انصرف كبار المسؤولين اللبنانيين الى لملمة ذيول الصدامات المتنقلة التي وقعت أول من امس بين جمهور الأكثرية ومؤيدي حكومة الرئيس فؤاد السنيورة من جهة، وبين مناصري المعارضة، و"حزب الله"وحركة"أمل"خصوصاً من جهة ثانية، في بيروت وضواحيها بعد وفاة الشاب أحمد محمود متأثراً بطلق ناري أصابه جراء تلك الصدامات في منطقة قصقص بين العاصمة وضاحية بيروت الجنوبية، فيما استمر اعتصام المعارضة لليوم الرابع على التوالي في وسط بيروت، حيث يبيت المعتصمون ليلتهم في الخيم التي تكاثرت في ساحتي رياض الصلح والشهداء ليرتفع عددهم مساء رافعين شعارات إسقاط الحكومة. راجع ص 7و8 وأكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء في الرياض أمس،"ضرورة أن يعمل اللبنانيون جميعهم على وحدة الصف اللبناني، وتعزيز الأمن والاستقرار، وتغليب الشرعية والعقل والحكمة ولغة الحوار، لتجاوز الظروف الحالية، التي من شأن استمرارها المساس باستقرار لبنان ورفاهه ووحدته الوطنية واستقلال قراره السياسي، مشدداً على دعم المملكة الكامل لكل ما فيه الخير للبنان". وفيما تبادل الفريقان الاتهامات عن مسؤولية الصدامات التي وقعت، خصوصاً بين"حزب الله"وتيار"المستقبل"نفّذ الجيش اللبناني بين ليل اول من امس وصباح أمس أوسع انتشار له في العاصمة، يراوح عديده بين 3 آلاف و 4.500 آلاف جندي وضابط، وهو الأكثف منذ اغتيال وزير الصناعة بيار الجميل في 21 الشهر الماضي لضبط الوضع الأمني، بإشراف قائد الجيش العماد ميشال سليمان الذي جال أول من أمس على أحياء العاصمة. ومع استمرار الأزمة السياسية التي عمّقت مأزق الأفرقاء جميعاً، في الشارع من دون ان تفلح الجهود السياسية في إحداث اختراق جديد، تواصل الاهتمام الخارجي بمخاطر الصراع الدائر في لبنان وعليه، امس بعد مغادرة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى بيروت إثر استكشافه المواقف من سلة من الأفكار المتداولة أصلاً في طروحات الأكثرية والمعارضة، ولقيت استحساناً من كل من رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي اعتبرها جديرة كثيراً بالاهتمام، والسنيورة التي اعتبرها"مهمة جداً"، فيما وعد وفد"حزب الله"الذي التقاه موسى ليل اول من أمس بإعطاء جوابه عليها لاحقاً، لكن موسى غادر قبل ظهر امس من دون ان يحصل على الجواب، فيما كان رد رئيس الجمهورية إميل لحود الذي التقاه الأمين العام قبيل مغادرته، انه يفضّل"حلاً لبنانياً". وفهم من كلامه انه يرفض اقتراح موسى لأنه يتناول إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وعلمت"الحياة"ان النقاط التي طرحها موسى تضمنت الآتي: 1- إخراج المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المتهمين بجريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري من التجاذب السياسي باعتبارها موضوع إجماع والتوافق على مبدأ إقرارها في المؤسسات الدستورية. 2- توسيع الحكومة الحالية بحيث تضم 19 وزيراً لقوى 14 آذار و10 وزراء للمعارضة ووزيراً واحداً يسميه الرئيس بري ويوافق عليه السنيورة. وهي صيغة كان طرحها السنيورة سابقاً. وجرى الحديث خلال عرض هذه النقطة عن الضمانات التي تحتاجها الأكثرية من اجل عدم استقالة الوزير الحيادي. 3- التوافق على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة بحيث تتم في شهر شباط فبراير 2007 المقبل، وفق اقتراح أحد الأقطاب. 