انطلق ليل أمس قطار مؤتمر الحوار بين الفرقاء اللبنانيين، بعد جولة العنف الدموية التي شهدتها مناطق لبنانية على مدى سبعة أيام، تركت جروحاً ستبقى ندوبها لمدة غير قصيرة. وإذ ودعت أقطاب الحوار ال14 عند مغادرتهم بيروت عصر أمس الى الدوحة، تظاهرة نظمها مقعدون قرب مطار رفيق الحريري الدولي، رفعت لافتات كتب عليها:"إذا لم تتفقوا لا ترجعوا"، فإن هؤلاء الأقطاب استمعوا ليلاً في جلسة افتتاحية لمؤتمر الحوار الى مضيفهم أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، في كلمة دعا فيها الى توافق اللبنانيين، استناداً الى جهود الجامعة العربية التي تلقت دعما ملفتا من الرياضوواشنطن. راجع ص 6 و7 و8 وبعد اجتماعه لدقائق مع الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى ورئيس"تكتل التغيير والإصلاح"العماد ميشال عون، افتتح أمير قطر"جلسات الحوار اللبناني"بكلمة شديدة الاقتضاب جاء فيها:"أيها الأخوة يسعدني أن ارحب بكم هنا في الدوحة، ممثلين لقوى الشعب اللبناني أو مندوبين عن دول أو مؤسسات عربية يعنيها ما يجري في ذلك البلد الشقيق الذي نريد جميعاً أن نحمي مستقبله بالحفاظ على وحدته". وزاد:"قطر بلد يعرف حدوده وهو لا يسعى الى دور يفوق طاقته، لكنه يطمح الى أن يكون ساحة لقاء للنيات الحسنة تفتح الأبواب بحوار مفيد. إنكم قادمون هنا من بلد تقوم حياته على التراضي، وضع المؤسسون الأول ميثاقه الوطني الجليل الذي مهد لاستقلال لبنان وأسس لوطن الحرية والثقافة كما عرفته الأمة وتعلق به. وأحسب أن لبنان كما عرفناه حاضر معكم بكل تاريخه ومستقبله، وتأمل شعوب الأمة كما آمل معها، بالتوافق قادرين بإذن الله على تجنب مزالق خطرة في أوقات خطرة تهدد وطناً يستحق منا جميعاً أن نحافظ عليه ونصونه، والله يوفقكم". ورفع أمير قطر الجلسة الى العاشرة والنصف صباح اليوم، لبدء مداولات المتحاورين. وقال أحد الوزراء العرب ل"الحياة"انه يتوقع نجاح المؤتمر بنسبة 80 في المئة، مستنداً خصوصاً الى الدعم السعودي والسوري للاتفاق الذي أنجز في بيروت. وكان الأقطاب ال14 غادروا لبنان على وقع اتصالات أجرتها اللجنة الوزارية العربية، تحضيراً للمؤتمر، وعلى وقع خطوة لافتة اتخذها أمس رئيس"الحزب التقدمي الاشتراكي"النائب وليد جنبلاط، بزيارته مناطق الجبل التي شهدت صدامات دموية بين عناصر حزبه وعناصر من"حزب الله"أوقعت قتلى من الجانبين. وزار جنبلاط الأمير طلال إرسلان، داعياً الى تجاوز ما حصل وتكريس التعايش بين الطوائف والحوار. وإذ يشكل مؤتمر الحوار تحدياً للقيادات اللبنانية التي تلتقي في ثالث حوار خارج لبنان خلال ثلاثة عقود، بعد لوزان وجنيف والطائف، فإنه يشكل أيضاً امتحاناً دقيقاً لقدرة اللجنة الوزارية التي شكلتها الجامعة العربية على تسريع التوصل الى حلول للأزمة اللبنانية، خصوصاً الفراغ الرئاسي، ولمواضيع الخلاف التي تشكل انعكاساً لتفاقم الخلافات العربية. ونظراً الى دقة المهمة والرغبة في تسريع التوصل الى نتائج ملموسة، استضافت الدوحة الأقطاب ال14 للحوار اللبناني في فندق واحد هو"الشيراتون"ليخوضوا على مدى الأيام القليلة المقبلة حوار تنازلات متبادلة وحوار طوابق، إذ نزل بعض قادة الأكثرية في طابق وقادة المعارضة في طابق آخر، وسط رهان على الإفادة من قنوات التواصل بين الطوابق، إضافة الى اللقاءات في قاعة المؤتمر الرسمية التي شهدت الجلسة الافتتاحية بعد وصول الوفود الى صالونين متقابلين: واحد خصص للمعارضة والآخر للأكثرية، ثم دخل أمير قطر الى كل منهما يرافقه أعضاء اللجنة الوزارية العربية وحيا أعضاء الفريقين اللبنانيين، ثم