في الكلمة التي ألقاها رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" أمام "المؤتمر الوطني الفلسطيني" الذي عقد في دمشق يوم الأربعاء الماضي، دعا خالد مشعل إلى مواصلة الغضب الشعبي والعربي ضد إسرائيل حتى فك الحصار عن قطاع غزة. وكانت تلك الدعوة بمثابة صفارة الانطلاق لعشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين كسروا الحصار وتدفقوا على مدن رفح والعريش والشيخ زويد بعدما دمر مسلحون أجزاء من الجدار الأسمنتي الفاصل بين قطاع غزة ومصر. وعندما ذكر خالد مشعل في كلمته"الغضب العربي"، كان يعلم أن الاتصالات التي أجرتها قيادة"حماس"مع الأحزاب المعارضة في الدول العربية قد أثمرت. لذلك مهد لها المرشد العام لجماعة"الاخوان المسلمين"في مصر محمد مهدي عاكف، بتظاهرات واسعة أدت إلى صدامات واعتقالات في القاهرة والاسكندرية ومدن أخرى. وتزامنت حركة الاحتجاج مع صدور بيانات رسمية وشعبية في مختلف العواصم العربية التي عبّرت عن سخطها بواسطة أحزاب المعارضة، أو بواسطة أحزاب الموالاة، مثلما فعل"حزب المؤتمر الوطني"بزعامة الرئيس السوداني عمر البشير. تقول الصحف المصرية إن الرئيس حسني مبارك حذّر رئيس وزراء إسرائيل ايهود أولمرت ووزير الدفاع ايهود باراك من عواقب الشلل الذي أحدثه قرار منع وصول إمدادات الوقود إلى محطة الكهرباء الرئيسية. كما حثهما على ضرورة ازالة الحصار لأن قوات مكافحة الشغب لا تستطيع اقفال"معبر رفح"أمام المرضى المحتاجين لعمليات جراحية عاجلة، أو أمام قوافل الاغاثة المتجهة نحو القطاع. من جهة أخرى، اتصل خالد مشعل بوزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، طالباً تدخله لرفع الحصار. وقد أجرى الوزير اتصالات مع أطراف اللجنة الرباعية الدولية، بالإضافة إلى وزراء خارجية كل من ايطاليا واسبانيا وبريطانيا والمانيا. وربطت إسرائيل عملية الحصار والغارات الجوية بوقف الهجمات الصاروخية من القطاع على المستوطنات الإسرائيلية. في تعليقه على هذا الشرط، أكد خالد مشعل في حديث لقناة"الأقصى"التابعة لحركة"حماس"، أن اطلاق الصواريخ لن يتوقف إلا بزوال الاحتلال. وكان بهذا الموقف يعبّر عن رأي"الجهاد الإسلامي"أيضاً، بأن قرار مواصلة الهجمات الصاروخية هو جزء من خطة تحرير الأرض، وليس أداة ضغط لرفع الحصار عن قطاع غزة. في سياق تقويم الأحداث الأخيرة، أجمعت الصحف الإسرائيلية على القول إن رئيس السلطة الفلسطينية قد يفقد سلطته على الضفة الغربية مثلما فقدها سابقاً على نصف البلاد عقب الانقلاب الذي قامت به"حماس"في قطاع غزة. ووصفت جريدة"هآرتس"وضعه المقلق بأنه أشبه بوضع محام جردوه من أوراق المساومة. والسبب أن خالد مشعل أصبح هو وريث ياسر عرفات لأنه سيحتكر عملية السلام. في حين تقوم إسرائيل بتعرية شريكها حتى من ورقة التين. وأكبر دليل على ذلك، أنها أعلنت هذا الأسبوع عن حصول بلدية القدس على الموافقة القانونية اللازمة لبناء نحو 2500 مسكن في القدسالشرقية. علماً بأن الوفد الفلسطيني المفاوض في أنابوليس اعترض على ضم أحياء الاستيطان قبل الاتفاق على الحل النهائي. أثناء وجوده في برلين هذا الأسبوع، أعلن رئيس الحكومة الفلسطينية سلام فيّاض، أنه من الضروري فتح المعابر مع قطاع غزة وتسليم عملية ضبط الأمن إلى السلطة الفلسطينية بحيث يتمكن مليون ونصف المليون نسمة من العيش بكرامة إلى حين انتهاء الاحتلال. ويفترض سلام فياض ان مؤتمر أنابوليس سينجح في تجسير الخلافات العميقة، كما وعد الرئيس جورج بوش، وان الرشقات الصاروخية على مستوطنات"سديروت"يجب ان تتوقف لمدة سنة بانتظار انجاز التسوية. وهذا يعني ان"فتح"واثقة من نجاح العملية السياسية، الأمر الذي يدفعها الى طلب تأجيل معركة تحرير الأرض. ويبدو ان هذا الخيار لم يعد مطروحاً في المرحلة المقبلة، ما لم تتم المصالحة بين"حماس"و"فتح"وبين عباس ومشعل. ويظهر ان"حماس"أظهرت بعض الليونة حول هذا الأمر، خصوصاً عندما أبدى رئيس الوزراء المُقال اسماعيل هنية استعداده لعقد اجتماع طارئ في القاهرة من أجل تنظيم عمليات المعابر مع"الاخوان في رام الله". ورد على اقتراحه رئيس كتلة حركة"فتح"البرلمانية عزام الأحمد، برفض كل لقاء مع من"لا يلتزم الشرعية التي يشكل محمود عباس رأسها". خلال جولتها السابقة في الشرق الأوسط، أكدت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، استبعاد انضمام"حماس"الى