أحدثت الحملة التي شنها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ضد الميليشيات في البصرةالجنوبية أثراً عكسياً، في ما يبدو، وكشفت نقاط الضعف في جيشه وعززت أعداءه السياسيين قبل الانتخابات. وانسحب الصدر الأحد الماضي من المواجهة الشاملة ضد قوات الأمن العراقية ومؤيديهم الأميركيين، وأمر ميليشيا"جيش المهدي"بوقف القتال. وبينما أشارت تقارير الى ان البصرة كانت هادئة أول من أمس، هزت هجمات بقذائف الهاون بغداد. ويقول محللون إن العراقيين على وشك ان يشهدوا مرحلة جديدة من دائرة العنف التي تهيمن على البلاد منذ الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة عام 2003. وإراقة دماء بين الشيعة يمكن أن تمزق العراق وتورط القوات الأميركية. يذكر أن المالكي توجه الى البصرة الثلثاء الماضي ليشرف بنفسه على العملية العسكرية، إذ سعى الى تصويرها بأنها لبسط القانون ولاستعادة سيطرة الحكومة على المدينة التي تهيمن عليها عصابات اجرامية من دون ان يتطرق الى مهاجمة الأحزاب لدوافع سياسية. وأشاد الرئيس جورج بوش بالحملة التي وصفها بأنها"لحظة حاسمة"للعراق لكنها أطلقت موجة عنف تسببت في زعزعة الاستقرار في جنوب البلاد. وفي بغداد تهدد بإفساد التحسن الأمني الذي تحقق العام الماضي. كما كشفت الحملة خلافات عميقة داخل الغالبية الشيعية بين الأحزاب المؤتلفة في حكومة المالكي، وأنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي يتمتع بشعبية كبيرة. وقال مصطفى علاني، وهو محلل في مركز بحوث الخليج في دبي، إن"شهر العسل لن يدوم طويلاً"، لا سيما أن موعد الانتخابات يقترب. ومن المقرر أن تجري الانتخابات المحلية بحلول تشرين الأول اكتوبر، حين يخوض التيار الصدري، الذي قاطع الانتخابات الأخيرة عام 2005، منافسة قوية للسيطرة على الجنوب الشيعي المنتج للنفط مع"المجلس الأعلى الإسلامي العراقي". ويخوض"المجلس الأعلى"، وهو أكبر حزب شيعي في الحكومة وحليف لحزب"الدعوة"الذي يتزعمه المالكي، معركة للسيطرة على البصرة. ويتهم انصار التيار الصدري المالكي و"المجلس الأعلى"بمحاولة سحقهم قبل الانتخابات المحلية التي يتوقع أن يحصلوا فيها على مكاسب كبيرة على حساب"المجلس". وأشاد مسؤولون أميركيون وبريطانيون بالعملية العسكرية باعتبارها دليلاً على القوة المتنامية للجيش العراقي، لكنها تعثرت مطلع الأسبوع بعد ان فشلت القوات العراقية في إخراج المسلحين من معاقلهم. والمحرج أن وزير الدفاع العراقي اضطر الى الاعتراف بأنه على رغم الاجراءات الكثيرة التي اتخذت للتحضير للعملية، لم تكن قواته مستعدة لمثل هذه المقاومة الشرسة، ما استدعى تدخل القوات الأميركية والبريطانية وشن هجمات بالطائرات والمدفعية لدعم القوات العراقية. وأثار القتال ردود فعل عكسية من مقاتلي"جيش المهدي"في بلدات ومدن أخرى في الجنوب، حيث قتل مئات في أعمال العنف التي تسعى قوات الأمن العراقية الى احتوائها بمساعدة الجيش الأميركي. وقال عزت الشاهبندر، وهو سياسي شيعي معتدل من"القائمة العراقية"، إن ما حدث"أضعف الحكومة وأظهر ضعف الدولة والآن أصبحت قدرة الدولة على السيطرة على العراق موضع تساؤل. ورأى استاذ سياسات الشرق الأوسط في جامعة اكستر في انكلترا غاريث ستانسفيلد ان المالكي خاطر بصدقيته السياسية فاستعرض قوته في البصرة وخسر. وقال علاني إن هدف المالكي الأساسي هو التحضير للانتخابات، فسعى إلى نزع سلاح الصدر، لأن الميليشيا الأقوى في المدينة هي التي تدير العملية الانتخابية.