دعي الجميع الى القاعة العامة فجلس كل فريق في جهة مقابل الآخر، فيما خصص صدر القاعة لأمير الدولة ورئيس وزرائه والأمين العام للجامعة العربية والرئيسين نبيه بري وفؤاد السنيورة. وسيناقش البند المتعلق بالبحث في سبل بسط سلطة الدولة وعلاقاتها مع القوى والأحزاب اللبنانية، خلال المؤتمر، إضافة الى النقاط الأخرى، لكن هذا النقاش لن يصل الى نهاياته خلال المؤتمر. وتوقعت مصادر مطلعة ان يُحال استكمال نقاشه على الحكومة المقبلة، في حال اتفِق على صيغة تشكيلها، بحيث يتم تضمين ما يتفق عليه في شأن بسط سلطة الدولة والامتناع عن استخدام السلاح في الخلافات الداخلية، والموقف من سلاح المقاومة، في البيان الوزاري للحكومة العتيدة. وكانت اللجنة الوزارية العربية التي أمضت ليل الخميس ? الجمعة في بيروت اغتنمت الفرصة لإجراء مزيد من الاتصالات. وعلمت"الحياة"ان رئيسها رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم والأمين العام للجامعة عمرو موسى التقيا ليل الخميس النائب سعد الحريري كما تواصلا مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري وقيادات في المعارضة والأكثرية. وركزت هذه الاتصالات على إنجاح المؤتمر، ما اقتضى إلغاء لقاء كان مقرراً غداً بين الرئيس السنيورة والرئيس الأميركي جورج بوش في شرم الشيخ. وكان طريق مطار رفيق الحريري الدولي شهد إجراءات أمنية مشددة، تمهيداً لانتقال المتحاورين. والتقى في قاعدة كبار الزوار في المطار، الخامسة عصراً، أقطاب الحوار الذين غاب منهم الأمين العام ل"حزب الله"السيد حسن نصر الله لدواعي أمنية، وصعد الى الطائرة الأميرية القطرية أعضاء اللجنة الوزارية العربية وسبقهم أقطاب من الصفين الأول والثاني، باستثناء رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ورئيس كتلة"المستقبل"النيابية سعد الحريري اللذين غادرا في طائرة خاصة. وأبرز الذين غادروا على الطائرة الأميرية: الرئيس السابق أمين الجميل ورئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط ورئيس"تكتل التغيير والإصلاح"النائب ميشال عون ورئيس الهيئة التنفيذية ل"القوات اللبنانية"سمير جعجع والوزيران غازي العريضي ومروان حمادة والنائب نعمة طعمة من"اللقاء الديموقراطي"، ووفد"حزب الله"والنائب علي حسن خليل من كتلة"التنمية والتحرير"النيابية التي يرأسها الرئيس نبيه بري، والنائبان ميشال المر وغسان تويني. وكان آخر من صعد الى الطائرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري بعدما استخدم مرافقوه أكثر من موكب وهمي. وغادر وفد إعلامي على متن طائرة تابعة لشركة"طيران الشرق الأوسط"، فيما تجنب وفد"حزب الله"الاختلاط مع بقية الوفود في قاعدة الانتظار وجلس في قاعة منفردة. وكان أعضاء الوفد العربي عقدوا في مقر إقامتهم، في فندق"فينيسيا"، سلسلة من الاجتماعات والمشاورات في ما بينهم. وقبيل ساعات من مغادرته الى الدوحة أعرب الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى عن أمله بأن يسفر الحوار عن انتخاب رئيس للجمهورية"خلال أيام". وقال ل"المؤسسة اللبنانية للإرسال":"تم التوافق على انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً ويجب أن نتحرك لانتخابه سريعاً، وأرجو أن يتحقق ذلك خلال أيام". ورداً على سؤال عن حكومة الوحدة الوطنية قال موسى:"نحن كجامعة عربية لن نتدخل في تفاصيل الحكومة واختيار الوزراء، الأمر منوط برئيس الجمهورية فقط". وأجرى السنيورة اتصالاً هاتفياً بالبطريرك الماروني نصرالله صفير الموجود في نيويورك و"أطلعه على الاتفاق الذي تم التوصل