أصبحت خطة واشنطن ل"الانتصار"في أفغانستان جاهزة: تعزيز القوات بثلاثين ألف عسكري أميركي، بعدما رفضت معظم دول الحلف الأطلسي المساهمة في زيادة عديد جنودها. وتسليح القبائل وإعطاء زعمائها صلاحيات واسعة للإشراف على مسلحيهم و"تنمية"مناطقهم. والحوار مع"طالبان"لمواجهة"القاعدة"والمقاتلين الأجانب. أي دعم العمل العسكري بتحرك سياسي. هي خطة قائد القيادة المركزية الجنرال ديفيد بترايوس ينقلها من العراق إلى أفغانستان. في العراق عزّز قواته، وشكل"قوات الصحوة"من مقاتلي العشائر، وأسند مهمات إلى زعمائها، وتكفل بدفع رواتب المسلحين، ثم ضغط على الحكومة لاستيعابهم في الجيش والشرطة، وفي وظائف مدنية. نجحت الخطة في عزل"القاعدة"عن محيطها السني، وسهلت ضربها في معاقلها التقليدية. لكن انفكاك العشائر من حول التنظيم، على أهميته، لم يكن العامل الوحيد الذي ساهم في ضربه، إذ كان رفض العراقيين لمحاولات فرضه نظاماً إسلامياً متشدداً في المناطق الخاضعة لسيطرته، وتأجيجه الحرب الأهلية عاملاً آخر مهماً في عزله. لكن نجاح الخطة في العراق لا يعني أنها ستنجح في أفغانستان. لكل من البلدين خصوصيته، فقد أكدت التطورات السياسية في العراق أن المجتمع الأهلي تحكمه الأعراف المذهبية والدينية، وكان تدخل الدول المجاورة، خصوصاً إيران، في الشؤون العراقية نابعاً من مصالح قومية، تتخذ التقارب المذهبي حجة، وليس بين البلدين اختلاط قبلي، في حين أن التداخل القبلي بين أفغانستانوباكستان يستعصي على أي محاولة لاختراقه. ومعروف أن معظم مقاتلي وقادة حركة"طالبان"من قبائل البشتون، المنتشرة على جانبي الحدود بين البلدين. وليس أدل على متانة العلاقات بينها من مؤتمر لويا جيركا يعقد في إسلام آباد، نصف أعضائه من باكستان والنصف الآخر من أفغانستان، للبحث في الأوضاع على الحدود، وفي إقناع"طالبان"بالحوار مع سلطة حميد كارزاي في كابول، بعدما أعطاه الأميركيون الضوء الأخضر، متمثلين الحوار بين السنة والحكومة المركزية في بغداد. الواقع أن تهوّر إدارة الرئيس جورج بوش، منذ البداية، بشن الحرب على العراق وإهمال أفغانستان أتاح ل"طالبان"الوقت الكافي لإعادة تسليح نفسها وتنظيم صفوفها، والسيطرة على معظم طرق الإمداد. يقدر"المركز الدولي للتنمية والأمن"ان مقاتليها يستطيعون التحرك بحرية في خمسة وسبعين في المئة من مساحة أفغانستان، فضلاً عن الحماية والدعم اللذين يؤمنهما اتصالهم بقبائل البشتون عبر الحدود الباكستانية، وشنوا في الفترة الأخيرة هجمات مدمرة على كابول. السعي الأميركي إلى الحوار مع"طالبان"ودفع باكستان إلى التدخل، بالقوة مرة، وبالسياسة مرات، يشيران إلى أن القيادة العسكرية الأميركية التي تداركت حماقات البيت الأبيض في العراق، واستطاعت التوصل إلى اتفاق يؤمن لقواتها انسحاباً يحفظ ماء وجهها، هي ذاتها القيادة التي تسعى إلى تأمين انسحاب مماثل من أفغانستان، وليس إلى انتصار. لكن ما زال الوقت مبكّراً فأمام هذا المسعى الكثير من الصعوبات، أهمها قبول"طالبان"بالحوار والمقدرة على تلبية شروطها للمشاركة في الحكم، بعد فصلها عن"القاعدة"، والدوس على حقوق الإنسان وتحرير المرأة من العبودية، وباقي القيم التي احتلت أفغانستان تحت شعاراتها. نشر في العدد: 16703 ت.م: 27-12-2008 ص: 15 ط: الرياض