تتحرك السلطات في منطقة الخليج لمواجهة عمليات تبييض الأموال، بعد تحولها الى مركز لحركة الأموال في ظل توافر السيولة المتراكمة لديها، بفعل الارتفاع القياسي لأسعار النفط في السنوات الثلاث الماضية. ويقدر حجم عمليات تبييض الأموال على مستوى العالم بنحو 5.1 تريليون دولار سنوياً، ينتج 50 في المئة منها عن تجارة المخدرات، وتوزع البقية بين تجارة الأسلحة والدعارة وغيرها من الجرائم، في حين تستطيع الحكومات رصد ما نسبته 40 الى 50 في المئة فقط من هذه العمليات ومكافحته. نسبة متدنية وعلى رغم أن نسبة عمليات تبييض الأموال في المنطقة العربية لا تزيد على واحد في المئة من حجم الأموال الإجمالي الذي يُبيض حول العالم سنوياً، فإن رئيس مجموعة مراجعة التدقيق والالتزام في بنك"المشرق"الإماراتي نايجل مورغان أكد في حديث الى"الحياة"، ان دول المنطقة"بذلت جهوداً لتبنّي إجراءات وتطبيقها لمنع المجرمين من استخدام النظام المالي"، وحصلت على عضوية"فريق العمليات المالية لمكافحة تبييض الأموال"وهي هيئة دولية أُنشئت عام 1989 بهدف تطوير السياسات الوطنية والدولية وتعزيزها لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. يشار الى أن فريق"اف آي تي اف"أصدر"أربعين توصية"لتعزيز جهود مكافحة غسل الأموال، وصُممت هذه التوصيات لتطبيقها على المستوى الدولي. وبعد هجمات 11 أيلول سبتمبر 2001 في الولاياتالمتحدة، أضافت 9 توصيات خاصة بمكافحة تمويل الإرهاب. وتبنت هذه التوصيات وصادقت عليها هيئات دولية عدة. وأشار مورغان الى أن الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي منضمة أيضاً الى"فريق عمليات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمكافحة تبييض الأموال"MENAFATF، وهي إقليمية تعمل بأسلوب"اف آي تي إف"، تأسست في 2004 ومقرها البحرين، وذلك"انطلاقاً من إيمان دول المنطقة بعدم إمكان مواجهة هذه التهديدات، إلا من طريق التعاون بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وإنشاء نظام فاعل تحتاج إليه البلاد، وتطبقه بحسب قيمها الثقافية الخاصة والأطر التنظيمية لعملها، وأنظمتها القانونية". وفضلاً عن المصادقة على اتفاقات الأممالمتحدة المتعددة في هذا المجال، أشار نايجل الى أن دول مجلس التعاون الخليجي"سنّت تشريعات خاصة في هذا المجال، وطوّرت المصارف المركزية المعنية بالموضوع، إجراءات وإرشادات عملية لتطبيقها ضمن نطاق صلاحياتها". وتحرص الإمارات على ضمان ألا تجد الأموال الناتجة من نشاطات غير قانونية، بغض النظر عن مكان ارتكابها، طريقها إلى النظام المالي للدولة. ووضعت الدولة إطار عمل شامل يتضمن قوانين وإجراءات وتشريعات لمكافحة تبييض الأموال وعمليات تمويل الإرهاب. وتفرض قوانينها عقوبات صارمة على هذه النشاطات. واتخذ مصرف الإمارات المركزي إجراءات لمشاركة المجتمع الدولي في جهود مكافحة تبييض الأموال. كما أسس"وحدة الحالات المشبوهة ومكافحة تبييض الأموال". ولفت مورغان الى ان دولاً أخرى أعضاء في مجلس التعاون الخليجي اتخذت إجراءات مشابهة، مثل البحرين التي أصدرت تشريعاً لمكافحة تبييض الأموال عام 2006 من خلال القانون التشريعي الرقم 58، ليشمل علاقة هذه النشاطات