تستعد أوزبكستان لتحولات جدية يكتنفها الغموض. بدأ ذلك مع خطاب الرئيس إسلام كريموف في الاجتماع المشترك للبرلمان بمجلسيه، الشيوخ والنواب، في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010. عرض كريموف، في شكل غير متوقع، الإصلاح السياسي الجذري، وعلى وجه الخصوص، إعطاء البرلمان سلطة الموافقة على ترشيح رئيس مجلس الوزراء، والتصويت بحجب الثقة عن الحكومة، كما اقترح إضافة مادة الى الدستور تنص على تسمية مرشحين لمنصب رئيس الوزراء من الحزب السياسي الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات البرلمانية. ويدور الحديث عن تحول أوزبكستان الى جمهورية بنظام رئاسي - برلماني، وهو أمر غير مألوف في دول آسيا الوسطى، وأشار الرئيس مرات عدة الى ضرورة تعزيز السلطة الرئاسية، فتكون صلاحية الرئيس غير مقيدة، وذكر قيرغيزستان كمثال على استحالة بناء دولة برلمانية في المنطقة وفشل الأفكار الديموقراطية البرلمانية فيها. وهذا المثال، في حد ذاته، يوضح الهاجس السياسي لدى الرئيس الأوزبكي. والسؤال هو: ماذا يريد الرئيس الدائم لأوزبكستان تحقيقه من خلال الإصلاحات السياسية؟ يتفق المراقبون على أن النظام القديم في أوزبكستان، القائم على ضوابط وتوازنات، بنيت في المقام الأول على الصراع بين العشائر والمجموعات المختلفة المقربة من الرئيس الأوزبكي، لم يعد يناسب كريموف، فهذا النظام لا يضمن له إمكان انتقال سلس للسلطة، بحسب السيناريو الذي يحتاجه، ويمكن القول اكثر من ذلك، انه في ظل النظام القديم، يمكن ان يخرج الصراع على خلافة كريموف عن السيطرة وينعكس بنتائج غير محسوبة على سلطة الرجل. ويرى خبراء اوزبكيون مستقلون امكان تطور الأوضاع باتجاهات عدة. في البداية ومن خلال انتخابات برلمانية، وبنتائج غير عادية، سيحصل الحزب الحاكم على معظم مقاعد البرلمان وتكون له غالبية ساحقة من النواب، ثم ستنتخب غولنارا كريموف، ابنة الرئيس، رئيسة لهذا الحزب، وسيؤمن لها ذلك سيطرة كاملة على البرلمان الجديد بصلاحيات كبيرة. لا توجد حالياً في اوزبكستان معارضة برلمانية، ولا يمكن ان تكون، بحسب المفهوم الغربي لمصطلح المعارضة. في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في كانون الأول (ديسمبر) 2010، سمح فقط للأحزاب الموالية للرئيس بالمشاركة، وحصل الحزب الليبرالي الديموقراطي على 53 مقعداً، وحزب الشعب الديموقراطي على 32 مقعداً، والحزب الديموقراطي (ميللي تيكلانيش) على 31 مقعداً، والحزب الديموقراطي الاجتماعي (ادالات) على 19 مقعداً، اضافة الى 15 عضواً يمثلون الحركة البيئية في اوزبكستان، و100 نائب في مجلس الشيوخ، يعين 16 منهم الرئيس كريموف في شكل مباشر. ويشير الكثير من المراقبين الى قلق كريموف الاب من قدرة ابنته بمفردها على الاحتفاظ بالسلطة في حال حدوث موجة احتجاجات عنيفة، وبالتالي عليه البحث بنشاط عن شريك سياسي لابنته، يؤمّن في المقام الأول، الاتصال بينها وبين اجهزة السلطة. كما بات واضحاً في الحياة السياسية لهذا البلد، انتقاد كريموف الصريح لرئيس الوزراء شوكت ميرزاييف (الكثير من الخبراء يعتبرونه الخليفة الأوفر حظاً للرئيس الحالي)، وكذلك للمدعي العام في الدولة رشيد جان قاديروف. وتجدر الإشارة الى ان مدعي عام اوزبكستان، سياسي مخضرم، عين في منصبه هذا في عام 2000، وتم تعيينه في عام 2005 لفترة زمنية ثانية، وفي عام 2010 وقع الرئيس على مرسوم التجديد له لفترة جديدة. ولا يسمح كريموف حالياً للأجهزة الأمنية بتوطيد علاقاتها في ما بينها خشية عملها المشترك. وسيطرت مجموعة ميرزاييف في الأشهر الأخيرة على النشاطات الاقتصادية في البلاد، وفي شكل خاص على الأسواق الاستهلاكية. وبرأي المحللين