؤون الاجتماعية، حتى لا تستغل التبرعات في عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، بحسب أحد المصادر. وتتعاون المصارف المركزية الخليجية مع بعضها البعض، عبر عدد من مذكرات التفاهم، إضافة إلى طرق أخرى كمعاهدات التعاون القانوني المتبادل وغيرها.