لطالما شعرت أن الكلمات تفقد معناها وقوتها أمام الألم الإنساني. لطالما فكرت أن الحماقة الإنسانية أفظع بكثير وأن الكتابة لا تستطيع في اشد لحظات الظلام أن تفعل أي شيء، فهي تتحول إلى شيء مجرد، شيء غير قادر على تحويل مسار الأحداث، أو تقليل حجم ذلك الألم. لكنّ هذا الشعور بلا جدوى الكلمات، بضعف تأثير الكتابة، بقلة فعاليتها في الميدان، وعدم الإيمان بها في المعركة هو أكثر ما يحفز على الكتابة، هو أكثر ما يقوي الإيمان بالأمل في المحاولة، هو ما يغذي حب المواجهة، حب الكلمات في حد ذاتها. ولعل ما يجعلني أكثر من متألم، أكثر من مبتئس وحزين اليوم على ما يحدث في لبنان، هو أنه بلد الكلمات الجميلة، بلد الكتابة والثقافة الجميلة، بلد الكلمات الحرة. ما تعلمناه من لبنان، ما تعلمناه من بيروت، هو أنّ لا يأس. فبيروت حتى في لحظات دمارها العنيف ظلت تعلمنا أبجديات المقاومة، وسر الحياة. ونحن من البحر إلى البحر ندين لبيروت بهذا وأكثر. ندين لها بمعان كثيرة وقيم متعددة، وإرث من الانجازات والأحلام والرمزيات المنعشة للوجدان والعقل العربيين. ما يحدث في لبنان اليوم يثير فيّ أكثر من الأسى والحزن. اشعر بأن التدمير الهمجي والذي ليس بغريب على كيان عنصري مثل إسرائيل، هو تدمير لنا جميعاً، لأنه يدمر واحداً من معاقل أحلامنا وآمالنا الكبيرة، وواحدة من ذكرياتنا الكثيرة. لم أزر لبنان قط، لم اعرف بيروت إلا من القراءات والأفلام، بيروت هي بالنسبة إلي إذاً شيء مجرد، فكرة رمزية، وهي لهذا تبدوا لي قوية في وجداني وعقلي. هي لهذا لا يمكن أن تدمر أو تفنى، هي لهذا أقوى وأكبر من كل من يحاول تدميرها بقوة السلاح، لأن الإسمنت قد ينهار ويسقط، لكن الرمز يبقى حاضراً مستمراً بالنسبة إلي والى الملايين من العرب. بشير مفتي روائي جزائري