أنابوليس لأنها رفضت نبذ الارهاب. وكان الاتحاد الأوروبي قد وضع"حماس"على قائمة المنظمات الارهابية بضغط من الولاياتالمتحدة. وانتقد في حينه أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى، هذا التصنيف، وقال ان"حماس"فازت بانتخابات شرعية حرة، وأن ضمها الى قائمة الارهاب جاء لأسباب سياسية لا قضائية. ذلك ان المنظمات المعنية لم تجد حتى الآن تعريفاً قانونياً يميز بين الارهاب وبين مقاومة الاحتلال. لذلك طالب موسى بضرورة اعادة تشكيل حكومة وحدة وطنية انطلاقاً من"اتفاق مكة"الذي رعاه الملك عبدالله بن عبدالعزيز. الخارجية المصرية ترى ان المسألة الفلسطينية كالمسألة اللبنانية، ليست بعيدة عن التجاذبات الدولية، وعن تأثير ايران ايضاً. وهي تذكر بالخطاب الذي القاه المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية علي خامنئي، ودعوته الى مقاطعة مؤتمر السلام في أنابوليس، وأثنى على موقف"حماس"لأنها اختارت المقاومة سبيلاً لتحقيق النصر. وقال ان الولاياتالمتحدة تريد انقاذ النظام الصهيوني الذي تلقى صفعة من"حزب الله"خلال حرب صيف 2006. وحول موقف ايران وتشجيعها"حماس"و"الجهاد الاسلامي"على مقاطعة مؤتمر السلام، علقت الخارجية المصرية بالقول:"ان ايران دولة لها مشاكل مع العالم الغربي بسبب ملفها النووي. وهي راغبة في حماية نفسها من خلال جمع أكبر عدد من الأوراق. لذلك نراها تستخدم أوراقاً عربية من أجل تحقيق مصالح وأهداف غير عربية". عدد من المعلقين اللبنانيين أشار إلى دور سورية المؤثر في خلق المتاعب الأمنية لمصر بهدف ارغامها على التخلي عن دور الشريك في حل أزمة الرئاسة اللبنانية. ويرى هؤلاء أن دعوة الحكومة المصرية وإصرارها على تسهيل عملية انتخاب الرئيس، دفعا دمشق إلى تسريع حركة الانفجار الشعبي في غزة، لعل مصر تنشغل عن لبنان بمشكلة أصبحت جزءاً من أمنها القومي. رئيس الوزراء المُقال هنية يؤكد ظهور وضع جديد في قطاع غزة يتعارض مع سياسة الحصار التي مارستها اسرائيل ضد"حماس"بالتعاون مع السلطة في رام الله. وهو يتوقع من الدول العربية المشاركة في حل لا يخضع لقيود مؤتمر السلام، ولا يسمح بتكرار إقفال المعابر. وقد دعمه في هذا الخط السياسي خالد مشعل الذي وافق مبدئياً على تشكيل حكومة وحدة وطنية، شرط الالتزام بميثاق"حماس"، أي الميثاق الذي أعلن سنة 1987 وارتكزت بنوده على مواصلة الكفاح المسلح ضد الدولة اليهودية. في ضوء الأحداث الأخيرة، بدأت الدول العربية تبحث عن حلول سياسية ناجعة يمكن من خلالها تحاشي الأخطاء التي شلّت لبنان وتركته رهينة الصراعات الاقليمية والدولية. الحل الأمني اقترحه رئيس الحكومة سلام فياض، الذي أقنع المستشارة الألمانية انغيلا ميركل، بضرورة تسليم مراقبة المعابر الى الشرطة الفلسطينية. ولكن هذا الاقتراح سيقابل بالرفض من قبل"حماس"لأن حكومة السلطة لا تعترف بها، وتعتبرها حكومة غير شرعية استولت على الحكم بقوة السلاح. ومثل هذا التصور لا يختلف كثيراً عن تصور أميركا واسرائيل اللتين تستغلان السلطة الفلسطينية من أجل استكمال البناء في أحياء شرق القدس. الحكومة المصرية ترفض الاستئثار بعملية مراقبة"معبر رفح"وتفضل مشاركة قوات عربية بهذه المهمة الصعبة. ولكنها في الوقت ذاته تؤيد قرار تسليم المعابر للسلطة الفلسطينية. الحكومة الاسرائيلية مرتبكة حيال المعالجات المطروحة، خصوصاً أن جولة الرئيس بوش للمنطقة كانت فاشلة بالنسبة لمطلبها الأساسي. أي استقطاب موقف عربي موحد يعفيها من مسؤولية ضرب المنشآت النووية الايرانية. وبما أن ايهود اولمرت يتوقع انفراط وزارته بسبب تقرير لجنة فينوغراد، فقد عهد الى وزير الدفاع باراك بأن يتولى هو اجتراح الحل. الاقتراح الذي قدمه ايهود باراك تحت عنوان"عملية جراحية"لاقى معارضة رئيس الحكومة وغالبية الوزراء. وهو يقضي باجتياح غزة مرة ثانية والعمل على"تنظيفها"من ميليشيات"حماس"و"الجهاد الاسلامي"، على أن يلي ذلك ادخال قوات دولية تحل محل الجيش الاسرائيلي لمدة سنتين. وطلب مناقشة اقتراحه مع اللجنة الرباعية ومع مصر والاردن. وتشير المعلومات الى موافقة اولمرت على الشق الثاني من الاقتراح - أي ادخال قوات دولية - لتخوفه من أن تغرق قواته بمستنقع غزة كما غرقت في لبنان صيف 2006، خصوصاً أنه يشكك في نيات الوزير باراك ويتهمه بالتآمر عليه بغية الجلوس في كرسي رئاسة الحكومة! * كاتب وصحافي لبناني