استنفر اغتيال اللواء فرانسوا الحاج مدير العمليات في الجيش اللبناني، وانسداد أفق التسوية في لبنان لإنهاء الفراغ الرئاسي بانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً، وانقطاع الحوار بين الفرقاء اللبنانيين على رغم تفويض المعارضة زعيم"التيار الوطني الحر"العماد ميشال عون التفاوض مع الأكثرية، الموقف الدولي والعربي مجدداً في محاولة لضمان ملء الفراغ الرئاسي قبل نهاية السنة في جلسة غد الإثنين التي كانت حتى الأمس مرشحة للتأجيل. وإذا كانت الزيارة المفاجئة التي قام بها الى بيروت أمس مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ولش، هي أحد مظاهر هذا الاستنفار الجديد، فإن الاتصالات البعيدة من الأضواء التي أُجريت خلال الساعات الماضية بحسب ما قالت مصادر ديبلوماسية غربية ل"الحياة"، وشملت باريسودمشق والأخيرة وأنقرة، إضافة الى الاتصالات بين الدول الأوروبية نفسها، والاتصالات التي أجرتها روسيا، في محاولة لتذليل العقبات من أمام انتخاب سليمان في جلسة الغد. وجاءت هذه الاتصالات في مناخ ما أعلنه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أول من أمس عن أن يوم الاثنين هو"الفرصة الأخيرة"لانتخاب رئيس جديد في لبنان وتنبيهه"أولئك الذين سيجازفون بتعطيل هذه الفرصة"من أنهم"سينقطعون نهائياً عن عدد من الدول وفي مقدمها فرنسا". راجع ص 6 و7 وفي وقت استمر التراشق الكلامي بأعنف العبارات بين نواب كتلة"المستقبل"التي يتزعمها النائب سعد الحريري ونواب كتلة"التنمية والتحرير"التي يتزعمها رئيس المجلس النيابي نبيه بري على خلفية الخلاف الذي حصل بين الاثنين على إيجاد المخارج الممكنة لتعديل الدستور من أجل انتخاب العماد سليمان، ثم المطالب التي رفعتها المعارضة كشرط للانتخاب، علمت"الحياة"ان الاتصالات فتحت في الساعات الماضية بين دمشقوباريس وبين الأولى والمسؤولين الأتراك من أجل تجنب العودة الفرنسية والأوروبية عن إشارات الانفتاح التي كان ساركوزي أطلقها في الاتصالات التي قام بها مع الرئيس السوري بشار الأسد لتشجيعه على تسهيل انتخاب الرئيس اللبناني عبر الطلب الى حلفائه في لبنان الإقبال على تسوية مع الأكثرية. فباريس اعتبرت أن الوعود التي تلقتها جرى حرفها عن مسارها وأكدت استياءها. كما أن الجانب التركي كثّف اتصالاته مع دمشقوبيروت وفق ما ذكرته"الحياة"أمس، بإرسال رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان مستشاره الى العاصمتين. مفاوضات سورية - فرنسية وأوضحت مصادر ديبلوماسية غربية ل"الحياة"أن مفاوضات فتحت أدت الى طرح دمشق على المسؤولين الفرنسيين مطالب حلفائها في المعارضة وفق السلة التي أعلن عنها قادتها في بيروت، واشترطوا التوافق عليها قبل انتخاب سليمان. وعلمت"الحياة"أن بين المطالب التي طرحها الجانب السوري: تشكيل حكومة العهد الجديد على أساس نسبة تمثيل الكتل النيابية في البرلمان أي أن يكون تمثيل المعارضة في الحكومة الثلاثينية 13 وزيراً مقابل 17 للأكثرية، الاتفاق على اسم قائد الجيش الذي يفترض تعيينه من قبل مجلس الوزراء قبل الانتخاب الرئاسي، الاتفاق على اسم المدير العام للأمن العام الذي يفترض تعيينه في مجلس الوزراء منذ الآن. ولم تشر المصادر الى ما إذا كانت دمشق طرحت مطلب المعارضة لا سيما العماد عون، بضمان إصدار قانون للانتخاب يعتمد القضاء دائرة انتخابية أم لا. إلا أن هذه المصادر أبلغت"الحياة"أن الجانب الفرنسي، وربما جهات أخرى تولت الاتصالات مع دمشق، نقل الى الأخيرة عدم قبول الأكثرية بفرض التعيينات في قيادة الجيش ومديرية الأمن العام منذ الآن. وذكرت المصادر أن الجواب الفرنسي أدى الى حصر مطالب سورية باعتماد نسبة التمثيل في الحكومة على أساس 13 للمعارضة و17 للأكثرية بحيث تكون للمعارضة حصة الثلث المعطل، وهو ما ترفض الأكثرية الالتزام به مكتفية بالاستعداد للالتزام بمبدأ قيام حكومة وحدة وطنية مع أوسع تمثيل من دون تحديد الحصص خصوصاً أن تشكيل الحكومة منوط دستورياً بالاستشارات التي يجريها رئيس الحكومة المكلف مع الكتل النيابية من جهة، وبالتفاهم بينه وبين رئيس الجمهورية، الذي