4- إقرار الحكومة قانوناً جديداً للانتخابات النيابية في إطار الحكومة الجديدة وإحالته على المجلس النيابي وإجراء انتخابات نيابية مبكرة بالاتفاق بين المعارضة والأكثرية اللتين تكونان اصبحتا في حكومة واحدة. وغادر موسى على أمل ان تتبلور مواقف الأفرقاء من الأفكار التي عرضها لاحقاً، في ظل اقتناع بعض الذين التقوه أن مساعيه لتشجيع الأفرقاء على تسوية تحتاج الى مواكبتها في اتصالات خارجية تجرى بين بعض الدول العربية وسورية، وخلال اللقاءات التي يجريها بعض الدول مع دمشق ومنها مصر، اضافة الى الاتصالات الجارية مع طهران، لعلها تؤدي الى تسهيل قبول الأفرقاء المحليين بهذه الأفكار. وكانت الاتصالات التي أجراها بري طوال يوم أمس شددت على التهدئة، ونصح الأمين العام للجامعة العربية قبل المغادرة جميع الأفرقاء بضبط النفس، وأبلغت قيادة الجيش هؤلاء ان الصدامات التي تحصل تؤدي الى إنهاك الجيش واستنزافه لأن دوره شديد الحساسية خصوصاً أنه لا يتخذ موقعاً قتالياً، بل يقوم بمهمة وقف الاشتباكات والصدامات التي تنتقل من حي الى آخر. وكان السفير المصري في بيروت حسين ضرّار الذي التقى الرئيس بري والنائب الحريري أعلن انه نقل الى الأول رسالة من الرئيس حسني مبارك. وحذّر ضرّار من ان"هناك مخاطر إذا لم يتم تداركها ستندلع وتجرف الجميع، وحذّرنا من أي عمل، ومن صراع سني - شيعي يعمل الجميع على تفاديه، وفي مقدمهم الزعماء المسؤولون هنا، جميعهم من دون استثناء لديهم الحس العالي من المسؤولية. وأضاف:"نطلب من الجميع ان يلتزموا الحوار، وفرص الانفراج موجودة وأي خطأ قد يؤدي الى ما لا تُحمد عقباه". وعقد اجتماع ليل اول من امس بين الحريري ورئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط، اتفق خلاله على اتخاذ تدابير وإجراءات مع الأنصار والمحازبين تشدد على تجنّب الصدامات والفتنة. وأكد ضرورة تفادي حصول خطوط تماس، لأن هذا الأمر يخدم المخطط الخارجي الذي يرمي الى حصول الفتنة ويسهّل ما تسميه الأكثرية محاولة الانقلاب على الشرعية اللبنانية. واتفق الحريري وجنبلاط بحسب مصادرهما، على استيعاب أي احتقان والتعاون مع بري في هذا الصدد الى أقصى الحدود، لتطويق أي مشكلة او اشتباك. كما قرر تيار"المستقبل"في اجتماع لكتلته النيابية سلسلة تحركات شعبية تضامناً مع الحكومة والسنيورة في المناطق التي لا مجال فيها لحصول تماس مع جمهور المعارضة، سواء في الجبل أو في البقاع أو عكار وطرابلس، تجنباً للاستفزازات المتبادلة. وفي هذا السياق طلب وزير خارجية ألمانيا من دمشق التي التقى فيها الرئيس بشار الأسد ونائبه فاروق الشرع ووزير الخارجية وليد المعلم، من سورية"القيام بكل ما تستطيع لمنع زعزعة الاستقرار في لبنان". وأكد الرئيس الأسد ان سورية"جزء من الحل وليست جزءاً من المشكلة في قضايا الشرق الأوسط"، بعدما نفى تدخل دمشق في شؤون الآخرين. وعلمت"الحياة"من مصادر سورية مطلعة ان الوضع في لبنان اخذ حيزاً من المحادثات، حيث طلب الوزير الألماني من سورية"المساعدة على حل الأزمة في لبنان ولعب دور بناء"، قائلاً إن هذا"سيكون مدخلاً لتحسين علاقاتها مع دول عدة في العالم". وقالت المصادر ان الجانب السوري أبلغه"الحرص على حل الأزمة في لبنان وأن لا يتعرض لبنان الى أزمات، لكن حل الأزمة يتطلب فهم ان لبنان لا يحكم بالأكثرية بل بالتوافق، كما جاء في الدستور اللبناني ومن خلال الوصول الى قواسم مشتركة وليس من خلال تأييد طرف ضد طرف آخر". وعندما طلب الوزير الألماني من الجانب السوري"العمل لحل الأزمة من منطلق ان لبنان بلد سيد"، أجابه مسؤولون سوريون:"نحن حريصون اكثر من الجميع على سيادة لبنان". وفيما قابلت الأكثرية اعتصام المعارضة التي تتهيأ لإدامته مدة طويلة والتحسب للشتاء، بتنظيم زيارات وفود شعبية الى السراي الحكومي للتضامن مع السنيورة وحكومته، زار بيروت امس وزير الخارجية الأردني عبدالإله الخطيب الذي التقى بري والسنيورة وأكد دعم لبنان وحكومته. وقال ان"من مصلحتنا الحفاظ على استقلاله بقوة"، مشيراً الى ان"الوضع استثنائي والخروج منه يتطلب تفعيل كل القنوات والمؤسسات الدستورية". وشدد على اهتمام الملك عبدالله الثاني بلبنان ودعمه لوحدته. وأمل بأن يتمكن الأردن والعرب من دعم وحدة اللبنانيين. على صعيد آخر، وعلى رغم التوتر الأمني الذي لف العاصمة وضاحيتها