وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أقوى رسالة تأييد لسلطات اوزبكستان وقال ان «بمقدورها ان تعتمد على روسيا في شكل تام»، وسط مؤشرات الى انطلاق تنافس روسي – أميركي على النفوذ في الجمهورية التي تواجه تحديات كبرى بعد رحيل الرئيس إسلام كريموف الذي حكم بقبضة من حديد لأكثر من 27 سنة وغيّب الأحزاب والحياة السياسية في البلاد. ووصل بوتين أمس، في زيارة لم تكن معدة سلفاً، الى اوزبكستان حيث توجه فوراً الى مدينة سمرقند ووضع اكليلاً من الزهور على قبر كريموف، وأكد ان الأخير «وضع اساساً صلباً لعلاقات استراتيجية بين بلدينا». وخاطب بوتين رئيس الوزراء الاوزبكي شفقات ميرزييف احد المرشحين البارزين لخلافة كريموف مشدداً على «أمل موسكو في ان يستمر نهج الرئيس الراحل. ومن جانبنا سنفعل ما بوسعنا لتأييد طريق التطور المتبادل، ودعم الشعب والقيادة في اوزبكستان. ويمكنكم الاعتماد علينا في شكل تام، كما تقضي العلاقة بين الأصدقاء المخلصين». وعلى رغم إعلان الكرملين أن زيارة بوتين «خاصة»، لكن سرعة التحرك الروسي أوحت بقلق موسكو من تفاقم التنافس بين الخلفاء المحتملين ودخول البلاد مرحلة من «الغموض»، اضافة الى بروز خطر «التدخل الأميركي» ومحاولة واشنطن تطبيع العلاقات مع طشقند بعد سنوات من الفتور. ويعد هذا العنصر أحد أبرز التحديات التي تواجه القيادة الأوزبكية الجديدة، وخصوصاً ما يتعلق بصعوبة المحافظة على نهج السياسة الخارجية السابق، عبر إقامة توازن دقيق في العلاقات مع كل من موسكووواشنطن. وكان البلدان تنافسا طويلاً للفوز بقواعد عسكرية في اوزبكستان، وانتصرت واشنطن جزئياً في العام 2001 عندما «التهمت» قاعدة «كارشي» السوفياتية السابقة التي تبعد 200 كيلومتر فقط من أفغانستان، لكنها عادت وخسرتها في العام 2005 عندما غضب كريموف على واشنطن بسبب انتقاداتها القاسية لأسلوبه في قمع احتجاجات واسعة قتل خلالها عشرات المعارضين في انديجان (جنوب شرق). واللافت ان كريموف، بعد إنهاء التواجد العسكري الأميركي في بلاده، ماطل طويلاً في منح امتيازات مماثلة للروس. وبرز التنافس بين موسكووواشنطن مباشرة بعد وفاة كريموف، بإعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما عن تعاطفه مع «شعب أوزبكستان»، وقال إن هذا البلد «سببدأ الآن فصلاً جديداً في تاريخه يكون فيه مكان للسيادة والأمن والمستقبل ويقوم على احترام حقوق جميع مواطنيه». هذه العبارات التقطتها موسكو بسرعة، ورأت فيها تلويحاً بدعم تغييرات ديموقراطية في أكثر البلدان انغلاقاً في العالم بعد كوريا الشمالية. ما دفع رئيس لجنة مجلس «الدوما» للشؤون الدولية أليكسي بوشكوف للتنبيه بأنه «لا مكان للولايات المتحدة في الفصل الجديد من تاريخ أوزبكستان». وكتب بوشكوف: «يعتقد أوباما أن أوزبكستان تفتتح فصلاً جدياً في تاريخها لكنه مخطئ إذا كان يظن بأنه سيكون لواشنطن دور فيه». مؤكداً أن على طشقند أن تسرع في تجاوز مرحلة «الغموض» في السلطة للمحافظة على «وضع الاستقرار الحالي». وأوفدت واشنطن المسؤول في الخارجية الأميركية دانيال روزنبلوم الى طشقند للتأكيد على «الالتزام المستمر في المحافظة على شراكتنا وتطويرها». لكن خبراء اعتبروا ان زيارة بوتين عمدت الى توجيه رسالة قوية الى الاميركيين بأن موسكو «لن تتخلى عن نفوذها في الجمهورية التي تحظى بأهمية جيوسياسية خاصة في آسيا الوسطى». ويعتبر خبراء أن بين التحديات الصعبة التي تواجهها طشقند في مرحلة ما بعد كريموف، تكمن في قدرة الزعيم الجديد على ضمان الاستقرار الذي فرضه كريموف طويلاً بهراوة غليظة، في ظل تدهور الأحوال المعيشية والصعوبات الاقتصادية الكبرى التي تواجهها البلاد، ومواجهة المعارضة التي ستسعى الى رفع رأسها مجدداً وتحريك انصارها في الشارع. كما يشكل الإرهاب تحدياً جدياً، وعانت اوزبكستان طويلاً من الخاصرة الرخوة امنياً في منطقة وادي فرغانة التي تتقاسمها مع طاجكستان وقيرغيزستان وظلت لسنوات طويلة معقلاً رئيساً لتصدير المتشددين في جمهوريات آسيا الوسطى.