صعوبات التعلم بما فيها "عسر القراءة" لا تعتبر إعاقة ذهنية، ومعدل ذكاء أصحابها في اختبارات (الأي كيو) لا يقل عن 100 درجة، والإعاقة الذهنية تكون فيمن تتراجع درجاتهم عن 70 درجة، ولكنهم ونتيجة لذاكرتهم الضعيفة لا ينسجمون مع الأنظمة التعليمية القائمة على التلقين والحفظ، وهو أسلوب معمول به في دول عربية كثيرة بما فيها المملكة.. في دراسة سعودية نشرتها جامعة الملك سعود عام 2021، ذكر الدكتور إبراهيم أبو نيان، أن نسبة من يعانون من صعوبات التعلم في المملكة تصل لنحو 7 %، وفي 2018، كشف مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة، عن وجود 200 ألف طفل يعانون من هذه الصعوبات، وفي أكثر من 28 ألف مدرسة، والمختصون السعوديون يؤكدون وصول نسبتهم في الوقت الحالي إلى 46 % من إجمالي الإعاقات في الداخل السعودي، ولم أفهم عدم وجود أرقام من هيئة الإحصاء السعودية حول الموضوع، رغم أهميته، ولكنها ليست المرة الأولى، فقد سبق وأن سجلت عليها غيابها في قضايا مشابهة. عدد الطلاب ممن لديهم هذه المشكلة، وتتراوح أعمارهم ما بين ثلاثة أعوام و 21 عاماً، يقدر استنادا لبيانات مركز إحصاءات التعلم الأميركي لعامي 2019 و2020، بحوالي سبعة ملايين و300 ألف طالب، في مجمل الولايات الأميركية، وفي أستراليا وفرنسا يعاني 10 % من عسر القراءة أو الديسليكسيا تحديداً، وفق أرقام 2018 و2019، بينما يقدرون في كندا، بما نسبته 3,5 % من طلاب التعليم العام، و11 % من طلبة الجامعات، وذلك في عامي 2015 و2016، والمعاناة عالمية في رأي المختصين، فهناك واحد من كل خمسة أطفال يعانون من عسر القراءة، أو قرابة مليار إنسان حول العالم، وهو رقم كبير يحتاج لتعامل من نوع خاص، وللمعلومية كل الإحصاءات المعنية بهم، لا تمثل إلا الطلبة الملتحقين ببرامج لمعالجة صعوبات التعلم، والمعنى أن من هم خارج هذه الدائرة لا يدخلون فيها. عسر القراءة أو الديسليكسيا ليس جديدا، وتم أخذه من كلمتين يونانيتين، الأولى (ديس) وتعني صعوبة، والثانية (ليكسيا) ومعناها الكلمة المقروءة، وأول من استخدم هذا المصطلح، هو عالم الأعصاب الفرنسي ردولف برلين عام 1872، وبينت دراسة أجرتها جامعة كامبريدج البريطانية في 2022، أن المصابين بعسر القراءة، لديهم مهارات متطورة في الاكتشاف والاختراع والإبداع، وأنهم شموليون في رؤيتهم للأشياء، وتفكيرهم مستقبلى، وأعتقد بصحة هذه النتيجة، ومن الأمثلة، ليوناردو دافينتشي، الذي قدم رسما تخطيطيا لطائرة مروحية، قبل أربع مئة عام من اختراع الطائرة، أو في القرن الخامس عشر الميلادي، مع أن لديه صعوبات بالغة في القراءة والكتابة، ويكتب جملة معكوسة، ومعه بابلو بيكاسو، الفنان والرسام التكعيبي المشهور، وصعوبة استيعابه للرقم سبعة، لأنه يشبه أنف عمه بالمقلوب، وحتى المؤلفة والكاتبة أجاثا كريستي، صاحبة الروايات البوليسية، لم تكن تستطيع الكتابة والقراءة في طفولتها، بالإضافة إلى الشيف البريطاني المبهر جيمي أوليفر، والأخير لم تمنعه صعوبات التعلم، من إنجاز أكثر من ثلاثين كتابا في الطبخ، في سن الثامنة والأربعين. الديسليسكيا ليست شكلاً واحداً، ومن أشكالها، الديسبراكسيا أو عسر تنسيق الحركات، والديسكالكوليا أو عسر إجراء العمليات الحسابية من الذاكرة، وفي الدول الغربية، لا توفر مدارس التعليم العام خدمات تشخيصها مجاناً، والسبب هو تكلفتها التي تقدر ب700 دولار، مع أنها مهمة وضرورية في تحديد مسار الطالب في الحياة، والطريقة الأنسب للتعامل معه، وما يحتاجه من مساعدة تعليمية، خصوصا أن 40 % من هؤلاء لديهم صعوبة في تكوين صداقات، حتى في داخل أوساطهم العائلية. صعوبات التعلم بما فيها عسر القراءة لا يعتبر إعاقة ذهنية، ومعدل ذكاء أصحابها في اختبارات (الأي كيو) لا يقل عن 100 درجة، والإعاقة الذهنية تكون فيمن تتراجع درجاتهم عن 70 درجة، ولكنهم ونتيجة لذاكرتهم الضعيفة، لا ينسجمون مع الأنظمة التعليمية القائمة على التلقين والحفظ، وهو أسلوب معمول به في دول عربية كثيرة بما فيها المملكة، وبالتأكيد توجد محاولات لتغير هذا الواقع على المستوى المحلي، إلا أنها قد تأخذ وقتاً، وبالتالي فمن المستبعد الحصول قريباً على مبدعين من النوعيات السابقة، لأن النظام التعليمي يقف ضدهم، أو يحرمهم أحياناً من فرصة التعلم بحجة أنهم كسالى أو عنيدون أو مهملون، ويمارس التنمر عليهم في المحيط المدرسي، بينما هم في الحقيقة يفكرون خارج الصندوق، ويفهمون أكثر من الحفظة، الذين يرتبط تاريخ صلاحية المعلومات لديهم بأغراض معينة كالاختبارات، وفكرة اختزال العقل في الذاكرة تحتاج لمراجعة، لأنها لا تقدم رواد ومبدعين وإنما مقلدين. لا خلاف بأن ما ينجزه الشخص السليم في دقيقتين، ربما أخذ ممن لديه صعوبة تعلم 30 دقيقة، إلا أن جودة المخرج في الحالة الثانية لا يقارن بالأولى، وبالأخص في المرحلتين الثانوية والجامعية، وتوجد في أميركا مقاييس مقننة للتعامل مع ذوي صعوبات التعلم، تعمل على اختبار أدائهم الأكاديمي والاجتماعي والعاطفي، وقدراتهم اللغوية والمعرفية، ووظائفهم الحركية، وبصرف النظر عمن يتحمل تكلفتها، وفي المقابل، وزارة التعليم السعودية، لا تقيس إلا أداءهم الأكاديمي القائم على المنهج وحده، ولا بد من إقرار صيغة توافقية لإصلاح ما يحدث، إما بإنشاء مؤسسات تعليمية لذوي صعوبات التعلم، أو بتخصيص صفوف وشعب لهم في المدارس والجامعات، وبما يحول دون إخراجهم من العملية التعليمية بأكملها، أو إجبارهم على السفر لدول مجاورة، توفر فرص تعلم تحترم صعوباتهم.