بالإرهاب. وفي قطر أصدر أمير الدولة تشريعاً خاصاً بمكافحة تبييض الأموال في 2002، وأصدرت حكومة قطر في 2004 قانون مكافحة الإرهاب. وتنتمي كل من وحدتي الاستخبارات المالية في قطروالبحرين إلى عضوية مجموعة Egmont. كما أقرّت الحكومة السعودية قانوناً لمكافحة تبييض الأموال، لتضييق الخناق على الدعم المحلي للمتشددين، ويقضي بأن تتحقق المؤسسات المالية من هوية الراغب في تنفيذ صفقة نقدية او تجارية، وان تحتفظ بسجلات عملياتها مدة عشر سنوات. كما تعد المملكة الآن استراتيجية وطنية لمكافحة المخدرات وصوغ تشريعات بهذا الشأن. عقوبات مشددة وكان مجلس الشورى قبل صدور القانون الجديد وضع عقوبات مشددة لمرتكبي جرائم تبييض الأموال من خلال مؤسسات خيرية او إصلاحية، او القيام بذلك عبر عصابات منظمة، او في حال استخدام العنف او الأسلحة، او تبييض الأموال بعد التغرير بالآخرين او القصر، وكذلك للأفراد الذين يستغلون شغلهم والوظائف العامة لتنفيذ جرائم تبييض أموال، محدداً عقوبات لهذه الفئات تصل الى السجن 15 عاماً، وغرامات تصل الى 7 ملايين ريال 1.8 مليون دولار. فيما وضعت الكويت ضوابط واتخذت إجراءات ضد الجمعيات غير الملتزمة قرارات تنظيم العمل الخيري، وأخضعت عملية جمع الأموال من قبل هذه الجمعيات للترخيص المسبق من وزارة الشؤون الاجتماعية، حتى لا تستغل التبرعات في عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بحسب أحد المصادر. وتتعاون المصارف المركزية الخليجية مع بعضها عبر عدد من مذكرات التفاهم، إضافة إلى طرق أخرى كمعاهدات التعاون القانوني المتبادل، وغيرها. وأكد مورغان ان المؤسسات المالية العاملة في منطقة الخليج"تتحقق من هوية الزبائن وتوثقها، وتطبق إجراءات التعرف إلى الزبائن لتكوين سجل حول مصدر الدخل أو الثروة المشروعة لمالكي الحساب المستفيدين منه والتأكيد على تحديثه باستمرار". كما تحتفظ المؤسسات المالية في المنطقة بالسجلات بحسب متطلبات القانون خمس سنوات على الأقل بعد تاريخ إغلاق الحساب، وقد تختلف هذه المدة من بلد الى آخر، وتراقب نشاطات الزبائن عبر التدقيق الشامل في البيانات والتعاملات، وبحسب لوائح المراقبة التشريعية، فضلاً عن مراقبة التعاملات لكشف عمليات تبييض الأموال المحتملة، ومتابعة الدفعات، لكشف عمليات تمويل الإرهاب، ولضمان توافقها مع القوانين المطبقة. ولفت الى ان المصارف العاملة في منطقة الخليج"تدرّب الموظفين لضمان رفع مستوى الحيطة في المؤسسة. ويطلب من الموظفين الذين يشكون في أي عملية مشبوهة إبلاغ"المسؤول عن تقارير تبييض الأموال"، الذي يحقق بدوره في الموضوع وينظم في حال الضرورة"تقريراً بالعملية المشبوهة"أو"تقريراً بالفاعلية المشبوهة"ويحفظ لدى وحدة الاستخبارات المالية". واعتبر ان ظاهرة تبييض الأموال"عالمية"، ويُنفذ"معظم العمليات من خلال المراكز المالية الموثوقة والتقليدية في الغرب كتلك الموجودة في نيويورك ولندن وغيرها. لكن الاقتصاد الإقليمي يصبح معرضاً في شكل متزايد لهذه الجرائم التي لا حدود جغرافية لها". ورجح احتمال أن"تُستغل الاقتصادات النامية التي تعمل كمراكز تجارية للمنطقة، في عمليات تبييض الأموال، بسبب تزايد عملياته القائمة على واجهة تجارية".