لا يبتعد الفنان الأردني طارق الناصر عن آلاته الموسيقية كأنه بقربها يشعر بالأمان. تجري الألحان في شرايينه، وقلبه ينبض أنغاماً. حتى نبرة صوته تتلعثم بالمقامات الساكنة داخله. أكثر من 20 سنة مضت على تأليفه الموسيقى التصويرية لمسلسل «نهاية رجل شجاع»، ولا تزال هذه المقطوعة تُطلب منه دائماً في حفلاته وأمسياته. زاوج فيها بين آلتي العود والبيانو بطريقة رائعة، ساعدت على جذب المشاهدين إلى العمل لدى سماعهم الموسيقى. بعد نجاحه في تأليف المقطوعة والصدى الذي نالته، طلب منه تأليف الموسيقى التصويرية لمسلسل «الجوارح»، فاتسم عمله بالخيال وحلّق في فضاء المعاصرة والغرابة. أعاد توزيع بعض المؤلفات الموسيقية وهو في سن صغيرة، فقدم ألبوم «رؤيا»، وهو من أكثر الأعمال الحميمة التي قدمها. يعبّر الناصر في حديث إلى «الحياة»، عن حبه لآلة البيانو ويشبهها بالبحر الذي يغوص في عالمه ويأخده أينما يريد، مؤكداً أن وصفه ليس ضرباً من الخيال إنما حقيقة يعيش تفاصيلها كلما عزف ما يحلو له. لكن الناصر كالبحر أيضاً، فهو هادئ الطبع والملامح، لكنه خرج عن طبيعته وثار على من لا يقدّرون الموسيقى باعتزاله الأعمال الدرامية لمدة 3 سنوات، بعد مسلسلَي «يوميات مدير عام» و «إخوة التراب». فعلى رغم شغفه بالأعمال الدرامية، غار على كيانه الموسيقي الذي تحطم من وجهة نظره، بعد الخلافات مع بعض المخرجين، فما كان أمامه إلا أن يعيد لنفسه كيانه الفني بتأسيس مسرح موسيقي يكسّر بحرفيته خشبة منافسيه على أعلى المستويات. من هنا بدأت رحلة إبداع من نوع آخر، فقد أسس عام 1999 فرقة «رم» التي وثقت علاقتها بوادي رم من خلال أغنية «إرم» التي حازت على لقب «روك الصحراء» في أحد المهرجانات الغربية، والتي تندرج تحت المقطوعات الثماني لألبوم حمل عنوان «الأردن» وفيه اعتمدت الفرقة على الغناء وسرد الحكايات خصوصاً في أغنية «دق قلبي» التي كان لها وقعها الخاص على جمهور «رم». بدأت الفرقة شق طريقها إلى العالمية بحفلة في بيروت، لتكون ممراً لها إلى أبرز المهرجانات العربية والغربية، وعيرت من هذا الممر المحفوف بالنجومية إلى محطة شُهد لها بالطاقة الإبداعية والتميز بفضل الألبوم الأول الذي اتسمت مقطوعاته ال8 بالتمرد والإصرار على كل ما هو غير تقليدي. عشقت الفرقة الأردنية «رم» موروثاتها الفنية وأصالتها المحلية والعربية، وهذا بدا واضحاً في ألبومها الثالث الذي تميز بعراقته ونضجه لما حمله من تجربة فولكلورية مزجت الماضي والحاضر في آن واحد. كما لحن الناصر بعد عودته إلى الحياة الدرامية قصائد للشاعر ابن زيدون في مسلسل «ملوك الطوائف»، إضافة إلى تأليف الموسيقى التصويرية التي تميزت بخروجها عن التقليد وحملت مفارقات جمعت بين الماضي والحاضر. يقول: «كوني أردني الجنسية لا يحصر تعاملي في موروثي المحلي بل يمكنني التعامل مع المورثات العربية الأخرى، فأنا أبحث عن الأصالة أينما كانت وهذا النوع من الفن مقترن بشكل كبير بحياة «رم». ساعد تأثُّر الناصر بالفنانين عمار الشريعي وعمر خيرت والسير على نهجهما الإبداعي في مسلسل «ملك الفاروق»، على أن ينال الجائزة الذهبية في مهرجان القاهرة للإعلام والإذاعة والتفزيون. وشكلت هذه الجائزه علامة فارقة في مسيرته الفنية.