سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نال جائزة "أفضل فيلم عربي" في مهرجان دمشق . محمد خان : لا أتقن أي عمل غير السينما ... وبعض مخرجي اليوم مرتزقة
نشر في الحياة يوم 23 - 11 - 2007

ذهبت نهاية الخمسينات من القرن الماضي إلى لندن لدراسة هندسة العمارة، لكنك اخترت السينما. كيف حدث هذا التحول، وما الذي جذبك آنذاك، إلى السينما؟
- بدأ عشقي للسينما، واهتمامي بها منذ الصغر. كنت الابن الوحيد لعائلة من الطبقة الوسطى، وكانت السينما تسليتي الأساسية. كانت أسرتي تقطن وسط القاهرة بجوار العتبة، في محل قريب من داري سينما"الكرنك"وپ"باراداي". وكان لا بد لي من أن احضر الأفلام التي تعرضها هاتان الصالتان. فالسينما كانت جزءاً أساسياً من هوايتي، ولكنني كنت اختزلها في وعيي، كطفل، بالتمثيل فحسب. كنت أجهل معاني الإخراج أو السيناريو أو التصوير أو المونتاج أو الميكساج... الخ. عندما ذهبت نهاية الخمسينات إلى لندن لدراسة الهندسة، اكتشفت، من طريق جاري السريلانكي، الذي كان يدرس السينما، وجود مدرسة سينما، وهذه كانت نقطة تحول أساسية أحدثت في داخلي انقلاباً، وعلى الفور تركت دراسة الهندسة، والتحقت بهذه المدرسة التي كانت تسمى London Film Scool Technique .
والواقع أن مدينة لندن، في تلك الفترة، أشبعت فضولي نحو السينما والفن عموماً، ففيها كانت تعرض أفلام الموجة الجديدة التي ظهرت في فرنسا وكذلك أفلام من ألمانيا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا، ومن الولايات المتحدة الأميركية، وأفلام الواقعية الإيطالية... وما زلت أذكر أنني خرجت مذهولاً من فيلم"المغامرة"لانطونيوني الذي قدم لي عالماً جذبني للتوغل في شخصياته. كان ذلك بداية الإحساس بأنني لا بد من أن أصبح مخرجاً سينمائياً. فضلاً عن أن لندن كانت غنية في نهاية الخمسينات ومطلع الستينات، وكانت ملتقى لكل التغيرات الثقافية في العالم من السينما إلى الموضة إلى الموسيقى إلى المسرح إلى الفن التشكيلي... كانت هذه المدينة مدرستي الحقيقية.
حينما أنهيت دراستي في العام 1963 عدت إلى القاهرة، والتحقت بالشركة العامة للإنتاج السينمائي التي كان يرأسها المخرج الراحل صلاح أبو سيف، حيث عملت في قسم"القراءة والسيناريو"لمدة سنة، وكان من بين الزملاء رأفت الميهي، ومصطفى محرم وغيرهما... وكنت أصغرهم سناً كان عمري 21 سنة. لكنني شعرت بأن السينما ليست هي هذه الوظيفة قراءة السيناريوات في مكتب! فعدت إلى لندن لفترة قصيرة، ثم غامرت بالذهاب إلى لبنان آخر عام 1964 حيث عملت مساعداً ثانياً، ومساعداً أول في أفلام عدة، وعملت مع يوسف معلوف، وفاروق عجرمة، وجمال فارس، وهنا أيضاً شعرت بأن هذه ليست هي السينما التي أبحث عنها.
سافرت مجدداً إلى لندن ووقعت النكسة، وكدت أخسر السينما نهائياً، إذ لم أنجز خلال ست سنوات سوى فيلم تسجيلي قصير. وعلى رغم القلق الذي سيطر عليّ في تلك الفترة، إلا أن النزوع نحو الإخراج لم يمت في داخلي. وسط هذه المشاعر المضطربة عرّفني، ذات يوم، المونتير أحمد متولي بالمونتيرة نادية شكري التي أدركتْ مدى عشقي للسينما، فأخبرتني ان في إمكاني العودة إلى مصر والعمل في السينما هناك. وفعلاً حزمت حقائبي، وعدت إلى القاهرة وكانت البداية الحقيقية لي، كمخرج سينمائي، مع فيلم"ضربة شمس"نهاية السبعينات، ولا أزال مستمراً في العمل، مذذاك، من دون انقطاع، وأعتقد أن الإنسان الصادق في إيمانه تجاه أمر ما لا بد من أن يحقق هدفه.
