تعود اوزبكستان من جديد الى دائرة الضوء، بالتزامن مع صدور اللائحة الأميركية السوداء السنوية لأوضاع حقوق الإنسان في العالم. وجاء في تقرير الخارجية الأميركية ان حكومة الرئيس الاوزبكي اسلام كريموف"تهيمن على الحياة السياسية وتمارس سيطرة شبه كاملة على أجهزة الدولة الأخرى"، مشيراً الى ان"أجهزة الأمن تمارس التعذيب والتجاوزات في شكل اعتيادي على معتقلين خلال استجوابهم لانتزاع اعترافات أو معلومات تدينه". اما السبب الثاني لتصدر اوزبكستان أخبار وسط آسيا فهو التقارب الذي شهدته اخيراً في العلاقات الديبلوماسية بين واشنطن وطشقند، اذ سمحت اوزبكستان للجيش الأميركي بالعودة الى استخدام قاعدة"تيرميز"العسكرية في جنوب البلاد لدعم عملياته في افغانستان، كما زار مسؤول القيادة الأميركية الوسطى الادميرال المستقيل وليام فالون في كانون الثاني يناير الماضي اوزبكستان والتقى رئيسها إسلام كريموف بعد اعادة انتخابه أواخر العام الماضي، ما اظهر تحسناً ملحوظاً في العلاقات بين البلدين. وفسرت تلك الزيارة بأن الولاياتالمتحدة تسعى إلى الحوار مع اوزبكستان أملاً بإعادة نفوذها في هذه الجمهورية المهمة استراتيجياً في منطقة آسيا الوسطى، مع ان أول زيارة رسمية لكريموف بعد الانتخابات الرئاسية كانت للعاصمة الروسية موسكو، حيث أعلن من هناك ان العلاقة بين موسكو وطشقند اكثر من شراكة استراتيجية. من جهة أخرى، أكد كريموف ان أسس علاقته بالغرب"تتعزز اليوم اكثر فأكثر"نافياً وجود"اختلافات في وجهات النظر بين اوزبكستان من جهة وأوروبا والولاياتالمتحدة من جهة أخرى، وهو ما اعتبر كلاماً جديداً بعد سنتين ونصف السنة من التوترات". وكانت هذه التصريحات منعطفاً في موقف الدولة الاوزبكية التي اقتربت من موسكو واتهمت الأميركيين بالسعي الى قلب نظام كريموف اثر القمع العنيف للتمرد في انديجان في أيار مايو 2005 وما تلاه من انتقادات غربية. واعتبرت طشقند انها تتعرض لپ"حرب إعلامية"منذ ان فرض عليها الاتحاد الأوروبي عقوبات على أثر تلك الأحداث. وكانت الولاياتالمتحدة بدأت استخدام قاعدة كارشي خان آباد في 2001 لدعم عملياتها ضد مقاتلي"طالبان"وپ"القاعدة"، لكن الحكومة الاوزبكية طلبت من القوات الأميركية مغادرة القاعدة عام 2005 بعدما انتقدت واشنطن الطريقة التي قمعت بها السلطة تظاهرات في مدينة انديجان، حيث أُطلق الرصاص على المتظاهرين. ولم تعلق اوزبكستان على هذا التطور الجديد، لكن متحدثاً عسكرياً اميركياً أكد ان القوات الأميركية صار في إمكانها استخدام"الجسر الجوي الألماني بين تيرميز وأفغانستان". وأوضح المتحدث ان الولاياتالمتحدة لا تملك قواعد خاصة بها في البلاد، وأنها لم، ولن تطلب من الحكومة الاوزبكية السماح لها بإقامة أي قواعد عسكرية. وتستخدم المانيا قاعدة عسكرية في تيرميز جنوب اوزبكستان منذ عام 2002. وقال مبعوث حلف الناتو الى القوقاز وآسيا الوسطى روبرت سيمونز خلال زيارته موسكو أخيراً ان"بالنظر الى بعض التطورات الأخيرة، ومنها سماح اوزبكستان للاتحاد الأوروبي بمناقشة ملف حقوق الإنسان فيها، فإن العلاقات بين طشقند وحلف الناتو تحسنت". وبلغ انتقاد الغرب نظام كريموف الذروة عام 2005 عندما فتح جنود النار على تظاهرة في مدينة انديجان، وقال شهود في ذلك الوقت ان المئات لقوا حتفهم. وذكر سرعت اكراموف ناشط حقوقي بارز في اوزبكستان لپ"رويترز":"نشعر أن العالم يصم آذانه عن مشاكلنا. زادت الانتقادات