اليه وقرار التوجه الى الدوحة للمشاركة في الحوار". واتصل السنيورة أيضاً بمفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني الذي تمنى"التوفيق في الوصول الى حلول بعيداً من السلاح والعنف". وتلقى رئيس الحكومة اللبنانية اتصالين من وزيري الخارجية السعودي الأمير سعود الفيلم والمصري أحمد أبو الغيط. وأعرب السنيورة عن أمله ب"التوصل الى تسوية تتيح الاتفاق على حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب، وانتخاب الرئيس التوافقي، وإطلاق الحوار حول تعزيز سلطات الدولة على أراضيها كافة، وعلاقاتها بمختلف التنظيمات على الساحة اللبنانية". وشدد على أن"اللجوء الى السلاح لا يوصل الى نتيجة بل يُسقط الوطن وينهزم الجميع"، وعلى أن"ما من طرف قادر على إجبار الآخرين على ما لا يريدونه، ولا على إلغاء الآخرين بقوة السلاح". وقال رئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط أثناء جولة له في قضاء عاليه الجبل هي الأولى منذ اندلاع الاشتباكات:"نحن ذاهبون الى الحوار على رغم الجرح الكبير". وأضاف أمام آلاف من أنصاره:"المطلوب أن نقدم تنازلات متبادلة من أجل وأد الفتنة والاستمرار في مسيرة العيش المشترك". وشدد جنبلاط الذي بدأ جولته في الجبل بزيارة الوزير السابق طلال إرسلان، على ضرورة الحفاظ على العيش المشترك، خصوصاً بين الدورز والشيعة، وقال:"الخلاف السياسي لا يحل بالسلاح والذي جرى خلال هذه الأيام الصعبة سنعتبره غيمة سحابة صيف". وعلى جبهة المعارضة بثت قناة"المنار"التلفزيونية التابعة ل"حزب الله"انه"مع توجه القادة اللبنانيين الى الدوحة لمباشرة الحوار، يسود الترقب الحذر المشهد السياسي اللبناني، في وقت سجلت المعارضة سلسلة من الإنجازات أبرزها الوصول الى السقف السياسي الذي كان حدده الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله". وتابعت:"على مقلب التحالفات الداخلية، فإن الخريطة السياسية أبرزت وحدة في صفوف المعارضة، مقابل زعزعة في بنية تحالفات قوى 14 شباط. وليد جنبلاط يسلم مراكزه ويبعث برسائل الى حزب الله عبر الوسطاء، جعجع يحرض عن بعد، فيما سعد الحريري بقي وحيداً في معركة عز فيها ناصره". السعودية وكان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل اتصل مساء الخميس بكل من رئيس وزراء قطر وزير الخارجية حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى بعد إنجازهما وأعضاء اللجنة الوزارية العربية الاتفاق، وهنأهما به وبالجهود التي بذلوها وأعضاء اللجنة وأدت الى ورقة التفاهم بين الأطراف اللبنانيين المتنازعين. وعلمت"الحياة"من مصادر عربية أن سعود الفيصل أبدى استعداد المملكة العربية السعودية للمساعدة. ونقلت المصادر العربية عن الوزير السعودي قوله انه حتى لو اقتضى الأمر وكانت هناك حاجة للتوجه الى الدوحة للمساعدة في تذليل العقبات والتوفيق بين اللبنانيين، فهو حاضر لهذا الأمر. ايران وفي طهران أعرب وزير الدفاع الإيراني اللواء مصطفى محمد نجار عن أمله بأن"تبتعد المجموعات والتكتلات السياسية من تشديد الخلافات القومية والعنصرية"، وألا تنسى ان"الخلافات ستفسح في المجال أمام العناصر الخارجية التي ترغب في عدم استقرار لبنان". وقال نجار ان"لبنان من أعزّ المناطق الجغرافية في العالم الإسلامي ونور عين الأمة الإسلامية"، دون أن يشير الى الاتفاق الذي أعلنته اللجنة الوزارية العربية، أو الى مؤتمر الدوحة. واعتبر إمام صلاة الجمعة في طهران إمامي كاشاني ان السيد حسن نصرالله هو"فخر للأمة الإسلامية"و"على جميع المسلمين في العالم أن يكونوا فخورين