بسطاء ومهمشون
في أفلامك تقف دوماً إلى جانب البسطاء والمهمشين. لم تخضع لمنطق السوق وپ"الجمهور عاوز كده"، ولم تخسر، في الآن ذاته،"شباك التذاكر". كيف وفقت في تحقيق هذه المعادلة الصعبة: ترحيب جماهيري ونقدي في آن معاً؟
- هذا حصل من دون تخطيط مسبق، وجدت نفسي، مع جيلي من المخرجين، وسط نظام سينما سائدة بنجومها وشروطها وتقاليدها. لا أتعمد أي شيء في السينما. ربما، إحساسي بالمَشَاهِد، ذكرياتي الخاصة، علاقتي بالمكان... كلها تلعب دوراً في ما تشير إليه. في البدايات لم أكن أعرف ماذا أفعل بالضبط، وعن أي شيء سأعبر، ففي أفلامي الثلاثة الأولى:"ضربة شمس"،"الرغبة"،"الثأر"كانت الرؤية مشوشة، ومرتبكة. مع الفيلم الرابع"طائر على الطريق"، والذي أعتبره بدايتي الحقيقية في السينما، أدركت ماذا أفعل في السينما، ورحت أفكر في الشخصيات، وأسعى إلى تجسيد رؤيتي الخاصة، من دون أن يكون في ذهني أي شيء مما ورد في سؤالك. هذا التحليل النقدي هو قراءة النقاد لأفلامي.
لم تكن في ذهني، وأنا أصنع أفلاماً، أيديولوجيا محددة. لكن تجاربي ومشاهداتي هي التي بلورت اتجاهاتي في السينما، فأنت ترى أن العدالة الاجتماعية غائبة، وأن ثمة تسلطاً وقمعاً واستغلالاً، وأن هناك بسطاء على قارعة الحياة لا يلتفت إليهم أحد... تسربت هذه العناوين، في شكل تلقائي وعفوي، إلى أفلامي من دون شعارات أو مانشيتات مسبقة. لم انتسب في حياتي إلى أي حزب سياسي. وما تجده في أفلامي من مناصرة للفقراء والمهمشين لم يأتِ بوعي مسبق، بل ظهر من خلال معاينة الأماكن وعبر تجارب حياتية، وخلال مشاهدتي لمستوى التفاوت الطبقي... هذه الأفكار تتوضح في شكل تدريجي وعفوي، وأعتقد بأن هذا كان سبب نجاح زملائي، أيضاً، الذين لم ينتسبوا، بدورهم، إلى أي حزب سياسي، ولم يدافعوا عن أيديولوجية ما، مثل عاطف الطيب، بشير الديك، داوود عبدالسيد، رأفت الميهي، وخيري بشارة... فضلاً عن أننا عشنا مراحل سياسية غنية ومختلفة، فأنا ولدت في ظل نظام ملكي، ثم جاءت ثورة عبدالناصر، ومن بعده أنور السادات، ثم حسني مبارك... وكما تلاحظ، من النادر أن يمر شخص بكل هذه المراحل في فترة زمنية قصيرة.
ولكن ثمة خطوطاً سياسية واضحة تظهر في أفلامك، كما في"زوجة رجل مهم"، مثلاً؟
- نعم هذا صحيح، ولكن من كتب"زوجة رجل مهم"؟ الذي كتبه هو رؤوف توفيق وهو ينتمي إلى خط سياسي معين.
السادات درامياً
ألا يشير اختيارك شخصية أنور السادات في فيلمك"أيام السادات"إلى توجه سياسي معين لديك؟
- لا، مطلقاً. سبب اختياري السادات درامي بحت. أنور السادات شخصية درامية مثيرة، ومغرية لي كي أتناولها في فيلم سينمائي. فهو ابن فلاح فقير حافي القدمين، جائع، مشرد، جاء من قرية منسية نائية، وأصبح رئيساً للجمهورية. إذاً، هناك دراما إنسانية حية بمعزل عن موقفي من السياسات التي اتبعها هذا الرجل.
ومع ذلك ثمة أبعاد سياسية في الفيلم؟
- أقول إن العناصر الدرامية مكتملة في هذه الشخصية لكي أرويها في فيلم. بالطبع، عندئذ، لا يمكنني إغفال البعد السياسي. لكنني أقول إنه أكثر رئيس"تمرمط"في الشارع المصري، وهذا ما جذبني إلى الشخصية سينمائياً.
شخصية جمال عبدالناصر، كذلك، تنطوي على أبعاد درامية...!!????