خلال اليومين الماضيين، اجتمع نواب المعارضة امس مع وزراء الحكومة التي يعتبرونها غير شرعية خلال اجتماعين منفصلين للجان النيابية في البرلمان. وقالت مصادر نيابية ان نواب حركة"أمل"و"حزب الله"شاركوا في اجتماع لجنة الإدارة والعدل التي حضر عن الحكومة وزير التنمية الإدارية جان اوغاسبيان، وناقشوا المشاريع التي تطرحها الحكومة في هذا الصدد. كما حضروا اجتماع لجنة المال والموازنة الذي شارك فيه عن الحكومة وزير الاقتصاد والتجارة سامي حداد، وبحثوا مع سائر النواب في اقتراحات الوزارة. ورأت مصادر في الأكثرية ان حضور نواب الحركة والحزب هو اعتراف بدستورية وشرعية الوزيرين اللذين حضرا الاجتماعين وبالتالي بشرعية الحكومة، خلافاً لموقف المعارضة المعلن. وبالعودة الى الاضطرابات التي حصلت مساء اول من امس وامتدت الى عدد من المناطق، وشملت مرور سيارات لقوى المعارضة أمام منزل السنيورة وأخرى أمام منزل زعيم تيار"المستقبل"النائب سعد الحريري شتم من فيها الاثنين، أعلن الجيش عن توقيف عدد من المشاركين في حادث قصقص الذي تخلله إطلاق نار ادى الى سقوط الشاب محمود 21 سنة قتيلاً متأثراً بإصابته، إضافة الى إصابة شخصين آخرين بإطلاق نار، عدا الذين أصيبوا بالحجارة والعصي وتكسير السيارات من الجانبين. وإذ اتهمت محطة"المنار"التابعة ل"حزب الله""ميليشيا تيار المستقبل"بالمسؤولية عن حوادث قصقص، رد التيار في بيان عنيف على"التلفيق الإعلامي لقناة"حزب الله"التلفزيونية"، واصفاً إياه بأنه"ترويج للفتنة المذهبية". وأكد"تيار المستقبل"ان ليس لديه أي تنظيم مسلح وأنه يمنع أنصاره من اقتناء السلاح. وأكد ان"الجميع في لبنان والعالم العربي والإسلامي يعلم من هي الجهة اللبنانية الوحيدة التي تملك ميليشيا ومن هي الجهة الوحيدة التي تفاخر قيادتها بامتلاكها أسلحة وعشرين ألف صاروخ ويأتي تمويلها وكل أسلحتها من الخارج وتقيم مربعات أمنية تمنع أجهزة الدولة الشرعية من دخولها...". وكانت الجهود من اجل ضبط الوضع الأمني ادت بالجيش الى استقدام فوج من وحداته المنتشرة على طول الحدود اللبنانية - السورية لمراقبة عمليات التهريب، وحلّت مكانها وحدات من عديد مدرسة الرتباء في البقاع. وفيما بذل الرئيس بري جهوداً للحؤول دون ان يكون تشييع الشاب الذي قضى في أحداث قصقص، عبر تمرير جثمانه الى وسط بيروت حيث اعتصام المعارضة، منعاً لمروره في احياء وشوارع ما قيد يثير حساسيات، اتفق على تأجيل تشييعه الى اليوم. إلا ان قوى المعارضة عادت فأصرت على إنزال سيارة تحمل نعش الشاب محمود الى ساحة رياض الصلح حيث حشود المعتصمين. وأنزل النعش وحمله المعتصمون على الأكف. وحرص قادة المعارضة على ان يلقي عدد من قادتها كلمات خلال المهرجان الذي سبق استقدام النعش الى ساحة رياض الصلح، تشدد على رفض الفتنة السنية- الشيعية. وكان الخطباء من الطائفتين. وعزف النشيد الوطني عند إنزال نعش محمود الذي اعتبره المعتصمون وبيان للمعارضة أنه شهيدها. وألقى النائب علي بزي عضو كتلة بري كلمة للمناسبة، شدد فيها على"تجنب الفتنة احتراماً لدم الشهيد ولشهدائنا في مواجهة إسرائيل". وقال:"الرصاصات التي وُجّهت الى الشهيد لن تقابل إلا بالقبلات والورود". وأضاف:"إننا نريد مراسم تشييعه غداً اليوم مراسم للوحدة ولحكومة الوحدة الوطنية بعيداً من التسلط والاستئثار"، ودعا الى تجاوز العصبيات. وترأس السنيورة ليلاً في السرايا اجتماعاً وزارياً أعلن بعده وزير الإعلام غازي العريضي استنكار رئيس الحكومة والوزراء لأعمال الشغب التي حصلت والتي أدت الى وفاة الشهيد محمود. وشدد على الاقتصاص من المسؤولين عن ذلك وعن الشغب الذي حصل. وقال ان الاجتماع بحث مجموعة من الأمور بينها مشروع الحكومة لاجتماع باريس -3 للدول الصديقة والمانحة والهادف الى مساعدة لبنان اقتصادياً ومالياً، على ان تجتمع الحكومة في مدة قريبة لإقراره.