مع تسارع التطورات التقنية، والتحولات الجذرية التي غيرت من وجه الإعلام بالكامل، مما تجاوزت تحسين الأدوات والمنصات، لتعيد تشكيل مفهوم الإعلام نفسه، مستندًا إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI)، والواقع الافتراضي (VR)، وابتكارات جديدة تخلق تجارب إعلامية غير مسبوقة. في المملكة، نعيش مرحلة تحول رقمي غير مسبوق ضمن رؤية 2030، لذا بدأت ملامح المستقبل الإعلامي في الظهور، وتُظهر التقارير أن سوق الإعلام الرقمي في المملكة ينمو بمعدل سنوي مركب يزيد على 8 %، مع توقعات بأن تتجاوز قيمة هذا السوق 25 مليار ريال بحلول نهاية العقد، هذا النمو مدفوع بالاستثمار الحكومي في التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي الذي يُعتبر أحد الركائز الأساسية لرؤية السعودية. الذكاء الاصطناعي بات جزءًا لا يتجزأ من الإعلام، إذ يتم استخدامه اليوم لتخصيص المحتوى للجمهور بناءً على تحليلات دقيقة لسلوكهم واهتماماتهم، على سبيل المثال، تُستخدم أنظمة التوصية الذكية مثل تلك التي تعتمد عليها منصات ك"نتفليكس" و"يوتيوب" لتقديم محتوى يتماشى مع تفضيلات المستخدمين، ويُتوقع -في المستقبل القريب- أن تصبح هذه الأنظمة أكثر تطورًا، قادرة على تقديم محتوى مُصمم خصيصًا لكل فرد بناءً على بياناته الشخصية وسياقه اليومي. في السياق العالمي، يتوقع يساهم الذكاء الاصطناعي في رفع إنتاجية الإعلام بنسبة 30 % على الأقل، وفقًا لتقارير "ماكينزي"، فمن خلال أدوات التحرير الذكية وتقنيات توليد النصوص والصور، أصبحت المهام الإعلامية أسرع وأكثر دقة. الصحافة الروبوتية، على سبيل المثال، قادرة بالفعل على كتابة مقالات إخبارية في غضون ثوانٍ، وسيشهد المستقبل مزيدًا من الاعتماد عليها لتغطية الأخبار العاجلة وإعداد تقارير متعمقة. من ناحية أخرى، يمثل الواقع الافتراضي والواقع المعزز (AR/VR) أحد أبرز التطورات التقنية التي ستُحدث ثورة في كيفية استهلاك الجمهور للمحتوى الإعلامي، فلك أن تتخيل أن تُشاهد نشرة الأخبار وأنت "داخل" مواقع الأحداث بفضل تقنيات الواقع الافتراضي، أو أن تشارك في قصة إخبارية تتفاعل معك وتتيح لك اتخاذ قرارات تُغير مجريات الأحداث، هذه ليست مجرد خيالات علمية، بل نماذج يتم العمل عليها حاليًا من قبل شركات كبرى مثل "ميتا" و"مايكروسوفت". ففي المملكة، بدأ استخدام الواقع الافتراضي في مجالات مختلفة، منها التعليم والترفيه، ويُتوقع أن يتم دمجه قريبًا في إنتاج المحتوى الإعلامي، خاصة في ظل توجه المملكة لتصبح مركزًا عالميًا للابتكار في هذه التقنيات، والابتكار الإعلامي في 2030 لن يكون مقتصرًا على تحسين التجارب الفردية، بل سيُغير أيضًا في هيكلة المؤسسات الإعلامية نفسها. وتشير الدراسات إلى أن أكثر من 60 % من الوظائف الإعلامية التقليدية قد تتغير أو تندمج مع أدوار جديدة بفضل التقنيات الحديثة. في الوقت نفسه، يُتوقع أن تُخلق وظائف جديدة بالكامل، مثل مخرجي الواقع الافتراضي أو محرري الذكاء الاصطناعي. يُتوقع أن يُسهم التحول الرقمي في زيادة الاستثمارات في الإعلام الرقمي بنسبة 50 % مقارنة بالعام الحالي، مدعومًا بتوسع قاعدة المستخدمين وانتشار تقنيات الجيل الخامس (5G)، والمملكة كأكبر اقتصاد عربي، ستكون في مقدمة الدول المستثمرة في الإعلام الجديد، حيث يتم تطوير منصات رقمية محلية تُنافس نظيراتها العالمية، مع التركيز على تقديم محتوى عربي أصيل. على الصعيد العالمي، تتجه الصناعة الإعلامية نحو نموذج جديد يُعرف ب"الإعلام التفاعلي"، حيث يصبح الجمهور جزءًا من القصة بدلاً من أن يكون مجرد متلقٍ سلبي، تقنيات مثل البث التفاعلي والألعاب الإعلامية ستتيح للمستخدمين التفاعل المباشر مع المحتوى وصناعته، وهذا التحول سيغير العلاقة بين الجمهور والإعلام، مما يجعلها أكثر ديناميكية وتشاركية. من التحديات التي سترافق هذه التطورات التقنية، تبرز مسألة الأخلاقيات والخصوصية. مع اعتماد الإعلام على الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، يُثار سؤال حول كيفية حماية خصوصية المستخدمين ومنع إساءة استخدام بياناتهم، ففي هذا السياق، تعمل الحكومات والمؤسسات الإعلامية على وضع إطار تنظيمي يُوازن بين الابتكار وحماية حقوق الأفراد. ختامًا، الإعلام في 2030 لن يكون مجرد وسيلة لنقل الأخبار أو الترفيه، بل منصة لخلق تجارب إنسانية متكاملة، فبتكامل تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي وغيرهما، سيُعاد تشكيل مفهوم الإعلام ليُصبح أكثر قربًا واندماجًا مع حياة الأفراد اليومية. ووطننا الغالي، برؤيته الطموحة واستثماراته الاستراتيجية، يقف على أعتاب قيادة هذا التحول في المنطقة، ليصبح ليس فقط مستهلكًا للتقنيات الحديثة، بل مُنتجًا ومُصدرًا للإبداع الإعلامي العالمي. * مستشار ومختص بالإعلام الرقمي