- لا، هذا الكلام غير دقيق. عبدالناصر لا يشبه السادات من المنظور السينمائي، إن شئت. هو ينتمي الى أسرة من الطبقة الوسطى، انتسب إلى الجيش، وتخرج ضابطاً، من دون أية متاعب أو عوائق. فهو يصلح كشخصية لعبت دوراً سياسياً مهماً في تاريخ مصر، لكنها ليست شخصية درامية مثيرة، بينما السادات، على الصعيد الإنساني، هو شخصية درامية تعرضت للتحولات، وحققت ما لم يكن متوقعاً.
وعلى رغم ذلك هناك أفلام تناولت سيرة عبدالناصر.
- نعم، فيلم عن تأميم القناة وهو"ناصر 56" للمخرج محمد فاضل، وفيلم آخر أخرجه أنور قوادري، والفيلمان لم ينجحا، في اعتقادي، وخصوصاً فيلم قوادري.
سأريكم الشبابية!
كيف اقتحمت"الواقع الاحتكاري"، إذ أنجزت في السنوات القليلة الأخيرة فيلم"بنات وسط البلد"، والآن"في شقة مصر الجديدة"، وثمة فيلم قريب مقبل؟
- اقتحمت هذا الواقع لأنني لا اعرف أي عمل آخر سوى السينما. تعرض عليّ أعمال درامية لكنني ارفضها، ولما جاؤوا وقالو إنها أفلام شبابية، قلت لهم:"أنا حوريكم يعني إيه أفلام شبابية" !! في"بنات وسط البلد"وضعت أغنية، وحاولت أن اثبت انه يمكن أن نقول شيئاً حتى في مقاييسهم، وكذلك في فيلمي الجديد"في شقة مصر الجديدة"بحثت عن الحب من منظور مختلف. شحنة من المشاعر. وفرحت بمدى تأثيره في الجمهور السوري ومن قبل في الجمهور المصري وكذلك في الجمهور الإسباني. أنا لست ساحراً ولكنني سعدت بوصول هذه الشحنة من العواطف والأحاسيس إلى المتلقي.
بماذا تشعر حين تجد أفلامك ضمن قوائم الأفلام المهمة في تاريخ السينما العربية؟
- هذا تقدير نقدي أعتز به، ويشير إلى أن أفلامنا باقية، وستعيش لأنها تمثل وتوثق مرحلة غنية بالتحولات على الصعد الفكرية والاجتماعية والاقتصادية. لكن أفلام اليوم هي أفلام منسية يعني بعد سنتين"ابقى قابلني"لو افتكرت أفلام هنيدي أو"حاحا وتفاحة"وغيرها...، وهذا الذي يسعدني ويشكل لنا العزاء.
أي السينمات تجذب انتباهك من شرق آسيا مروراً بإيران والعالم العربي وأوروبا وصولاً إلى الولايات المتحدة؟
- أنا أرى كل الأفلام. أنا مدمن سينما. لدي مكتبة سينمائية تضم نحو 1500 فيلم. أنا أميل إلى الأفلام الإنسانية، وكتاب السيناريو في أميركا هم من اصدق كتاب السيناريو في العالم من هذه الناحية لأنهم يمتلكون مهارة في الكتابة عن العائلة والعلاقات الإنسانية عودة شخص، مثلاً، إلى عائلته بعد غياب، رؤية الأصدقاء، سهرة عشاء، اللقاء بصديق طفولة بعيدة... نحن نفتقر إلى صوغ مثل هذه العلاقات على شاشة السينما.
ماذا عن فيلم"عمارة يعقوبيان"، مثلاً، في هذا السياق؟
- نعم، علاء الأسواني كان راوياً اكثر مما هو أديب، لذلك نجح الفيلم لدى تحويله إلى السينما. كانت العلاقة فاترة بين الرواية والسينما وأنا اشعر أن القصة القصيرة هي انسب للسينما من الرواية. ما حصل أن الأدباء تعالَوا على السينمائي، وهذا الأخير تعالى على الروائي. في المرحلة الأخيرة تم التقارب. لكن يجب ألا ننسى أن السينما هي فن المخرج، مثلما أن المسرح هو فن الممثل، والدراما التلفزيونية هي فن كاتب السيناريو وهكذا.
ماذا عن الجنسية المصرية. ألم يحن الوقت، بعد، لمنحك إياها؟
- والدي من إقليم البنجاب الباكستاني من عائلة ميسورة أرسلته إلى إنكلترا لدراسة الطب. بقي هناك سنتين ثم جاء إلى مصر، ولا أعرف ما هي الأسباب؟ عندما ولدت ربّاني كمصري. لم يحاول أن يعلمني لغته الاوردية، بل أدخلني مدرسة مصرية، وشجعني على الانتماء الى ثقافة المكان الذي ولدت فيه، وهذا فضل أقر به له، فهو لم يسع إلى فصلي عن محيطي كما فعل بعض الآباء في تجارب مماثلة، بل دفعني إلى الذوبان مع الثقافة المحلية، وأفهمني أن مصر هي بلدي.
