على رغم استمرار الأزمة العراقية بعناصرها السياسية والامنية المختلفة في عام 2007 كامتداد للأعوام التي اعقبت الاحتلال الاميركي لهذا البلد، فإن تحولات بدت وكأنها دراماتيكية حصلت ايضاً نتيجة تغير شكل العلاقات بين الاطراف المختلفة. فتنظيم"القاعدة"يتراجع ومعه تتقهقر"دولته"الوهمية، فيما تبرز العشائر للمرة للأولى كقوة جديدة على الأرض تحظى بأولوية اميركية في المناطق السنية، ويدق صراع القوى الشيعية جنوباً ناقوس الخطر بمواجهات دامية في كربلاء والديوانية والبصرة، ويتغير موقع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر من التحالف مع الحكومة الى العداء لها، وشمالاً وقف الاكراد على حافة الهاوية امام تهديدات تركية فيما فتح هذا العام باب حوار اميركي - ايراني نادر. عام العشائر مع بداية عام 2007 اطلق الرئيس الاميركي جورج بوش استراتيجيته الجديدة حول العراق التي اعتمدت في جوهرها على زيادة عديد القوات بنحو 30 ألف جندي. بالمقابل اطلقت الحكومة العراقية"خطة فرض القانون"للسيطرة على امن بغداد التي اصبحت ساحة الصراع الرئيسية خلال عام 2006. أما ثورة العشائر السنية في الانبار وامتدادها الى ديالى وصلاح الدين والموصل وجنوببغداد فقد كانت العامل الحاسم في تغير خريطة الصراع. وجدت القوات الاميركية في"مجالس الصحوة"أخيراً حلفاء اجبرهم تطرف عناصر تنظيم"القاعدة"وقسوتهم وبطشهم في المناطق التي يسيطرون عليها، على التحالف مع من كان حتى وقت قريب عدواً ومحتلاً! تحولت الانبار التي كانت معقل الجماعات المسلحة في غضون اشهر الى اكثر مناطق العراق هدوءاً، وزارها الرئيس الاميركي جورج بوش للقاء زعيم ثوارها الشيخ ستار ابو ريشة لكن هذا لقي حتفه بعد ايام من اللقاء على يد أحد أقاربه. مع نهاية العام اصبح عديد ميليشيات العشائر نحو 72 ألف مقاتل يتلقون من الجيش الاميركي رواتب شهرية وينتظرون دمجهم بالقوى الأمنية رغم تردد الحكومة العراقية حيال ذلك. حكومة نوري المالكي التي أنهت عام 2006 في ظل أزمة سياسية وأمنية ضاربة، أبدت شكوكاً حيال التحركات الاميركية نحو العشائر لكنها عادت ورحبت بدخول هذه العشائر الى معادلات الصراع، بل استخدمتها في لعبة المساومات السياسية القائمة على قدم وساق على المستوى الحكومي. والعشائر التي غدت"نجم الساحة"ادركت مكامن قوتها وحاجة الاميركيين والحكومة اليها فهددت بإعادة الأمور الى ما قبل 2007 فيما لو تخلى السياسيون عن وعود دمج رجالها بالقوى الامنية. لكن الحكومة العراقية لم تشهد الاستقرار السياسي خلال هذا العام، بل انها قضت نصفه الاخير مفتقدة الى ثلث اعضائها مع انسحاب وزراء تيار الصدر وجبهة"التوافق"السنية والكتلة العراقية. التحدي الأكبر برز في مدن جنوبالعراق الشيعية التي وجدت نفسها امام صراع تيارات سياسية متباينة بين المرجعيات الدينية والتوجهات والطموحات السياسية. الزعيم الشيعي مقتدى الصدر غادر إلى إيران لأشهر خشية استهدافه أميركياً وبعد أن وجد أن ظهره بات مكشوفاً في ضوء تحالف الحكومة العراقية والأميركيين على تصفية تياره. مدن الجنوب الشيعية يسيطر على أغلب مؤسساتها الرسمية والأمنية تيار"المجلس الأعلى للثورة الاسلامية"غيّر اسمه هذا العام الى"المجلس الاعلى الاسلامي" بقيادة عبدالعزيز الحكيم الذي يسعى الى فرض زعامته على اقليم الوسط والجنوب، فيما يعارضه تيار الصدر وحزب الفضيلة. وتحويل جنوبالعراق الى اقليم شكّل هذا العام محوراً لخلافات بين اطراف مختلفة، لكن