ترسم التشكيلية الكويتية الدكتورة شروق أمين، وعينيها مفتوحتين على مجتمعها وتناقضاته، تؤمن باستمرارية الحب ودهشة اللون، لكنها مع أن يكون الفن رسالة ونمط حياة وكاشف للزيف. وتؤمن شروق أمين بالحريات المفتوحة التي تؤمن حياة جاذبة وطبيعية. وتؤكد في حوار مع «الحياة» أن التعدد مطلوب في كل شيء. وهي لديها قلق كينونة الكائن الحي، لكن خوفها من خلق الجمال والجرأة في طرحه هو ما يقلقها أكثر. عقب معرضيها اللذين أقامتهما في الكويتودبي، وما تعرضت له انتقادات من التيار المحافظ، زاد إيمانها في أن تكون أنموذجاً يدفع بالحريات ومساحتها إلى سقف يليق بها. إلى نص الحوار. معرضا «إنه عالم الرجال» (2012 الكويت) و«سوف نبني المدينة على الحب والفن» (2014 دبي) كيف تقومين وصول الفكرة للمتلقي، وما أهمية المكان الحاضن للأعمال، وهل يساهم في الدعم والمساندة؟ - اختيار دار العرض أو الغاليري مهم لطالما كنت محظوظة حين تعاملت مع دور عرض داعمة للغاية. وفي الوقت الحالي فإن غاليري «الأيام» هي التي تمثلني، لقد بذلت كل الجهود المطلوبة لدعم حرية الفنان ولإظهار إبداعه، من دون خوف خلال السنوات القليلة الماضية. وهذه من الأشياء التي تضبط وتقوي علاقة الفنان بدار العرض. تهتمين بالرسالة والفكرة في كثير من أعمالك، ما يفقد العمل الفني المتعة البصرية المدهشة، ألا يقلقك ذلك على حساب اللوحة الفنية؟ - أختلف معك تماماً. لننظر إلى لوحة «ملك القلوب»، أو «الروز الأحمر»، أو لوحة «القشة الأخيرة»، كل هذه اللوحات، ولتسمح لي أن أقول إنها جميلة بمجرد النظر لها فقط. لطالما أردت التأكيد على أن مضمون ورسالة اللوحة فنياً يجب ألا يكون على حساب جمالية الرسم. ربما تكون صادمة، أو تفاجئ المتلقي، لكنها تظل جاذبة للمشاهد. أنا امرأة أعشق الجمال «إذ إنني من برج الميزان على كل حال». يجب أن أحيط نفسي بالأشياء الجميلة، حتى ولو كانت بسيطة. الجمال الأصيل، الذي لا يجب أن يكون بمقاييس الإعلام الحالية، تنميط شكل الشفتين والأنف والصدر... إلخ. أو شراء لوحات الورود والسماوات والفواكه والمروج الخضراء والديكورات الجميلة، هذا تنميط للجمال. أختلف مع ذلك التنميط بشدة. رسوماتي تشبهني، لا تقبل مقاييس الجمال النمطي. لها ثقافتها الخاصة، ورسالتها الخاصة أيضاً، وهي كذلك لها جمالها المغاير. وهو في الحقيقة ما يجعلني أكثر قوة. قلت ذات لقاء: «هذه مهمة الفن، فلا بد من استخدام الفن كسلاح ليس فقط لعرض الحقائق في المجتمع، وإنما أيضاً للحديث عن المواضيع المهمة لتطور المجتمع سياسياً واجتماعياً». في رأيك، كيف يساهم الفن في تطور المجتمع، ألا نحمّل الفن حملاً ثقيلاً في زمن كل ما فيه يركض بجنون؟ - الفن سيبقى دوماً سلاحنا الثقافي. من خلاله نحارب الظلم، والجشع والنفاق والحرب والفقر. نحارب كل هذه الأشياء بالرسومات، وبالفن بشتى أشكاله؛ الرسم، التصوير، الكتابة...إلخ. لطالما أثبتت الفرشاة والقلم عبر التاريخ قوتها في تغيير العقول، تحريرها من الخرافات، وتحريك المجتمعات الراكدة. في هذا الزمن، لا شيء أقوى من الفن لمواجهة كوابيس السياسة والمجتمع. وكما أن وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت في نشر أفكارنا، فإن فننا سيصل لأبعد مدى، ولسيشعر الناس ببعض السيطرة على حياتهم. على سبيل المثال، نشعر بالعجز اتجاه أهلنا في سورية وأزمة التهجير فيها، لكن لدينا القدرة للتعبير عنها من خلال الرسم والكتابة لإيجاد ثقافة أجمل في المستقبل. ستكون الأجيال القادمة أكثر قدرة ماذا حدث خلال التاريخ عبر هذه الفنون؟ يقول تشارلز إيفانز هيوز: كثرة العمل لا تقتل، فما يقتل هو التشتت والقلق، فما الذي يقلق شروق أمين حد التعب؟ - بالطبع لدي مخاوف وقلق. لكن هذا الأمر صحي. لو كنت بلا قلق، فهذا يعني أني مريضة نفسياً. أنا إنسانة، ولذلك لدي مخاوف. الفرق هو أنني فنانة، ولكنني أفعل ما أفعله في حياتي على رغم هذه المخاوف. لا يعنيني تبعات ذلك. أنا لا أخاف من النتائج. لذلك، فإن الشجاعة ليست أن تكون بلا خوف، ولكن أن تفعل أشياء فيها من الجرأة ما يكفي.. وهذا الذي يوحي للبعض أن خوفاً وقلقاً ما ينتابني. "الفن ابن الحرية". هكذا قال فريدريش شيلر، كيف تعرف شروق أمين الفن وكيف تراه؟ - الفن هو سلاحي لمواجهة العالم وتغييره، أنا أعلم بأن كلمة «تغيير العالم» تثير الريبة، ولكن: حين نساعد شخص لمواصلة التحصيل الجامعي، ألا يعني ذلك تغيير حياة؟ هل نعتبر ذلك تغيير شيء بسيطاً في الحياة؟ عند شراء خيمة للاجئين وإطعام عائلاتهم، أليس ذلك تغييراً في الحياة؟ حين نرعى طفلاً ليتعلم أو نعلم الأطفال احترام المرأة بشكل أكبر، ألا يعني ذلك أننا نؤهل الرجال بشكل أمثل للمستقبل؟ هذه أمثلة بسيطة على تغيير العالم، ومسألة التغيير هذه أبسط مما نتخيل، أنها المساهمة بقدر ما تستطيع من التغيير، هذا كل ما في الأمر. صدر لك بالإنكليزية «فراشة الكويتية بدون لثام» في عام 1994 و«الريح المعلقة» في العام 2009. هل تهبك الكتابة بالإنكليزية حرية ومساحة أكبر فيما لو كتبت بالعربية. وما مشاريعك في الكتابة المستقبلية؟ - أكتب باللغة الإنكليزية لأنها هي اللغة الأولى بالنسبة إلي، إني أفكر، أتكلم، أحلم، أكتب وأقرأ بالإنكليزية. إني أقرأ وأتحدث بالعربية بالطبع، لكني لا أكتب بشكل جيد بالعربية، ولهذا أتجنب الكتابة بها. لا أعرف كيف حدث هذا، إذ إن والدي كويتي وأمي سورية، ولهذا يبدو الأمر غريباً، لكني نشأت في المدرسة البريطانية في وقت مبكر، وانتهى الأمر باستخدامي الأساسي للغة الإنكليزية أنا وأخي. أبي كان شغوفاً بالقراءة، وورثت هذا الشغف منه، وصرت أقرأ بنهم مستمر، وهو ما جعلني أبدو أقوى في اللغة الإنكليزية. في الحقيقة، أنا أخجل من ضعفي في العربية. "الحب هو أجمل سوء تقدير بين الرجل والمرأة" (فيكتور هوغو) لطالما كانت دعوتك واضحة من خلال أعمالك الفنية في الدعوة إلى الحب والحياة والفرح، مفهومك للحب من أين يبدأ وكيف ترسم أمين خط سير الحب في حياتها؟ - تعلمت معنى الحب، من والدي الراحل. لقد تعلمت منه في 11 سنة عشتها معه، ما لم أتعلم في كل حياتي. لقد علمني معاني الحب والحياة والموت، وتعلمت بأنه عندما تحب شخصاً ما، فهذا يعني أن تحبهم حتى عند الفشل، أو عند الخطأ. تعلمت كذلك أن الحياة قصيرة جدا، ولربما يأتي الموت فجأة، لذلك تحتاج إلى أن تكون على أتم الاستعداد لهذا الأمر. بعبارة أخرى، أن تعيش كل يوم وتقدم أفضل ما لديك لكي يذكرك الناس بهذه الصفة. إذ إننا لسنا سوى تلك الذكريات التي نتركها بعد الموت. هل تتعمد أمين الإثارة في كسر التابو، أم تذهب إليه بوعي وهدف يخدم العمل كي تكتمل وضوح الرؤية في اشتغالاتها الفنية؟ - لست متأكدة، أرى أنني أجيد القيام بالأمرين معاً. بالطبع لدي نوايا كسر التابو، ولكن بوعي تام. بإيمان أن عملي ينقل رسالة ما. أنا أدرس كل شيء بتفاصيله، وأعتني كثيراً بكل المعاني التي تقدمها رسوماتي. في الواقع، كنت بحاجة لاختبار هذه المعاني في الحياة الحقيقية (وليس في الصورة فقط) من أجل أن نرى حقاً تلك التفاصيل التي تختبئ في داخلها. مساحة الحرية والرقيب على الأعمال الفنية في الدول العربية. هل ما زالت تعيق حالة تطور الإبداع الفني وما الحل في رأيك في تجسير الهوة بين الفنان والرقيب؟ - أرى أن الرقابة أمر مثير للسخرية في العالم العربي. إنها مزحة. الرقابة في العالم العربي صارت محدودة في منع صورة تظهر ساق المرأة في المجلات، أو حذف مشهد قبلة في فيلم سينمائي. في المقابل، تبيح الرقابة مشاهد القتل والدم والحرب والعنف من دون تدخل؟! إنه عصر الرقابة العربية وتربية جيل عنيف من الأطفال! ما أقوله هو ضرورة أن نربي الوعي. دعونا نعلم أطفالنا الحب غير المشروط، ألا ترى أن حياة الإنسان صارت لا تحترم في العالم العربي؟! أرجو أن نتغير للأفضل. «يرفع الفن رأسه عندما تتراخى العقائد» (فريدريش نيتشه) حضارة كل أمة برقي الفنون وتطورها، هل تلمس الفنانة أمين على المدى المنظور نهضة فنية وحضارية في المحيط الجغرافي العربي؟ - لا يمكن للفن أن يتقدم إلى الأمام من دون ثورة فنية وتطور. الفن عربياً ما زال في القاع. نحن بحاجة إلى تغيير... الحكومات العربية تخشى من كلمة «الحرية». ولكن ينبغي أن تكون ذكية وتستطيع توظيف الموهوبين بدلاً من تهجيرهم إلى دول الشتات أو فرض رقابة على أعمالهم. ينبغي استغلال كل المواهب لتنمية المجتمع، للتطور والتقدم. أنا أتكلم عن تجربتي المخيبة مع الرقابة، حين أغلق عرض لي وتم إلغاؤه في الكويت العام 2012. لكن لماذا لم يتم السماح لرؤيتي في مد العون للمجتمع ومساعدته على التطور؟ لماذا لا تقدم الخدمات لي وللمبدعين الآخرين ودعمنا في تسخير قوة الفن للمجتمع؟ إنني لا أبالي من يحكم المجتمع؟ ولا يهمني أن تتشكل الحكومة بالمحافظين أو الليبراليين أو الديمقراطيين، الخ.. ما يهمني حقاً وجود مجتمع أفضل، ما يهمني المزيد من الرخاء الاقتصادي، والمزيد من الحريات، والمزيد من الأمن، والمزيد من الرعاية الصحية.. في النهاية، أريد حياة أفضل وأكثر أمنا وأكثر عدلاً في الكويت. اشتغلت على التناقضات في حضور الرجل والمرأة في أعمالك، موهت وجه الرجل وعريته من الداخل، غطيت وجه المرأة وتركت السيقان لتشف عن اللوحة. لم تضعِ فرشاتك على جرح يراد منه التغطية والصمت. برأيك لماذا يخاف المجتمع التفكير بصوت مرتفع؟ - مجتمعنا يعاني من مرض النفاق. الناس تعظ بصوت عال، ولكنهم يعيشون حياتهم خلف الأبواب المغلقة بطريقة ما تتناقض مع معتقداتهم الظاهرة. أنا ضد هذا النفاق، أتفهم الأسباب التي تؤدي لهذا التناقض ولكن لا أستطيع أن أتغاضى عنه أو أن أقبله كواقع. أنا أحب الاشتغال على التناقضات في لوحاتي باستمرار وباستخدام الزخارف حول الحجاب، والساقين، والأقنعة الزائفة.