يمكن هذا التوسع التجاري ان يشكل منافسة لمجموعة روستم عظيموف نائب رئيس الوزراء الذي تسيطر مجموعته على البنوك الكبرى في اوزبكستان، والتي يتم من خلالها دفع ثمن البضائع المتداولة في الأسواق. ويربط المراقبون النقص المستمر لبعض السلع في اسواق اوزبكستان الاستهلاكية بالصراع بين مجموعات ميرزاييف وعظيموف الاقتصادية، وبات انصار رئيس الوزراء الحالي شوكت ميرزاييف، وفي شكل علني يدعونه رئيس المستقبل، وهو ما لا يعجب كريموف على الإطلاق. استقال ميرزاييف مرتين في عام 2006 وعام 2008، وفي كل مرة، كان رستم عظيموف المرشح الأوفر حظاً لرئاسة الحكومة في أوزبكستان. ويعني إقدام كريموف على إقالة ميرزاييف في هذا الوقت، كسر قواعد اللعبة السياسية، والاعتماد في شكل كبير على مجموعة عظيموف، وعلى نطاق اوسع، الاعتماد على عشيرة طشقند، في حين يبدو أن من الأفضل لكريموف، إضعاف ميرزاييف سياسياً، وإبقاؤه رئيساً للوزراء، وتنشيط مجموعة عظيموف، ويحقق بذلك هدفه في هذه المرحلة، بخلط الأوراق بين جميع اللاعبين، وإجبارهم على تشكيل مجموعات سياسية جديدة وكسب المزيد من الوقت. وتناقش بين الحين والآخر، منذ أوائل عام 2000، مسألة من سيكون خليفة محتملاً للرئيس إسلام كريموف، والاهتمام بذلك يزداد، كلما انتشرت شائعات جديدة حول صحته. ويشكك المراقبون بفرص انتقال سلمي للسلطة في اوزبكستان، بصرف النظر، عن هوية خليفته، وهذا يرجع إلى حقيقة أن النظام اليوم يعتمد على شخص واحد فقط، وبعد رحيله سيقوم خليفته بمحاولة تغيير لكامل فريقه. وسيكون مهدداً في الوقت نفسه من أصحاب النفوذ. واحتمال انتقال السلطة في أوزبكستان على غرار تركمانستان، منخفض جداً، فأوزبكستان جمهورية متقلبة للغاية، والدليل على ذلك الأحداث التي وقعت فيها في العقدين الفائتين. في شباط ( فبراير) 1999، تفجيرات في العاصمة طشقند أسفرت عن مقتل العشرات وإصابة المئات، وهجمات لحركة اوزبكستان الإسلامية في عامي 1999 و2000 وفي أيار (مايو) 2005 انتفاضة مسلحة في أنديجان قتل خلالها وفق تقديرات السلطات الأوزبكية نحو 169 شخصاً، ووفق المعارضة 745 شخصاً. و سلسلة من التفجيرات والهجمات المسلحة في ربيع وصيف 2009. ويرى مراقبون ان قرار رئيس أوزبكستان بدء تغييرات جذرية سببه أيضاً تدهور الوضع الاقتصادي السريع في البلاد، فوفق بيانات للشركات المالية الغربية استنفذت اوزبكستان احتياطيات النقد الأجنبي، واستيرادها المواد الغذائية قد يصبح موضع تساؤل ويؤدي في النهاية إلى اضطراب اجتماعي، وقد وضعت طشقند نفسها في مأزق من خلال اختيار سياسة اقتصادية انعزالية في فضاء ما بعد الاتحاد السوفياتي. وتعتبر أوزبكستان الدولة ذات الثقل الأكبر ديموغرافياً وتاريخياً في آسيا الوسطى، ويشكل العرق الأوزبكي غالبية سكانها (البالغ عددهم 27 مليون نسمة)، فيما يدين أكثر من 88 في المئة من الشعب بالإسلام. ويحكم كريموف أوزبكستان منذ العام 1989 عندما عُيّن سكرتيراً أول للحزب الشيوعي خلال الحقبة السوفياتية، وبعد استقلال أوزبكستان انتخب رئيساً عام 1991 وفقًا للدستور الذي كان يتيح له فترتين رئاسيتين مدة الواحدة 5 سنوات، إلا أنه أجرى استفتاء عند انتهاء ولايته عام 1995 مكّنه من تمديد ولايته الأولى خمس سنوات أخرى لتنتهي بحلول عام 2000 الذي أجريت فيه انتخابات رئاسية انتهت بفوزه بولاية ثانية، عدل فيها عام 2002 الدستور ليجعل الفترة الرئاسية 7 سنوات بدلاً من 5، ثم أعيد انتخابه في أواخر 2007. ويرى مدير الشؤون الآسيوية في المجموعة الدولية للأزمات روبرت تيمبلي أن «الساحة السياسية في أوزبكستان حافلة بالتناقضات والغموض، وعدم اهتمام الناس بمستقبل بلدهم يعكس مدى الخوف واليأس لديهم».