بعد أحداث انديجان، ولكن أوزبكستان لا تريد الإنصات". ويبرر الرئيس كريموف تلك الأحداث بقوله انه يحمي البلاد من المتشددين الاسلاميين الذين يقول انهم يحاولون إطاحته وإقامة دولة الخلافة الإسلامية، نافياً إطلاق جنوده الرصاص على المدنيين في أنديجان. ويشير الى ان 187 شخصاً قتلوا وكانوا إما من الشرطة وإما من"الإرهابيين". وغرقت أوزبكستان في مزيد من العزلة بعد تلك الأحداث وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليها. ويعتبر المراقبون اوزبكستان أكثر دول آسيا الوسطى إفادة من حرب واشنطن على"الإرهاب الدولي"، فقد كانت في طليعة دول العالم التي استضافت على أراضيها قوات أميركية قرب الحدود الأفغانية في منطقة خان آباد، كما أن المساعدات الأميركية كانت متواصلة إلى أوزبكستان طوال السنوات الماضية التي تلت الحرب على أفغانستان. ويبدو أن الرئيس كريموف أدرك أن شراكته مع واشنطن لم تعد كافية لضمان استمرار سلطة نظامه، ولا سيما بعد سيناريو الثورة الملونة الناجح للمعارضة القيرغيزية، لذلك عاد من جديد الى أحضان روسيا، وتحديداً عبر بوابة منظمة شنغهاي للتعاون. من جانب آخر، يرى مراقبون أن السلطة في أوزبكستان زادت من سيطرتها على الشعب بعد الثورات الملونة لشعورها بأن هذه الحمى ستطاول نظامها، فقد أشارت منظمات حقوقية مستقلة إلى أن عدد أفراد الشرطة الأوزبكية يصل إلى سبعمئة ألف رجل، وهو أضعاف عدد رجال الجيش، إضافة إلى الفقر والأوضاع الاقتصادية المتردية والحال الاجتماعية السيئة. ماذا عن الحال السياسية السائدة في اوزبكستان؟ كانت أوزبكستان الواقعة على طريق الحرير التجاري القديم الذي كان يربط بين الصين والإمبراطورية الرومانية، قطباً اقليمياً رئيساً انتعشت فيه التجارة والثقافة والعلوم، لكنها اليوم واحدة من أفقر دول الاتحاد السوفياتي السابقة، على رغم أنها ثاني أكبر دولة مصدرة للقطن في العالم، كما أنها تمتلك مخزوناً لا بأس به من احتياطات النفط والغاز التي جذبت انتباه الاتحاد الأوروبي. وتعتبر أوزبكستان الدولة ذات الثقل الأكبر ديموغرافياً وتاريخياً في آسيا الوسطى، ويشكل العرق الأوزبكي غالبية سكانها، فيما يدين أكثر من 88 في المئة من الشعب بالإسلام. ويقول مراقبون مهتمون بشوؤن آسيا الوسطى ان في الوقت الذي يعيش ثلث السكان البالغ عددهم 27 مليون نسمة تحت خط الفقر، بدأ الشعور بعدم الرضا يقضي على ما تبقى من استعداد للإذعان للسلطة لمصلحة استقرار البلاد التي يوجد فيها ما يصل الى ثمانية آلاف سجين سياسي، كما تقول منظمات حقوقية محلية. ويقول سرعت اكراموف:"هذا ما يفعله النظام الشمولي... انه ينشئ مجتمعاً تُنتهك فيه حقوق الناس في مقابل تعمد إبقاء الناس فقراء". وشهدت اوزبكستان في 23 كانون الأول ديسمبر العام الفائت انتخابات رئاسية، انتقدتها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بسبب"افتقارها الى الشروط الديمقراطية". فهي كانت مثل انتخابات بقية دول آسيا الوسطى بشكليتها وسهولة التنبؤ بنتائجها. وحصل الرئيس اسلام كريموف على أصوات 13 مليون ناخب في تلك الانتخابات التي شارك فيها 14 مليوناً و765 ألفاً و447 ناخباً، ليفوز بنسبة 88 في المئة لولاية رئاسية جديدة مدتها سبع سنوات. وعلى رغم ان الانتخابات في الدول"الشمولية"لا تحمل أهمية كبرى، الا ان انتخابات اوزبكستان هذه المرة كانت لها أهمية خاصة، إذ لم تجر قط في جمهورية اوزبكستان