تابع أكثر من ألفي أردني تحت زخات المطر، أول عرض موسيقي لفرقة "رم" طارق الناصر الأردنية بعد غياب أكثر من سنتين ونصف السنة، على مسرح المدرج الروماني في وسط البلد في عمان. وبينما تعالت أصوات الآلات الموسيقية الغربية والشرقية بألحان أردنية وبمرافقة أصوات غنائية أنثوية على المسرح الأثري، استمتع الحضور بعودة إحدى أطول الفرق الموسيقية عمراً على الساحة الأردنية. قدّمت الفرقة مختارات كانت قد قدمتها خلال مسيرتها التي شارفت على إتمام ال10 سنوات في شتى المسارح والمهرجانات الأوروبية منذ انطلاقتها عام 1999 في مدن مثل باريس وجنوا وأمستردام وبرلين وستوكهولم. وقال مؤسس الفرقة طارق الناصر قبل بدء العرض إن عنوان الحفلة هو"الحوار بين الحضارات"وأضاف:"انطلاقاً من هذا المضمون تعمل فرقة"رم"على الابتعاد عن التصنيفات في ما يخص الآلات الموسيقية سواء كانت شرقية أو غربية مع الاستفادة من تاريخ الآلة الحضاري وتطويعه لما يناسب المناسبة الموسيقية". قدمت الفرقة وبتصور جديد، أفضل القطع الموسيقية التي تحمس لها جمهور أوروبا خلال عقد من الزمن احتفاء بيوم حوار الحضارات الأوروبي، واختارت"رم"قطعاً موسيقية تعكس منظوراً محلياً وعالمياً وعربياً تراثياً فتمايل معها الحضور على ألحان غنية بالإيقاع والوقفات الدرامية في مقطوعات مثل"عمان الجديدة"و"جرش"وجديد المجموعة"نار". ترافقت في هذه المقطوعات آلات كالعود والناي الشرقي مع التشيللو الغربي الكلاسيكي مع إيقاعات إسبانية ولاتينية وعربية وغربية أصبح تمازجها يشكل شخصية مجموعة رم الموسيقية. أتت خصوصية العرض في افتتاحه بمقطوعة"نوّارة"حيث أدى المغني العراقي الضيف اسماعيل الفروجي ارتجالاً صوتياً طربياً عالياً متنقلاً بين المقامات العربية ومثيراً أحاسيس الحنين والشجون والوجع. بينما بدا انشغال الناصر جلياً في سيطرته المُحكمة كقائد للفرقة على الأجزاء الارتجالية في المقطوعة وهو يتبادل النظرات مع حوالى 25 موسيقياً ومغنية من بينهم حوالى خمسة ضيوف من جنسيات مختلفة كي لا تفلت النوتات أو تتشتت الجهود، موفراً بذلك الفرصة أمام الفروجي للانطلاق في سماء الصوت باكياً آلاماً قد تكون منابعها بغداد. وبعد تقديم الأغنية الثالثة في البرنامج بعنوان"ابن العلم"من التراث الفلسطيني بتوزيع ناصري خاص، أهدى الناصر لمهرجان جرش، بمناسبة إلغائه منذ فترة قصيرة واستبداله بمهرجان وطني بعنوان"مهرجان الأردن"، مقطوعة تحمل اسم المدينة الأثرية نفسها مسجلاً بذلك أول وداع موسيقي لمهرجان جرش الراحل. أما ذروة الحنين فكانت عندما عزفت"رم"المقطوعة الموسيقية الخامسة في برنامجها وهي مقطوعة"أردن"ذات الإيقاع السريع والبنية الإيقاعية التصاعدية، والتي تحمل في طياتها نفحات من الصوت الأنثوي الذي أضحى كآلة موسيقية،وكغيره من الآلات له دوره الثانوي ولكنه ضروري في تكوين الصورة الكلية. وفي هذه المقطوعة تتسارع دقات القلوب لدى المستمعين أمام التنقلات الموسيقية التي تُعطي بعداً تصويرياً درامياً منبعه توجه الناصر نحو التأليف الموسيقي للدراما العربية، وهو الحاصل خلال العام الماضي على الجائزة الذهبية للموسيقى التصويرية في مهرجان القاهرة للإعلام عن تأليف وتوزيع الموسيقى التصويرية لمسلسلي "الملك فاروق"و"رسائل الحب والحرب". يذكر بأن لفرقة"رم"طارق الناصر الأثر الكبير في توسيع القاعدة الموسيقية الأردنية وخلق فرص تشجيعية للموسيقيين الشباب عبر انخراط كثيرين منهم في الفرقة التي تضم اليوم نحو عشرين عازفاً بقيادة الملحن والموزع الموسيقي الثلاثيني. وقد عبر الناصر عن صعوبة الظروف الموسيقية في الأردن وضعف الإمكانات المادية خصوصاً، ما يسلط الضوء على صموده وأعضاء فرقته أمام التحديات وقدرته على استقطاب المواهب والعمل معها على رغم قلة الموسيقيين المحترفين في عمان. هذه الأسباب كانت وراء إصدار مجموعة"رم"ألبومين اثنين فقط خلال مسيرتها الفنية بعنوان"يا روح"1998 و"أردن"2006. ويمكن ملاحظة النضوج الموسيقي الذي تمتلكه فرقة"رم"اليوم في المقارنة بين هذين الإصدارين بعد تعرضها لأنواع التجارب الموسيقية كافة ووقوفها أمام مختلف الجنسيات العربية والعالمية، الأمر الذي أكسبها حنكة موسيقية في التعامل مع المزاج العام لدى الجمهور. وظهر ذلك جلياً في عرضها الأخير في المدرج الروماني اذ امتلكت مفاتيح القلوب والأمزجة وحافظت على اهتمام الجمهور وحماسته تحت سماء ملبدة بالغيوم وبرد وبلل.