لم ترق مواقف "المستشار الروحي" للمرشّح الديموقراطي باراك أوباما القس جيريمايا رايت، الثائرة بمعظمها على السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط وأوضاع السود في الولاياتالمتحدة، للناخب الأميركي أمس ما دفعه الى الاستقالة من الحملة بعد تسريب عظات له"تلعن"أميركا وتلوم سياسات البيت الأبيض على اعتداءات 11 أيلول سبتمبر، وتفخر بلقاء الزعيم الليبي معمر القذافي. وطرحت المسألة علامات استفهام حول مدى تأثر أوباما بأفكار القس الذي صادقه منذ 20 سنة ويعتبره"عماً كبيراً"له. وبعد أقل من 48 ساعة على تسريب قناة"أي بي سي"لقطات من عظات القس رايت في كنيسة"الثالوث الأوحد"في مدينة شيكاغو، والتي يهاجم فيها بشدة السياسة الخارجية الأميركية في"هيروشيما وجنوب افريقيا وحيال الفلسطينيين"، ويفسر اعتداءات 11 أيلول كنتيجة لهذه السياسات، اضطرت حملة المرشح الأفريقي - الأميركي الى تنحية رايت من منصبه كمستشار"روحي"لأوباما. ولم يكن كافياً تبرّي أوباما من تصريحات قسه وإدانتها، اذ انهالت الأسئلة حول ارتباطه بالمرشّح للرئاسة، ووصفه له ب"الصديق الملهم"و"العم الأكبر"الذي احتضنه ضمن الأقلية الأميركية - الأفريقية في كنيسته التي لا تضم أي أعراق أخرى. كما استعار أوباما عنوان كتابه"جرأة الأمل"من أحد عظات رايت، وبارك الأخير زواجه بميشال أوباما عام 1992. وأثار رصيد رايت سخطاً لدى اليمين المحافظ وخصوصاً توجهه في ثمانينات القرن الماضي مع زعيم الأمة الإسلامية - الأميركية لويس فرخان الى ليبيا ولقائه القذافي. وتأتي قضية رايت في وقت أخذ فيه السباق الديموقراطي بين أوباما ومنافسته هيلاري كلينتون منعطفاً سلبياً وهجوماً حاداً متبادلاً بين المرشحين، أدى الى تآكل شعبيتهما في وجه المرشح الجمهوري جون ماكين. وفرضت المدة الطويلة للسباق واقتراب حسم النتائج بين أول امرأة تترشح لمنصب الرئاسة والأميركي - الأفريقي الطامح للجلوس على كرسي البيت الأبيض، انشطاراً داخل الحزب وانقسام الناخب الديموقراطي بينهما. وفيما تحاول حملة كلينتون اثبات قوتها الانتخابية في الولايات الكبيرة والحاسمة أوهايو، فلوريدا، كاليفورنيا لإقناع قيادة الحزب بترشيحها على رغم تراجعها في عدد المندوبين، تحذّر حملة أوباما من هكذا سيناريو وتداعياته على وحدة الحزب وخصوصاً دور الأقلية الأميركية - الأفريقية فيه. وبانتظار المحطة التالية للانتخابات في بنسلفانيا، حيث تتقدم كلينتون بفارق شاسع، دخلت الحملتان في سجال عنيف شمل مسائل العرق والمذهب والخبرة السياسية، ما عزز موقع الجمهوريين في المنافسة. وتشير استطلاعات رأي أجريت أخيراً الى تقدّم ماكين على كلينتون وأوباما في ولايات أوهايو وبنسيلفانيا وفلوريدا، التي لطالما كان لها الكلمة الأخيرة في حسم اسم الرئيس الأميركي. وبدأ ماكين أمس على رأس وفد نيابي زيارة رسمية الى الشرق الأوسط وأوروبا لإبراز صفاته القيادية، من محطاتها بغداد والقدس وعمان ثم باريس ولندن. ويرافق ماكين السناتور المستقل جوزيف ليبرمان والسناتور ليندسي غراهام وهما من الأسماء المتشددة في الأمن القومي والسياسة الخارجية التي يتبناها المرشح. وكان من المقرر أن يقوم أوباما بزيارة مماثلة الى الشرق الأوسط، الا أن متاعب الداخل الانتخابية وفشله في حسم السباق مع كلينتون، دفعته الى تأجيل جولته. من جهتها، تستعد كلينتون الى إلقاء خطاب محوري حول الحرب في العراق اليوم، وتحاول التركيز في تجمعاتها الانتخابية على رصيدها في السياسة الخارجية ومعرفتها الشخصية بالقيادات الدولية منذ كانت سيدة أولى، وتلقيها أخيراً اتصالًا هاتفياً من الملك الأردني الملك عبدالله الثاني خلال زيارته لواشنطن.