انتخابات اعتبرها المراقبون الدوليون حرة ونزيهة. وكانت الساحة السياسية في عموم آسيا الوسطى شهدت نقاشاً واسعاً من جانب المراقبين ? في ظل الصمت الإعلامي الكامل في داخل أوزبكستان - منذ انتهاء مدة رئاسة كريموف في 22 كانون الثاني الماضي حول من يمكن أن يخلفه في الحكم، وهل يُتوقع أن يتخلى كريموف عن الرئاسة بناء على ما ينص عليه الدستور الأوزبكي المعدّل من الحكومة الأوزبكية نفسها. فالرئيس الاوزبكي لم يكن يحق له الترشح في تلك الانتخابات، بحسب الدستور الاوزبكي، الذي يحدد فترتين رئاسيتين فقط لكل رئيس، وأنهى كريموف فترته الرئاسية الثانية في كانون الثاني الماضي. وسبقت الانتخابات تكهنات عدة، إذ أشار البعض الى نية كريموف البقاء في السلطة من دون انتخابات رئاسية، فيما ذهب آخرون الى انه سيلجأ الى تعديل دستوري. وإذا أخذنا في الاعتبار تاريخ منطقة آسيا الوسطى في هذا السياق، فكريموف سيتمكن من التغلب على اي عوائق دستورية والحفاظ على السلطة. كان في استطاعته تكرار تجربته بإجراء استفتاء لتمديد فترة الرئاسة كما فعل عام 1995، بإضافة إمكان الإفادة من تجربة الدولة الجارة تركمانستان عندما أعلن برلمانها الرئيس الراحل سابار مراد نيازوف رئيساً مدى الحياة، فيما ذهب كثيرون ولا سيما بعد تحديد الحكومة الاوزبكية موعد الانتخابات الرئاسية الى ان كريموف سيستفيد من تجربة الرئيس الكازاخستاني نور سلطان نازارباييف، بإجراء تعديل دستوري لا يحدد عدد فترات الرئاسة، الأمر الذي يمكنه عملياً من البقاء رئيساً مدى الحياة. وجاء حسم معظم التكهنات عندما أعلن حزب أوزبكستان الليبرالي الديموقراطي في منتصف تشرين الأول أكتوبر الماضي الرئيس إسلام كريموف مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية، وبالطبع قبلت اللجنة المركزية للانتخابات أوراق ترشيح كريموف. والغريب أنه لم يصدر أي تصريح من كريموف حول الغطاء القانوني لهذا الترشيح، ولم يوجه اي استفسار رسمي كذلك حول هذا الترشيح. وهذا الصمت غير مستغرب في دولة مثل اوزبكستان. ويرى مدير الشؤون الآسيوية في المجموعة الدولية للأزمات روبرت تيمبلي أن"الساحة السياسية في أوزبكستان حافلة بالتناقضات والغموض، وعدم اهتمام الناس بمستقبل بلدهم يعكس مدى الخوف واليأس الذي يعيشون فيه". وعلى رغم ان كريموف واجه ثلاثة من المرشحين"المغمورين"في تلك الانتخابات، كان دخوله سباق الرئاسة يعني حسم النتيجة سلفاً لمصلحته، إذا نظرنا الى الانتخابات السابقة عام 2000 التي نافسه فيها مرشح واحد هو عبدالحفيظ جلالوف من حزب الشعب الديموقراطي الذي صرّح بعد الانتخابات بأنه هو نفسه اقترع لمصلحة كريموف. ويحكم كريموف أوزبكستان منذ عام 1989 عندما عُيّن سكرتيراً أول للحزب الشيوعي خلال الحقبة السوفياتية، وبعد استقلال أوزبكستان انتخب رئيساً عام 1991 وفقًا للدستور الذي كان يتيح له فترتين رئاسيتين مدة الواحدة 5 سنوات، إلا أنه أجرى استفتاء عند انتهاء ولايته عام 1995 مكّنه من تمديد ولايته الأولى خمس سنوات أخرى لتنتهي بحلول عام 2000 الذي أجريت فيه انتخابات رئاسية انتهت بفوزه بولاية ثانية، عدل فيها عام 2002 الدستور ليجعل الفترة الرئاسية 7 سنوات بدلاً من 5. وفي تقرير لمجموعة الأزمات الدولية بعنوان"أوزبكستان: الصِّدَام والغموض"جاء أن أوزبكستان لا تزال تشكل خطراً محدقاً على نفسها وعلى المنطقة كلها بعد مرور اكثر من ثلاثة أعوام على أحداث أنديجان.