الخلافات التي ترجمت الى مواجهات دامية في عدد من المدن كانت لها دوافع دينية وسياسية ومالية ايضاً. أما احداث"الزيارة الشعبانية"في كربلاء التي سقط ضحيتها العشرات من الزائرين الشيعة منتصف العام فقد اخرجت العلاقة الخلافية بين الاطراف الى العلن وشهدت وسائل الاعلام للمرة الأولى تبادل اتهامات علنية بين انصار الحكيم وانصار الصدر لم تنته حتى بعد ان وقع الطرفان اتفاق تفاهم بعد اسابيع من اعلان الصدر تجميد عمل"جيش المهدي". القوات البريطانية اعلنت ان نهاية عام 2007 ستشهد انسحاباً كاملاً من البصرة في الجنوب وتسليم الملف الأمني للقوات الامنية العراقية هناك بعد ان كانت انسحبت من مراكزها في القصور الرئاسية وسط المدينة باتجاه المطار الدولي, فيما اكدت الحكومة العراقية كفاءة قواتها لتسلم هذه المهمة. واستمر الجيش الاميركي من ناحية ثانية في توجيه الاتهامات الى ايران بدعم ميليشيات شيعية وان عقد السفيران الايراني والاميركي ثلاثة لقاءات في بغداد هذا العام اعتبرت تاريخية لجهة كسر جليد العلاقات بين الطرفين. وعلم الجميع منذ اعلان واشنطن وطهران نية الجلوس الى طاولة المفاوضات في بغداد، ان العراق لن يكون اطار الحوار الوحيد وان الطرفين يسعيان الى ترتيب اوراقهما في ضوء مكامن القوة والضعف لديهما على ساحة الصراع العراقية. ظلت الساحة العراقية تموج بتداعيات الأزمة الطائفية التي بلغت أوجها مع تفجير مرقدي سامراء بداية عام 2006، وذلك بعد أن فجر زلزال الاحتلال وتوابعه مكبوتاتها وعمل على تقديم الطائفية الاجتماعية بعد المحاصصة السياسية كوصفة مسمومة. وفي 2007 عادت الاطراف التي فجرت قبتي المرقدين لتفجر المئذنتين، واطلاق صواريخ على جامع ابي حنيفة النعمان وقنبلة مفخخة حطمت جدار مسجد عبدالقادر الكيلاني وميليشيات دمرت مساجد في البياع والغزالية والشرطة ومثلها مفخخات قرب حسينية الكرادة. الدم مشروع عراقي دائم. وعام 2007 خلف آلاف القتلى في تلعفر وسنجار واربيل وطوزخرماتو شمالاً وديالى شرقاً عبر هجمات بشاحنات مفخخة لايقاع اكبر قدر من الخسائر. وعمد تنظيم"القاعدة"الى اللجوء الى تكتيكات جديدة بعد أن بدأ ينحسر في مناطق السنّة امام قوة العشائر والجماعات المسلحة التي انخرطت معها، فهاجم الفلوجة وبغداد بغاز الكلور السام وهاجم شيوخ عشائر ديالى باستخدام نساء واطفال مفخخين. الحكومة العراقية تحدثت طويلاً عن اختراقات"القاعدة"بعد عملية ضرب مجلس النواب واستهداف نائب رئيس الوزراء السني سلام الزوبعي وايضاً استهداف نائب رئيس الجمهورية عادل عبدالمهدي لكنها اصرت دائماً على ان تلك الاختراقات ليست سوى محاولات يائسة في واقع جديد. كذلك أشارت الحكومة العراقية الى ارتفاع عديد قواتها العسكرية الى 250 ألف مقاتل مقابل نحو 150 الفاً من رجال الشرطة بشكل يتزامن مع تقدم مستويات تدريبهم وكفاءتهم ما سهل نقل المهمات الامنية في مدن ميسان والسماوة والبصرة وبابل والناصرية وكركوك وصلاح الدين تمهيداً لتسلم مجمل الملف الامني من القوات المتعددة الجنسية. كفاءة القوات العراقية تعرضت لطعون كشفت عنها تقارير الشهادات الدراسية المزورة. فوزارتا الداخلية والدفاع أعلنتا عن اكتشاف آلاف حالات التزوير في الشهادات الدراسية مما سمح لأشخاص أميين بتولي مناصب امنية مرموقة، فيما شملت فضيحة الشهادات المزورة وزراء ومحافظين ومستشارين ونواباً وموظفين مرموقين لم تُحسَم أي من قضاياهم بعد وان كان رئيس الحكومة وعد بأن يكون هذا