يحلّ "الألم العربي" على مدى خمسة شهور متتالية ضيفاً على "دارة الفنون" مؤسسة خالد شومان الثقافية في عمّان. وانقضت منها حتى الآن ثلاثة شهور خُصّصت لأعمال لبنانية تحكي قصة الحرب الأهلية. وتختتم الليلة 90 يوماً من فعاليات معرض"الفن الآن في لبنان"برؤى متعددة الوسائط لفنانين لبنانيين جمعتهم أندريه صفير - زملر، والذي كان بمثابة رسالة من رسائل الحب والحرب البيروتية. وتستعد الدارة لإطلاق سلسلة من النشاطات الفنية في 3 حزيران يونيو المقبل، تنتقل فيها من جراح لبنان إلى فلسطين عبر معرض"60 عاماً على النكبة". ويضمّ المعرض أعمالاً للفنان أحمد نعواش ورسوماً كاريكاتورية للراحل ناجي العلي، إضافة إلى عرض"فيديو آرت"للفنانة سهى شومان، ضمن برنامج حافل بإطلاق كتب وفعاليات تتمحور على الهم الفلسطيني خلال ستة عقود. أما الشهور الثلاثة التي انقضت، فكانت مشحونة بالرسائل من تحت الأنقاض اللبنانية وفوقها، إذ تحولت ذكريات الحرب الأهلية إلى معرض متعدد الوسائط تخللته عروض حية من لبنانيين انطلقوا في فضاء التعبير، متخذين من الفنون البصرية المعاصرة وسيلة لحكاية قصص إنسانية فيها عمق توثيقي تاريخي وأنثروبولوجي، لتجربة العيش في ظروف الحرب وما بعدها. وجاءت المشاركات على شكل تصوير فوتوغرافي لأبنية مهجورة أكلت نصفها القذائف، صورها كل من باولا يعقوب وجوانا حاجي توما وخليل جريج. إضافة الى عرض متواصل لفيلم فيديو مع تعليق سياسي - ثقافي متعدد المعاني للمخرج والممثل ربيع مروة. وتضمن"الفن الآن في لبنان"أعمالاً فنية كرست لفكرة الإنسان والحرب والإسكان والموت، كان أبطالها فنانين مستقلين آخرين هم أكرم زعتري وجلال توفيق ولميا جريج ومروان رشماوي ومازن كرباج، وريان تابت ورندا ميرزا ووليد رعد ووليد صادق وزياد عنتر. ولم تقتصر المشاهدات الفنية في بعدها الوثائقي على مدنيين عايشوا الأزمة اللبنانية، بل تعدتها إلى محاربين قدامى وأفراد انخرطوا في المقاومة اللبنانبة. وهنا يسلط الفنان أكرم زعتري الضوء في زاوية من معروضاته على صور فوتوغرافية أخذها لحجارة ونباتات ذابلة جمعها احد عناصر المقاومة اللبنانية التي نفذت عمليات ضد الآلة الحربية الإسرائيلية في الجنوب اللبناني. وببراعة الفنان المتبصر، كسر زعتري تنميطاً سائداً حول شخصية رجل المقاومة السائدة ليلج الى أعماق نفسي رجل يدعى علي حشيشو خصص الوقت الكافي بين الحرب والحرب، ليلتقط حجارة ومستحثات يبدو جلياً أنه اعتنى باختيارها. وفي زاوية أخرى من المعرض اختار وليد رعد مجموعة أطلس عرض سلسلة من الصور لشظايا لا شكل محدداً لها، ليعطي للشظية المحترقة بعداً درامياً ويسلط الضوء عليها باعتبارها أداة موت بحد ذاتها مع أنها ناشئة عن مسبب كالتفجير أو غيره. ففي لوحة فيها صور لشظايا عديدة بأحجام مختلفة على خلفية واسعة من البياض وضمن إطار قاتم، كتب رعد ملاحظات بسيطة الى جانب صورة كل شظية رتبها في شكل ليوحي بأنها نابعة من درس تأسيسي في اللغة الإنكليزية:"على حد علمي لم تقتل هذه الشظية أحداً... أنا مقتنع بأن هذه لم تقتل أحداً... لقد قيل لي مراراً وتكراراً بأن هذه لم تقتل أحداً". ويتكرر مفهوم الموت في مكان آخر من المعرض، حيث قدمت له مجموعة أطلس تصويراً وثائقياً وصل إليها بالبريد من شخص مجهول، صور على مدى فترة طويلة ومتتالية غروب الشمس، إلى أن يشعر الناظر إليها بمعاني الغروب الإنسانية على تنوعها. ويبدو كما يوثق الفيلم، أن صاحب الصور مُخبِر كان عمله الحفاظ على الأمن هناك. وتتجلى مشاعر متناقضة في تجربة المعرض لدى مشاهدة خريطة مصنوعة من المطاط على أرضية إحدى قاعات العرض من أعمال الفنان مروان رشماوي. ولا نعرف ما إذا قصد الفنان فكرة الدوس عليها، لأنه في تصريح محاذي للعمل، يقول أن عمله الفني نابع من اهتمامه بفكرة السكان. إلا أن رؤية هذه الخريطة بعد مشاهدة فيديو للفنان ربيع مروّة، توحي بتأثيره على العمل المتقصد إثارة مشاعر مؤثرة حول الشأن اللبناني. فمروّة يتحدث عن شؤون السياسة من خلال شاشتين إحداهما فيها وجه رجل صامت عيناه تتحركان وتسكنان أحياناً في الوقت نفسه، من خلال عمل مونتاج للصورة البصرية. بينما الشاشة الأخرى فيها ترجمة باللغة الإنكليزية لشريط صوتي يعتذر فيه مروّة عن شتى التصرفات التي تنم على فساد اجتماعي وسياسي على أرض لبنان. فيقول أشياء مثل"أعتذر بأنني فخور بلبنانيتي وأطمح للحصول على جنسية أخرى... أعتذر من جميع الأشخاص الذين كنت جلادهم... أعتذر عن بشاعة الحرب... أعتذر لأنني وافقت أن أكون منافقاً مسلحاً". ومن اعتذارات لبنانية إلى نكبات فلسطينية، تعرض دارة الفنون سلسلة من الفعاليات ما بين 3 حزيران و30 تموز تتخللها عروض لأفلام وإطلاق إصدارات كتابية وعروض موسيقية فلسطينية.