في شحوب الفجر تسمع إيقاع المحركات البخارية تضرب التضاريس الوعرة حيث تعرجت القضبان الحديدية، مغيرة مسارها ومسار التاريخ إلى الأبد. روح الابتكار الجريء التي كانت وراء صخب السكك الحديدية المبكر، تنبض اليوم في همهمة هادئة لمراكز البيانات الحديثة. تعكس استثمارات الذكاء الاصطناعي الضخمة اليوم طموح التحول الأزلي حيث يبني الرواد كأسلافهم مسارات جديدة مرصوفة بالدوائر الإلكترونية إلى المستقبل. كما أعادت السكك الحديدية تعريف الاتصال والتجارة في القرن التاسع عشر، يستعد الذكاء الاصطناعي اليوم لإعادة تشكيل المشهد الاقتصادي الاجتماعي. كان بناء السكك الحديدية في الولاياتالمتحدة من أهم مشروعات البنية التحتية في تاريخها. كان دور المشروعات الخاصة حاسما في بناء شبكات السكك الحديدية وتشغيلها، والمشاركة الحكومية أساسية في توفير الدعم المالي ومنح الأراضي والرقابة التنظيمية. بمرور الوقت، تطورت العلاقة بين السكك الحديدية والحكومة، من تحفيز توسعها إلى تنظيم ميولها الاحتكارية ومحاولة إحيائها لاحقا في مواجهة المنافسة من وسائل النقل الأخرى. في أوائل القرن التاسع عشر، اعتمد النقل في الولاياتالمتحدة على القنوات المائية التي رغم فعاليتها في بعض المناطق، كانت بطيئة ومكلفة. مستوحين تجربة بريطانيا، بدأ رواد الأعمال وصانعو السياسات في أميركا النظر في إمكانات السكك الحديدية لربط مناطق البلاد مترامية الأطراف. عندها أنشئت أول سكة حديد أميركية، سكة حديد الجرانيت، في العام 1826م في ماساتشوستس، بعدها بسنة أنشئت سكة حديد بالتيمور وأوهايو، المستأجرة في العام 1827م، التي أصبحت أول خط ناقل مشترك لنقل الركاب والشحن. لعبت حكومات الولايات دورا مهما خلال هذه الفترة، حيث منحت المواثيق ومولت في حالات معينة مشروعات السكك الحديدية مباشرة. ومع ذلك، فشلت العديد من المشروعات التي مولتها الدولة لسوء الإدارة، مما أدى إلى التحول نحو الاستثمار الخاص. توسعت شبكة السكة الحديدة في خمسينيات القرن التاسع عشر بسرعة خصوصا في الشمال والغرب الأوسط. كانت القفزة الحقيقية على يد أبراهام لينكولن عندما وقع على قانون سكة حديد المحيط الهادئ لعام 1862م في مشروع يربط الولاياتالمتحدة من الساحل إلى الساحل. قدم القانون سندات اتحادية ومنح كبيرة للأراضي لشركات السكك الحديدية الخاصة، وفي المقام الأول سكة حديد المحيط الهادئ الاتحادية، التي تبني غربا من نبراسكا، وسكة حديد المحيط الهادئ المركزية، التي تبني شرقا من كاليفورنيا. مقابل كل ميل من المسار، تلقت شركات السكك الحديدية آلاف الفدادين من الأراضي الفيدرالية التي مكنها من بيعها للمستوطنين والشركات لتمويل البناء. تبدو لحظة دونالد ترمب في الإعلان عن مشروع ستارغيت الكبير لحظة تاريخية تذكر بقرار الرئيس لينكولن في قانون سكة المحيط الهادئ. بعد إلغاء قرار بايدن بتقييد الصادرات على تقنيات الذكاء الاصطناعي وإطلاق ستارغيت، يبدو أن مستقبل الدعم الحكومي مشرق وإن حف بالتحفظات التي ما زالت تشك في إمكانية تنفيذ هذا المشروع.