وحين تقرأ في سيرتك الذاتية جملة"من اصل باكستاني"، وأنت لا تحمل الجنسية المصرية، بل البريطانية، بماذا تشعر؟
- طبعاً، هذه مفارقة، وتنتابني مشاعر متضاربة، فأنا لا أملك الجنسية المصرية، وأولادي لديهم الجنسية بحكم أن والدتهم مصرية. المفارقة تكمن في أنني مولود في مصر، وعشت طوال حياتي فيها، وحصلت على وسام من الدرجة الأولى من مصر، وأمثل مصر في المهرجانات والمحافل السينمائية ولم أقل، يوماً، إنني لا أملك الجنسية المصرية وأن جواز سفري بريطاني! اشعر بالألم إزاء ذلك لكن في النهاية أقول إن هذه أوراق، وما أشعر به في أعماقي أهم بكثير من هذه الأوراق.
هل لك أن تحدثنا قليلاً عن فيلمك المقبل؟
- الفيلم المقبل عن العنف، اسمه"ستانلي"، على اسم شاطئ في الإسكندرية يحمل الاسم نفسه، وهو يتحدث عن شاب رحل عن مدينته وغاب لمدة 25 سنة، دخل خلالها في مغامرات وحروب لم يكن طرفاً فيها، وتحول إلى ما يشبه قاتلاً مأجوراً ثم يعود إلى مدينته ويحتك من جديد مع أصدقائه في عالم عنيف. التحدي هو كيف أقدمه على نحو إيجابي بحيث يتعاطف معه المشاهد.
ما هي هواجسك وأنت تقف خلف الكاميرا؟
- الحلم الذي لم أحققه، وربما لن أتمكن من تحقيقه هو أن ادخل إلى أعماق الشخصية، ليس فقط لأصدقها، بل أضحك وأبكي من مدى صدقها، وهذا صعب. السينما هي مجموعة أكاذيب تصنع الحقيقة، وأنا أسعى إلى رسم شخصية من لحم ودم حتى تكاد تخرج من الشاشة، وأعتقد بأن تحقيق ذلك صعب للغاية.
من هم السينمائيون القادرون على أن يسحروا محمد خان؟
-"اوووه"القائمة طويلة. أخيراً شاهدت فيلم"الغفران"في افتتاح مهرجان أبو ظبي، فوجدته شعراً، قصيدة، والمدهش انك بعد كل الأفلام الجميلة والساحرة التي شاهدتها، هناك من هو قادر على خلق هذا الشعور لديك. جاك نيكلسون ممثل بارع وحقيقي. دي سيكا في أفلامه، وأذكر، خصوصاً، فيلمه"امبرتو دي". مايكل انجلو انطونيونوي وعالمه التوغلي داخل الطبقة الوسطى الإيطالية. حرارة الفيلم لدى ايليا كازان. مارلون براندو وعبقريته السينمائية...
يقول غابرييل غارسيا ماركيز في مذكراته انه قرر، منذ الطفولة، أن يكون كاتباً وكان"لا ينقصه إلا تعلم الكتابة"، وحين تعلمها بلغت شهرته الآفاق. الكلام ذاته ينطبق على المخرج المصري محمد خان الذي أراد، في مرحلة مبكرة، أن يكون مخرجاً سينمائياً، وهو يجهل، تماماً، أبجدية هذه الحرفة، وحين تمكن منها وتحققت الأمنية بعد سنوات طويلة في فيلمه الأول"ضربة شمس"، أثبت أنه كان محقاً في البحث عن تلك الأمنية الغامضة.
بين ذلك الفيلم الأول، وفيلمه الروائي الأحدث"في شقة مصر الجديدة"الذي نال جائزة"أفضل فيلم عربي"في مهرجان دمشق الأخير، يمتد مشوار سينمائي طويل وشاق يصعب اختزاله في حوار صحافي، ذلك أن صاحب"طائر على الطريق"وپ"الحرّيف"وپ"خرج ولم يعد"وپ"زوجة رجل مهم"وپ"أحلام هند وكاميليا"... قدم تجارب سينمائية لافتة ذات رؤية مختلفة، مشغولة بالهموم والأسئلة، تكشف عن"عين محبة"للفن السابع، وتبحث عن جمالياته من دون أية مساومات أو حسابات خارج"الطرح السينمائي".