الملف ضمن أولوياته لعام 2008. ولم تكن الساحة السياسية العراقية اهدأ من الساحة الامنية، فعلى امتداد العام الماضي جاهدت حكومة نوري المالكي للاحتفاظ بوجودها امام طروحات مستمرة لابدالها اتخذ بعضها طابعاً اقليمياً ودولياً، لكنها تماسكت مع نهاية العام من خلال استثمار التحسن الأمني فوقعت"وثيقة العهد الدولي"في القاهرة ووقعت"اتفاق مبادئ"يمهد لإعلان معاهدة طويلة الامد مع واشنطن وخاضت للمرة الاولى حوارات مع تركيا لنزع فتيل حرب وشيكة على حدود اقليم كردستان. تركيا والأكراد وجد اكراد العراق المشغولون ببناء تجربة خاصة والذين كانوا ينتظرون ضم كركوك الغنية بالنفط مع نهاية العام انفسهم في مواجهة خطر هجوم تركي محدق، وادركوا ان نبرة جدية تقف خلف تهديدات انقرة فسارعوا الى بغداد معترفين ضمناً بأن الحل يكمن في النهاية لدى الحكومة المركزية التي لم تتوان عن نزع فتيل الازمة لكنها استثمرت نقطة ضعف الشريك الكردي القوي في المعادلة لضمان اعتراض شديد اللهجة على عقود النفط التي ابرمتها اربيل بمعزل عن الحكومة. وخرج أحد مستشاري المالكي عن سياق التلميحات في الحديث عن العلاقة غير المتوازنة بين الطرفين، فقال"ان الاكراد لا يتذكرون انهم جزء من العراق الا عندما يتعرضون للتهديد". غضب الاكراد من هذا التصريح وتنصلت الحكومة منه لكنها في النهاية تمكنت من ارسال رسالة عميقة المغزى. وتمحورت قضية الخلاف الكردي - التركي في شقها الاساسي حول وجود عناصر"حزب العمال الكردستاني"في مناطق في شمال العراق، واتخذت حكومة اقليم كردستان اجراءات اعتبرها الاتراك غير كافية لجهة انهاء تهديدات الحزب، فأعلنت عن اغلاق مقرات"العمال"في السليمانية واربيل، لكنها قالت ان السيطرة على معسكرات المسلحين الاتراك في جبال وعرة داخل المثلث الحدودي العراقي - الايراني - التركي"مهمة شبه مستحيلة". ومع نهاية العام لم تعلن الحكومة التركية تراجعها عن تهديداتها باجتياح مناطق اقليم كردستان تاركة الباب مفتوحاً للاحتمالات، لكنها في سياق آخر تنتظر حسب أكراد العراق ما ستؤول اليه المداولات السياسية حول كركوك التي ترفض تركيا بقوة انضمامها الى اقليم كردستان. وفي اطار هذه الأزمة تحدث سياسيون عن استعراض تركي واسع النطاق هدفه قطع طريق التغيير السياسي في المنطقة لصالح الاكراد، فسورية وايران اللتان تتقاسمان مع العراقوتركيا النسبة الأكبر من ابناء القومية الكردية دعمتا بطرق مختلفة تحركات أنقرة. ملفات معلقة أفرزت السنوات الأربع للاحتلال حقيقة جوهرية يتم الاعتراف بها في الاوساط السياسية. فالحكومات والبرلمانات المتعاقبة"تؤجل المؤجل" و"تعلق المعلق". فعام 2007 لم يغلق أي ملف من بين عشرات الملفات المعلقة على منبر الجدل السياسي والاجتماعي العراقي. ويقول البعض إن العنف تفجر على خلفية تلك الملفات وإن استمرار تعليقها سينتج عنفاً جديداً.لم تنجح الأطراف السياسية العراقية في الاتفاق على التعديلات الدستورية المحورية التي تخص الخلافات حول توصيف هوية العراق في الدستور والفيديرالية وحقوق الاقاليم وأساليب تشكيلها وعلاقاتها بالمركز والمحافظات غير المنضوية في اقليم وصلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وأكثر من ذلك الاستمرار في آليات حكومة المحاصصة الطائفية أو المضي نحو مشروع حكومة الاختصاص. كما لم يحسم قانون اجتثاث البعث والتعديل الحكومي عليه عبر قانون"المساءلة والعدالة"، وظلت قضية كركوك وتطبيق المادة 140 من الدستور