لا بد من أن تكون له حصة مقبولة من الوزراء كما في بداية كل عهد رئاسي، من جهة ثانية. ولم تكشف المصادر عما إذا كان التفاوض القائم بين باريسودمشق تناول صيغ التعديل الدستوري لإتاحة انتخاب سليمان خصوصاً أن المعارضة ترفض مرور هذا التعديل عبر حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، فيما تصر الأكثرية على أن هذا التعديل قابل للطعن في دستوريته إذا لم يتم بموافقة الحكومة. رسائل ولش وكان السفير ديفيد ولش وجه رسالة متعددة الاتجاهات خلال زيارته بيروت أمس، سواء عبر لقاءاته أو تصريحاته. فهو بدأ زياراته بالبطريرك الماروني نصرالله صفير، وصرح على درج البطريركية بأن بلاده تعتقد أنه آن الأوان كي ينتخب رئيس جديد"يستعيد كرامة أهم مركز مسيحي في البلد... وأعربت عن دعم بلادي القوي لأبناء الطائفة المسيحية". ودوّن ولش هذا الموقف في سجل البطريركية. وهي المرة الأولى التي يدلي فيها مسؤول أميركي بتصريح يتناول دعم الطائفة المسيحية. وكان لافتاً أن ولش وجه رسالة ثانية بلقائه رئيس حزب"القوات اللبنانية"الدكتور سمير جعجع، وتجنب لقاء العماد عون على رغم تفويضه من قبل المعارضة بالتفاوض مع قوى 14 آذار. وزار ولش وزير الدفاع إلياس المر لتعزيته باستشهاد اللواء فرانسوا الحاج، في رسالة ثالثة، ووجه من عنده رسالة رابعة أشار فيها الى توافق أميركي ? فرنسي إذ قال:"الرئيس ساركوزي على حق في ما قاله وآن الأوان لانتخاب رئيس... وتم الاتفاق على المرشح وآن الأوان لانتخابه". لا سبب لتأخير الانتخاب وبعد لقائه مع الرئيس بري قال ولش إنه لا يرى سبباً لتأخير انتخاب رئيس جديد،"وعلى النواب أن يؤدوا واجبهم ويذهبوا وينتخبوا...". وفيما قالت مصادر بري إنه أبلغ ولش أنه تم التوافق أثناء التحرك الفرنسي في لبنان على معظم نقاط السلة بما فيها الحكومة شكلاً ومضموناً وأن المطلوب تنفيذ هذا الاتفاق، قالت مصادر مطلعة أن المسؤول الأميركي حض على انتخاب الرئيس قبل أي شيء آخر. وبعد لقاء مع السنيورة دام ساعة ونصف الساعة، تلا ولش في مؤتمر صحافي، بياناً كرر فيه المواقف التي أعلنها في لقاءاته السابقة، لكنه أضاف إليها رسائل أخرى منها تجديد الدعم لحكومة السنيورة ومؤسساتها. وشدد على دعم الجيش اللبناني، ودعم الأكثرية النيابية. وقال ولش:"أرسلت الى هنا من قبل الرئيس الأميركي ووزيرة الخارجية لأعلن الدعم الأميركي لشعب لبنان، ودعمنا القوي للأكثرية المنتخبة ديموقراطياً في البرلمان، وللحكومة الدستورية ومؤسساتها بما في ذلك الجيش اللبناني". وأضاف:"في الظروف الحالية التي يمر بها لبنان، سنقف الى جانب أولئك الذين يمثلون المؤسسات الشرعية، سندعم الحكومة والرئيس فؤاد السنيورة، ونشيد بأدائه في الظروف الصعبة جداً، وسنقف الى جانب الأكثرية في البرلمان، ونؤمن ان الحل في لبنان لا يمكن أن يأتي إلا من اللبنانيين أنفسهم ولا نسعى الى أي حل معين، إنما ما هو جيد لكل اللبنانيين، نحن ضد أي عنف وترهيب، وفي هذا نشترك مع المجتمع الدولي. إنه إيمان مشترك لدى المجتمع الدولي بأن رئيساً لهذا البلد يجب أن ينتخب بعد أن تخطينا وقت الانتخاب". وتحدث رداً على الأسئلة عن أطراف داخلية وخارجية تعرقل الانتخابات الرئاسية قائلاً:"نعرف تماماً من هي الأطراف الخارجية والداخلية لكن ليس علينا نحن كأميركيين أن نقول من يعرقل، لكن هناك من يعرقل وأنتم تعلمون وعليكم أن تستنتجوا من يعرقل". وتوجه الى المعرقلين قائلاً:"ستكون هناك نتائج وخيمة إذا بقي لبنان من دون انتخابات رئاسية ومن دون رئيس". وطالب بأن"يصار الى انتخاب الرئيس في أسرع وقت لأن البلد لا يحتمل الفوضى". وندد بالتفجير الأخير الذي سقط ضحيته اللواء فرانسوا الحاج. وقال:"إذا لم يصر الى انتخاب رئيس الجمهورية ستكون هناك فوضى في البلد وبالتالي المزيد من الانفجارات". وعن دعم رئيس بنصاب النصف زائداً واحداً. قال:"نحن ندعم الأكثرية اللبنانية وكل القرارات التي تتخذها". وعن استراتيجية جديدة للأميركيين قال:"نحن ليس علينا أن نعطي أفكاراً أو مبادرات جديدة ولكن القرار هو داخلي لبناني، ونحن ندعم أي قرار يتخذه اللبنانيون".