كثيراً ما يتم اختيار أفلام محمد خان، إلى جانب أفلام قليلة أخرى، كأهم انتاجات السينما العربية. والواقع أن من يدقق النظر في"فيلمواغرافيا"هذا المخرج، والتي تضم 16 فيلماً روائياً طويلاً، سيعرف، حالاً، أن محمد خان لم يشأ أن يصنع، خلال مساره السينمائي، فيلماً قد يلطخ سمعة هذا المسار، ومن هنا قلّما مر فيلم من أفلامه من دون جائزة أو تنويه أو تكريم، ناهيك بالسجالات والنقاشات التي يثيرها كل فيلم جديد له.
وعلى رغم عدم حصول محمد خان، المتحدر من أصول باكستانية، على الجنسية المصرية، حتى اللحظة، مع انه"مصري الهوى والثقافة والانتماء"- كما يؤكد - فإن ما يشفع له هو أن"الجنسية"هي عبارة عن"أوراق وإجراءات"، و"ما أشعر به من حب لهذا البلد يفوق ذلك بكثير". هنا حوار معه:
"رفضت 50 ألف دولار من ردلي سكوت"
خلال الحوار الطويل معه، تردد محمد خان كثيراً قبل ان يتحدث عن حال السينما المصرية اليوم و"حال الرداءة"التي وصلت اليها بعد عصر جيله الذهبي. لكنه في النهاية أجاب عنه وعن جيله قائلاً:"نحن لسنا مسؤولين عنها. نحن دخلنا في قلب السينما السائدة، وتعاملنا معها، وقدمنا أفكارنا عبر أشكال فنية اعتقد أنها كانت ناجحة. كانت السينما المصرية معتمدة أساساً على إيرادات العرض في صالات الدول العربية بسبب قلة الصالات المحلية، وحين انقطعت تلك الإيرادات لأسباب مختلفة أصبحت صناعة السينما مرتبكة، وكادت أن تتوقف لاعتمادها على مصدر واحد من الداخل فقط. وطالما أن الإيرادات أصبحت تأتي من الداخل فحسب، رأى القائمون على السينما ضرورة إنشاء صالات عرض جديدة، ولكن ما حصل أن هذه الصالات الجديدة التي ظهرت، اعتمدت على الأفلام الأجنبية التي تجني الأرباح اكثر من الفيلم المصري.
عندما فكر"تجار السينما"بأنه يمكن الفيلم المصري، بدوره، أن يجني الأموال، بدأت هذه الموجة الهابطة من الأفلام الشبابية والكوميدية والميلودراما المبتذلة... في ظل واقع احتكاري تتألف أقطابه من أصحاب دور العرض والموزعين والمنتجين، وهؤلاء يبحثون عن"فلوس سهلة". وجاءت، أيضاً، القنوات الفضائية، ومن ثم التيارات الإسلامية التي تمول السينما بطرق غير مباشرة وتلعب دور الرقيب، وهذا هو الوضع المؤسف. اصبح الاتجاه السائد هو إنتاج أفلام كوميدية وشبابية مفرغة من أي محتوى أو هموم، خصوصاً أن الجيل الذي تخرج في السنوات الأخيرة، والذي يصنع هذه الأفلام، هو جيل ليست لديه هموم، وتجاربه الحياتية اقل من تجاربنا، وهو مستسلم لهذا الواقع. هؤلاء مرتزقة، ويبحثون عن فرص مهما بدت رخيصة، ولكن الثمن مكلف لأن هذه الأفلام ستدخل في تاريخه.
سأروي لك شيئاً قد لا تصدقه. الفنان خالد أبو النجا أنشأ شركة فنية مع بعض الشركاء، وأرسل صوراً إلى المخرج ريدلي سكوت الذي يصور، الآن، فيلمه"كتلة أكاذيب"في المغرب من بطولة ليوناردو دي كابريو وراسل كرو.
لا أعلم كيف ذهبت صورتي مع الصور المرسلة، إذ تم اختياري، من جانب المخرج سكوت، الذي أحترم عمله، للعب دور في الفيلم المذكور، وأُرسل إليَّ السيناريو كي أطلع عليه وعلى دوري في الفيلم، ووجدت ان الدور تافه وثانوي وبسيط، فرفضت على رغم أن الأجر كان عالياً 50 ألف دولار مقابل ثلاثة أيام تمهيد وبروفة مع يومين للتصوير، أي مقابل خمسة أيام. ويضيف ضاحكاً بالعامية المصرية:"يعني أنا جاي مهرجان دمشق وخسران 50 ألف دولار". طبعاً، أنا رفضت الدور لأن ذلك سيحسب علي، ولا أستطيع أن أتخلص منه مهما فعلت".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.