عندما سألنا المخرج محمد خان في نهاية حوارنا معه عن "أهم الجوائز التي نالها في حياته" وماذا تمثل الجائزة بالنسبة إليه، أجاب: "تمثل تقديراً... أولاً وأخيراً" وهو بعدما عدّد الجوائز والأوسمة التي نالها، أشار الى جائزة معلقة على أحد جدران مكتبه قائلاً: "جائزة الشرف الشخصية هذه تمثل أهم جائزة في حياتي على رغم انها لا تعبر عن كوني أفضل مخرج أو صاحب احسن فيلم لأنه لا يوجد حاجة اسمها احسن من وجهة نظري". ويقول النص المميز لهذه الجائزة التي حازها محمد خان من المركز الكاثوليكي ما يمكن ان يعتبر تلخيصاً لمشواره السينمائي: "قررت لجنة الاختيار الخاصة بالمهرجان ال 37 للسينما المصرية بجلستها في 27 كانون الثاني يناير 1989 منح المخرج محمد خان هذه الجائزة تقديراً لدوره كأحد المخرجين الذين أعادوا للسينما المصرية شبابها من خلال المواضيع التي يطرحها ويحاول فيها ان يعبر عن المجتمع الذي نعيش فيه فأصبح تعبيره صادقاً، كما انه يقدم نماذج من هذا المجتمع الذي يشاركنا فيها بآلامها وأحلامها". مع محمد خان صاحب السلسلة الكبيرة من الأفلام المميزة كان هذا الحوار الذي تركزت أولى أسئلته على فيلمه الأخير "أيام السادات" الذي عاد به الى السينما بعد غياب. هل ظهور فيلم "ايام السادات" في هذه الفترة كان مقصوداً؟ - ظهور الفيلم في هذه الفترة كان صدفة ولم يكن مقصوداً لكن تدهور الأوضاع السياسية على الساحة العربية اعاد البحث مرة أخرى في تقويم الرئيس السادات سواء في سياسته بين من هو معها ومن هو ضدها. وهنا تختلف التفسيرات ولعل ابرزها ذاك الذي يقول أنه لو كان الفلسطينيون دخلوا مؤتمر مينا هاوس كان ذلك سيثمر أكثر فيما تقول نظرية أخرى انه لم يكن سيثمر. كيف تقوم تجربتك مع "ايام السادات"؟ - اعتبرها تجربة خاصة في مسيرة أعمالي. ولعل ما جذبني في الأصل الى هذا الفيلم كان إمكان التعامل مع شخصية محددة، ف"السادات" بالنسبة إلي كسينمائي، شخصية مثيرة تستحق التعمق فيها. عروض الخارج وماذا عن الظروف التي حالت دون عرض الفيلم في الخارج؟ - كنت سعيداً بالنجاح الهائل في العرض الداخلي وتجاوب اجيال لا تعرف أي شيء عن أنور السادات. واعتقد أن ابناء هذه الاجيال هم سبب نجاح الفيلم في شباك التذاكر ما يعتبر مؤشراً الى حاجة الاجيال الى معرفة تاريخ حياتها المعاصر. أما بالنسبة الى السوق الخارجي فما زلت مقتنعاً أن للفيلم مجالاً كبيراً في الغرب، ولكن مع ضرورة اختصاره بسبب ان بعض محتويات الفيلم التي قد تبدو ذات أهمية للسوق الداخلي، ليس لها أهمية في الخارج. فالمتفرج الغربي ليس مستعداً للجلوس ثلاث ساعات ليشاهد السادات وهو يقول خُطباً. وفي رأيي يمكن اختصار 45 أو 60 دقيقة من الفيلم وهذا سيفتح له اسواقاً كبيرة في الغرب. رشحك احمد زكي لاخراج الفيلم، هل لو كنت مسؤولاً عن الفيلم من بدايته كنت سترشح زكي للقيام ببطولته؟ - "أيام السادات" هو حلم أحمد زكي اولاً، وأعتقد أن ترشيحه لي كان بناء على اعمالنا السابقة. اما اهتمامي بالفيلم فأتى بناء على الشخصية. وضع مرتبِك هل ظهور فيلم فني في مصر اصبح يخضع الى الحظ أو الصدفة؟ - دائماً ما يخضع ظهور فيلم فني الى الحظ والصدفة والظروف والمناخ والتذوق السائد الى آخر هذه الاشياء... في الغرب يقومون بعمل دراسات جدوى لهذه الأمور. ومن منطلق اننا لا نقوم بهذه الدراسات من المؤكد ان الحظ يلعب دوره. ما رأيك في الوضع السينمائي في مصر حالياً؟ - وضع مرتبك، لأن مع أسلوب الاحتكار لدور العرض التي هي المنفذ الاساسي لأي فيلم اصبح عنصر المغامرة في الفن غائباً، واعتاد رأس المال على العمل المضمون الربح فقط بحسب الظروف والمناخ وغيرهما، وهذا له بالطبع سلبياته. السينما اصبحت ذات طعم واحد غير متنوع ولا يلبي حاجات جميع الاذواق. وما هو الحل برأيك؟ - الحلول تقع دائماً على عاتق الفنان نفسه، والتاريخ يؤكد أن الفنان يأخذ على عاتقه المغامرة ويفرض وجودها ونجاحها وهو الذي يساند استمراريته على رغم ما يسمى بالنجاح النسبي في مواجهة الطمع التجاري، بمعنى أن هناك فيلماً كلفته مثلاً خمسة قروش ويكسب ستة وآخر كلفته خمسة ومكسبه عشرون. إن أي سوق سينمائي لا بد من أن يتيح المجال للنوعين طالما ليست هناك خسارة، ولكن الطمع التجاري يجعل الممولين يلجأون فقط الى النوع الثاني. ألا يوجد دور للدولة؟ - أعتقد أن دور الدولة يجب ان يقوم على تسهيل الناحية المادية "السلف - الاعفاءات الضريبية - صناديق دعم السينما وغيرها". إن هناك طرقاً واساليب تستخدم في جميع دول العالم لتشجيع الصناعة ومساندتها من دون الإضرار بالحكومات، ولكنها غير موجودة عندنا. وأنا أرى ان دخول الحكومة مباشرة في الانتاج ليس دائماً في مصلحة السينما، اذ انه غالباً ما يؤدي الى فرض السياسة الوقتية على مواضيع الافلام. سينما مستقلة غلبة اللون الكوميدي الحاصلة حالياً هل تعود الى ان الجمهور يريده أم لأنه لا يجد غيره؟ - ان السائد حالياً ما يسمى سينما شبابية، وهذا اسم ساذج. انها سينما أفضل ان ألقبها بالسينما القابلة للنسيان بمعنى أنها لن تذكر بعد سنوات ضئيلة وايجابياتها محدودة جداً وفوائدها معدومة إلا لمصلحة جيوب رأس المال. في ظل ظهور الكيانات الكبيرة اختفى المنتج الصغير، ما تعليقك؟ - الحل في يد الفنان نفسه ومغامراته، وهذا تدريجاً سيعيد المنتج الصغير حينما يفرض وجوده في السوق وينجح فيه، ومن هنا فان وجود ما يسمى ب"السينما المستقلة" بات امراً حتمياً الآن. وانا شخصياً ادعو الى هذه السينما منذ أعوام عدة، والنظام الرقمي حل مثالي اصبح عالمياً لسينما طموحة قليلة الكلفة. ما رأيك في ظاهرة تناول الشخصيات السياسية والاجتماعية والفنية وغيرها في اعمال فنية سواء في السينما أم التلفزيون؟ - ظاهرة طبيعية في كل انحاء العالم تتناول شخصيات برزت في المجتمع في مرحلة ما وكان لها دور مهم على أي مستوى، انها شخصيات تجذب الكُتاب لكي يسجلوا حياتها ومآثرها ومآسيها حتى تلفزيونياً او سينمائياً أو مسرحياً. كثر في الآونة الاخيرة اتجاه عدد من السينمائيين من مؤلفين او مخرجين الى التلفزيون ما السبب؟ - هذا الأمر ليس باختيارهم، ولكنه يرجع الى الظروف الاجتماعية. أنا شخصياً لدي فيلم احلم بتقديمه منذ 12 عاماً، وخلال تلك الفترة قدمت أعمالاً اخرى . وهاأنذا أجد بعد هذا المشوار الطويل أن الفيلم مجمد في يد شركة تعاقدت عليه واختارت تجميده من دون أي اعتبار للعوامل الفنية". هل لنا ان نعرف اسم الفيلم والشركة؟ - انه فيلم "نسمة في مهب الريح" الذي أخذته "الشركة العربية" بعدما اتفقت معي ومع ليلى علوي ووقعت عقداً ودفعت جزءاً من مستحقات العمل، ولكن الفيلم اصبح مجمداً. للتخلص من هذا التجميد لا بد من فسخ عقود. ما يكشف اننا أمام جهد كبير ضائع من دون أي سبب منطقي على رغم أنه في رأيي ورأي الاخرين فيلم الساعة وله سوقه. أصول المهنة ما رأيك في الشركة العربية وغيرها عموماً؟ - أي شركة تدخل صناعة السينما وتنشطها برأس المال لا بد من أن نرحب بها، ولكن لا بد أيضاً من ان ننقدها اذا لم تحترم اصول المهنة. وما هي هذه الأصول؟ - حين تختار ما تريد تقديمه عليها أن تلتزم باتفاقاتها حتى يصل الفيلم الى الشاشة، لا أن تشتري المواضيع وتضعها في الأدراج. فالسيناريوهات ليست بطاطا أو بصلاً، انها عمل فني، وهذا الواقع يكشف عن استهتار بالابداع كأنه مجرد سلعة من دون روح وهذه نظرة خاطئة اللوم لا يقع على النيات التي تبدو لي طيبة ولكن في الادارات التي هي في رأيي من دون خبرة حقيقية في صناعة السينما. كتبت السيناريو لعدد من أفلامك، هل تجد فرقاً بين أن تكتب سيناريو فيلم تتولى إخراجه او تخرج فيلماً عن سيناريو لمؤلف آخر؟ - كتبت سيناريو فيلمي "أحلام هند وكاميليا" و"نسمة في مهب الريح" وشاركت رؤوف توفيق كتابة "مشوار عمر" وانا مشترك في 90 في المئة من الافلام إما بالبذرة الاساسية التي تكون من عندي أو من خلال وجودي في شتى مراحل كتابة السيناريو". في أي مرحلة فنية تعيش حالياً؟ - مرحلة رجل اقترب من الستين ولدي مشاريع افلام قليلة اتمنى تقديمها قبل مغادرة هذه الحياة، وبالتالي أرفض أية تنازلات لإيماني بهذه الاعمال، واعتقد أن لأعمالي وزملاء جيلي سوقاً كبيراً لا يزال يفتقد الى وجود اعمالنا، وكنت أود القول الحل يكمن في أساليب السينما المستقلة التي من دون شك ستحارَب من الكيانات الموجودة لمجرد انها تُصنع خارجها. ستكون سوقها الاول خارج البلاد ثم في داخلها وليس العكس. إحباط يخشى ان يتعرض جيلكم الى الانزواء كما حدث مع الجيل السابق لكم من امثال كمال الشيخ وتوفيق صالح وحسين كمال؟ - الانزواء يأتي بعد الاحباط وهذا أمر مؤسف جداً أن موهبة مثلاً كموهبة كمال الشيخ لا يستفاد منها والأمر نفسه ينطبق على توفيق صالح وحسين كمال. أعتقد أن السينما يمكن أن تحتضن كل الاجيال وتصبح سينما ثرية، انما السينما الموجودة حالياً سينما من دون أي خبرة حياتية، تنتج عنها سينما سطحية. ما أقرب اعمالك الى قلبك؟ - أنا سعيد بكل أعمالي وارصد منها "خرج ولم يعد" و""عودة مواطن" و"احلام هند وكاميليا" و"زوجة رجل مهم" و"مشوار عمر" و"ايام السادات" وأعتقد أنها افلام ستعيش، ولا تزال ردود افعال الناس على هذه الافلام تصل اليّ حتى اليوم وهذا شيء يطمئن اذ اننا نحتاج تشجيعاً دائماً، هو الذي يمارس دوراً أساسياً وفعالاً في السينما التي نصنعها". ما القضايا التي تؤرقك وتود التعبير عنها في أعمالك؟ - أحب التعبير عن الانسان. كل أفلامي الشخصية تأتي أولاً. ففيلم "الحريف" بدأ بالشخصية، و"زوجة رجل مهم" بشخصية الضابط و"عودة مواطن" بشخصية المغترب. الشخصية هي التي تثيرني دائماً وهذه المواضيع لا تظهر بين يوم وليلة. ما الأدوات أو المقومات التي يجب أن يمتلكها المخرج الجيد؟ - من حق أي واحد ان يخرج، وتحديداً مع وجود الكاميرا الرقمية. وما يفرق هو النظرة الى الحياة والتجارب والمفاهيم، وانسانية العمل، ان هذه هي العوامل التي تفرق بين مخرج وآخر وليس التكنيك بمفرده فهو يساهم فقط في التعبير عن هذه الاشياء. المنتج المنفذ مع اتحاد الاذاعة والتلفزيون انتج عشرات الافلام الرديئة، هل كان الخطأ في الممول أم في المنفذ من وجهة نظرك؟ - المنتج، سواء كان منتجاً منفذاً أم مقاول عمارات أو أياً كان من هذا النوع، شخص عليه ان يرجع الى ضميره المهني، اذا كانت هناك تفاحة فاسدة فلا يعني أن الكل فاسد، واذا كان منتج قد أنتج أفلاماً لا تستحق ان ترى النور فالخطأ في الممول وليس في المنفذ لانه يرجع اليه الاختيار أولاً وأخيراً. هل تستطيع التعامل مع نجم من دون آخر، وتشعر أنه يقرأ ما في رأسك اثناء التصوير ولنضرب مثالاً بأحمد زكي؟ - احمد زكي نوعية خاصة من الممثلين لأنه يحاول أن يتعايش مع الشخصية التي يؤديها، ما يجعل المخرج يشعر بأن هناك صدقية في التعامل مع الشخصية. على أي حال انا لا أتعامل مع نجوم حتى ولو كانوا نجوماً، التعامل معهم على أنهم ممثلون أساساً. هل تترك مهمة التمثيل الى الممثل أم تصر على الحصول على ما في رأسك من نتيجة؟ - لا بد من أن اكون مقتنعاً بالذي أمامي، وألاّ أكون مجرد مسجل له، فقط. ان الممثل الحقيقي دائماً ما يبحث بعد نهاية اللقطة في عين المخرج عن مدى نجاحه في الدور. طاقة هل أنت مع إلغاء الرقابة أم معها بشروط؟ - الرقابة موجودة في كل دول العالم بشكل أو بآخر، لكن هناك دائماً حدوداً وهي تختلف بحسب أذواق المجتمعات وأخلاقها. الرقابة واقع لا بد من التعامل معه احياناً بعنف وأحياناً برقة، بحسب القدرة على اقناع الطرف الآخر بالنقطة المثارة. هل قلة اعمالك مقارنة بمشوارك الفني ترجع الى ظروف انتاجية أم الى اسباب أخرى؟ - مرجع هذا الى طاقتي، لقد قدمت 19 فيلماً في نحو 25 عاماً. كنت أتمنى تقديم أكثر لكن الامور جرت بحسب ظروف انتاجية، وكذلك بسبب الكتابة نفسها التي لا يمكن ان تنجز بين يوم وليلة. ما الاعمال التي قمت بانتاجها؟ - انتجت "فارس المدينة" و"يوم حار جداً" واشتركت في انتاج "الحريف" مع زملائي بشير الديك وعاطف الطيب ونادية شكري، وسأتولى انتاج فيلم "كليفتي" وعنوان الفيلم يعني في اللهجة الساحلية اللص أو خفيف اليد. وما الذي تطلبه كمنتج؟ - في تجربتي المقبلة التي تنتمي الى ما يسمى بالسينما المستقلة، أرغب في ان تكون الطريقة الوحيدة لاثبات نجاحي هي الحفاظ على موازنة ضئيلة وتعاون الجميع بأجور مؤجلة حتى نصبح مثل الجمعية التعاونية. هل يمكن اعتبار السينما المستقلة بديلاً من السائدة؟ - ليست بديلاً. اعتبرها رفيقاً، والنظام الرقمي ليس بديلاً لنظام ال 53 ملم بل اعتبره اسلوباً آخر. أنا دائماً مؤمن وكنت أؤكد هذا لزملائي، اننا لسنا في سباق أو تنافس بل نكمل بعضنا بعضاً. وأعتقد أن الشيء نفسه يسري على ما نحب ان نسميه سينما مستقلة او سائدة. ما أهم احلامك الفنية؟ - أن أحقق فيلم "نسمة في مهب الريح" لأني مؤمن به جداً، وان أحقق "كليفتي" بالنظام الرقمي لأنه تجربة جديدة وأعتقد مهمة.