او تأجيلها او تعديلها نقاطاً مؤجلة بسبب خلافات الفرقاء. مشروع المصالحة الوطنية الذي طرحته حكومة المالكي ضمن برنامجها ثم عادت والتزمت به دولياً في نصوص"وثيقة العهد الدولي"لم يتقدم خطوات كبيرة الى الامام خلال عام 2007 ودائرة المشاركة السياسية لم يتم توسيعها لصالح اشعار مختلف الاطراف بمسؤولية المشاركة في صنع القرار. أما قضية المهجرين في الداخل والخارج الذين وصلت اعدادهم الى نحو اربعة ملايين شخص فظلت معلقة هي الاخرى وان شهدت تطورا نسبيا اواخر العام بعودة نحو 40 الف مهجر من دمشق الى بغداد وهو رقم متواضع جدا امام مليون ونصف مليون لاجئ عراقي في سورية وحدها. آفاق العام الجديد لا تكهنات حين يتعلق الأمر بما ستؤول اليه الاوضاع في العراق في العام الجديد. الحكومة طلبت تمديداً جديداً لمهمة القوات المتعددة الجنسية وتسعى الى توقيع معاهدة طويلة الأمد قبل نهاية ولاية الرئيس الاميركي جورج بوش، والمسلحون بمختلف خلفياتهم يتحركون في خريطة عراقية قابلة للتغيير. العشائر في نهاية الطريق ستجد نفسها امام صراع ارادات مع التيار الديني والطائفي من جهة وصراع اولويات مع القانون والحكومة. هل يحتمل العراق تأجيل ما درج على تأجيله من اولويات خلال العام المقبل؟ عام 2008 ربما يكون حاسماً في تحديد المستقبل، والأمل ما زال قائماً بوقف نزيف الدم. أبرز أحداث 2007 في العراق كانون الثاني يناير: أعلن الرئيس الاميركي جورج بوش عن استراتيجية جديدة لتعزيز الوضع الأمني في العراق. وتقرر إرسال قوات اضافية الى بغداد ضمن الخطة الجديدة. إعدام برزان التكريتي وعواد البندر الرئيس السابق لمحكمة الثورة. اعلنت الاممالمتحدة أن أكثر من 34 ألف مدني عراقي قتلوا نتيجة اعمال عنف خلال عام 2006، ويفوق هذا الرقم بثلاثة أضعاف الارقام التي سبق ان اعلنت عنها الحكومة العراقية. شباط فبراير: انفجار قنبلة في سوق الصدرية الشعبي في بغداد أدى الى مقتل اكثر من 130 شخصاً. واعتبر هذا الانفجار الأسوأ منذ الغزو سنة 2003. آذار مارس: تفجير ثلاث شاحنات محملة بغاز الكلورين السام في الفلوجة والرمادي أسفر عن جرح المئات. إعدام طه ياسين رمضان في الذكرى الرابعة للغزو الاميركي. نيسان ابريل: انفجار في مبنى البرلمان أدى الى مقتل النائب محمد عوض. سلسلة انفجارات في بغداد في 18 نيسان أدت الى مقتل حوالي 200 شخص في اسوأ أعمال عنف منذ بدء الاميركيين تنفيذ الخطة الامنية في شباط فبراير. آيار مايو: مقتل زعيم"القاعدة"في العراق أبو أيّوب المصري. تموز يوليو: الرئيس بوش يعلن أن تقدماً محدوداً في المجال العسكري والسياسي حصل منذ قراره بتعزيز القوات الأميركية في العراق. آب اغسطس: انسحاب جبهة التوافق السنية من حكومة نوري المالكي. عمليات تفجير شاحنات وسيارات في قريتين في المنطقة الكردية تؤدي الى مصرع 250 شخصاً. أيلول سبتمبر: حملة على شركات الأمن الاميركية العاملة في العراق بعد قيام رجال من شركة"بلاك ووتر"بإطلاق النار على مدنيين عراقيين وقتل 17. تشرين الاول اكتوبر: البرلمان التركي يوافق على عمليات عسكرية في شمال العراق ضد مقاتلي"حزب العمال الكردستاني". وضغوط دولية على تركيا لتجنب الغزو. الإعلان عن تراجع أعداد القتلى في العراق وانخفاض عمليات اطلاق القذائف. كانون الاول ديسمبر: إعلان تركيا عن قيام قواتها بمهاجمة مقاتلين من"حزب العمال"في شمال العراق. إعلان البريطانيين الانسحاب من مدينة البصرة وتسليم الأمن فيها الى القوات العراقية.