بحزب الله". ورأى ان"انتصار حزب الله اللبناني اليوم تحقق بفضل وحدة المسلمين". في الوقت ذاته أبلغ نائب وزير الخارجية الروسي ألسكندر سلطانوف السفير الإيراني في موسكو غلام رضا انصاري ان"من غير المسموح به استخدام القوة من أجل تحقيق أهداف سياسية داخلية، وكذلك عدم التدخل السلبي وغير البناء من أي جهة خارجية في الخلافات الداخلية اللبنانية". وكانت الخارجية الروسية رحبت في بيان بالاتفاق الذي توصلت اليه اللجنة العربية، معتبرة أنه فتح"الطريق أمام قلب الوضع ومنعه من الانحدار نحو الفوضى والمواجهات". فرنسا وقالت مصادر الرئاسة الفرنسية ل"الحياة"، ان فرنسا"تؤيد بقوة نتائج تحرك الجامعة العربية في لبنان ورئيس لجنتها رئيس الحكومة القطرية حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، وتؤيد خطة البنود الستة التي أعلنتها اللجنة وتراها بداية جيدة للحل في لبنان". وكان الرئيس نيكولا ساركوزي اتصل بحمد بن جاسم قبل أيام، عندما اتفق على تعيينه رئيساً للجنة العربية، لتأييده كلياً وإبلاغه ان بامكانه إذا واجه أي صعوبة، الاعتماد على فرنسا للمساعدة. واشنطن وفي واشنطن، أكد مسؤول أميركي رفيع المستوى في ايجاز صحافي حضرته"الحياة"أن واشنطن"مسرورة ببدء العملية السياسية وتوقف العنف في الشارع وعودة الحياة في بيروت الى طبيعتها"، وأثنى على"القيادة الصلبة للجامعة العربية وبيانها الرافض لاستخدام الميليشيات للعنف للوصول الى غاياتها، والى سحب الميليشيات والظهور المسلح من الشارع". وأكد المسؤول المعني مباشرة بادارة الملف اللبناني، أن واشنطن تسعى اليوم الى دعم مؤتمر الدوحة، وتأمل بان يتم"البحث بجدية في موضوع سلاح حزب الله على طاولة الحوار"، وأن الادارة الأميركيية على اتصال بوزراء الخارجية العرب وجميع اللبنانيين، بمن فيهم قيادات داخل 8 آذار، بهدف"المساعدة وليس التدخل ولتوفير المناخ لانجاح الدوحة". وأكد المسؤول أن الطرف الأميركي"ليس متشائما"و"ما زلنا ننتظر ما سيخرج عن الدوحة انما يبدو لنا أن الكل ذاهب بايمان راسخ لمحاولة حل الأزمة السياسية التي هيمنت على لبنان ولأكثر من سنة ونصف اليوم"، معتبرا أن المؤتمر"قد يقربنا من انتخاب رئيس للجمهورية". وردا على سؤال ل"الحياة"عن موضوع سلاح"حزب الله"وموقعه على طاولة الحوار، أشار المسؤول الى أن الادارة الأميركية"تفهم أنه سيتم البحث في المسألة، ضمن الاتفاق على علاقة التنظيمات بالدولة". واشار الى أن موضوع"سلاح الحزب كان على الطاولة في 2006، ولم يتم البحث فيه"بسبب حرب تموز، لكن"بند الاتفاق وكون المشاركين هم انفسهم يجعلانا نفهم أن سلاح حزب الله سيكون ضمن الحوار. ومن المهم البحث في هذا ألأمر اليوم بعد استخدام حزب الله سلاحه ضد اللبنانيين"في المواجهات الأخيرة. ورفض المسؤول اعتبار اللاعب القطري منحازا الى سورية وايران"، معربا عن الامل بان تكون سورية"طرفا مساعدا في الوصول الى حل وأن تقلب الصفحة في طريقة تعاملها مع لبنان". وفي قراءة لتراجع الحكومة عن قراريها، أكد المسؤول أن"الحكومة أخذت السقف الأخلاقي الأعلى لوقف العنف، بتبنيها توصية الجيش والعودة عن القرارات". وقال، عن الجهود في مجلس الأمن لاستصدار قرار جديد يدين المواجهات الأخيرة، أن"التركيز اليوم هو على الدوحة ونريد نجاح المؤتمر... ولا نؤيد القيام بأي خطوات أخرى تعرقل مهامه اليوم". واستبعد المسؤول"نجاح حزب الله في ترجمة أفعاله على الأرض في الأسبوعين الأخيرين الى مكاسب سياسية في المدى الطويل"، مشيرا الى أن"الكثير من الأشخاص المتحالفين مع حزب الله بدأو بتغيير رأيهم حول الحزب".