الأحد 5/9/2010: «سندباد» و «زوزو» محيي الدين اللباد، المعلم في صناعة الكتاب العربي والمؤلف للأطفال بالخط واللون، انطوت صفحة حياته اليوم واكتملت صورة تجربته التي حفظ ملامحها في سلسلة كتبه «نظر». ولا حاجة الى التوقيع لتعرف أن هذا الكتاب من تصميم اللباد، ليس الغلاف فقط بل توزيع المادة على الصفحات واختيار الحرف. كتاب يوقعه اللباد هو تحفة في المكتبة مثل لوحة على جدار. أما الأطفال فقد خاطبهم بالحكايات في شكل سيناريو، وليس من دراسة لمدى مساهمة اللباد في تجربة مجلة «سندباد» التي أصدرتها دار المعارف بمصر في الخمسينات من القرن الماضي، ولتأثره بحسين بيكار الذي كان يصمم «سندباد» ويرسم معظم مادتها. سيحتاج المتابع الى قراءة تجربة اللباد اللاحقة في مجلات للأطفال أصدرتها دار الهلال في مصر بعد احتجاب «سندباد»، خصوصاً شخصية «زوزو»، ويقارن بينها وبين شخصيتي «سندباد» و «صفوان» في سيناريوات بيكار لمجلة «سندباد». هنا يبدو بيكار كمن يرسم عالماً مثالياً للمغامرة، أو أنه الخيال النوراني المفترض لا الواقع المعاش بأشيائه الملموسة، وربما أوصلته الى ذلك مادة ألف ليلة وليلة اللازمنية الى حد بعيد. شخصية «زوزو» بريشة اللباد ذات زوايا، وغالبية خطوطها مستقيمة أو متعرجة بحدة، لكن شخصية «سندباد» بريشة بيكار ذات خطوط مستديرة متقشفة توظف البياض بحيث يشغل غالبية الرسمة ويترك للخطوط تحديد مساحة التكوينات. فرق بين شخصيتي الفنانين نابع من ثقافتهما، فحسين بيكار مثالي داعية وئام وارتفاع عن أشياء الحياة العابرة، فيما اللباد ابن الواقعية يستخدم اليومي في رسمه من دون خجل بل يرقى به الى مرتبة الفن القابل للمشاهدة في أوقات لاحقة مديدة. رحيل محيي الدين اللباد مناسبة لتوطين الكتاب وقصص الأطفال في بلادنا بعدما استوردناها من دون تحفّظ. اتحدث هنا عن الشكل لأنه مهم كما المضمون. الاثنين 6/9/2010: القراءة في مختبر الباحثان في جامعة حيفا زوهار أفيطار ورفيق ابراهيم لاحظا أن اكتساب القدرة على قراءة العربية أبطأ وأصعب مقارنة باكتساب لغات أخرى، خصوصاً العبرية والإنكليزية. ونقلت وكالات الأنباء أن تعاوناً بين قسم علم النفس ومركز لأبحاث الدماغ لدى المصابين بعسر التعليم، أوصل الباحثين الى هذه النتيجة، وعزَوَا صعوبة قراءة العربية الى التعقيدات البصرية لهذه اللغة، ولاحظا بالاختبار أن المخيخ الأيمن في الدماغ يشارك في اكتساب القدرة على قراءة الإنكليزية والعبرية لكنه لا يشارك في اكتساب قراءة العربية، وهذا يعني «أن الأولاد الذين يكتسبون لغات أخرى يعتمدون على قدرات المخيخين الأيمن والأيسر في المراحل الأولى من تعلّم القراءة، الأمر الذي لا يحدث لدى الذين يتعلمون قراءة العربية». ليس للعلم وطن ولا يناقش الاختبار إلا الاختبار، ولكن، لا بد من ملاحظتين: 1- يأتي هذا البحث العلمي في وقت أصبح فيه تعلم العربية الزامياً في درجة ما من التعليم في اسرائيل. انها لغة أهل البلاد الأصليين ولغة أهل المنطقة، لا غنى عنها لمن يعيش في المنطقة وإن في اجتماع معاد. 2- العبرية الحديثة تكتب مثل العربية من اليمين الى اليسار، وحروفها أكثر تعقيداً من الحروف اللاتينية، ونحوها معظمه مأخوذ من نحو اللغة العربية، فلماذا يتحرك المخيخ الأيمن لدى قارئ العبرية ولا يتحرك لدى قارئ العربية. المشكلة، ربما، في العينة لا في الاختبار نفسه، فأن تختبر طفلاً لغته الأم هي العبرية التي يألفها يختلف عن اختبار طفل يتعلم العبرية للمرة الأولى. الثلثاء 7/9/2010: كونشيرتو الربابة أهكذا عشنا وأنجزنا يا رفيق الأيام المديدة، متأرجحين ما بين حيرة ووثوق؟ قرأنا وكتبنا وأحببنا، ولكن، بأشكال متقطعة أو مواربة، ليس من سياق في نقدنا الكليات والجزئيات، في تلمسنا زوايا النظر ومسار الكتابة. لم نضع حداً بين اللهو والرغبة، بين المدرسة الثانوية بحبها العابر ونصها العابر، وعيش الحب لاكتشاف الذات من شريك جسد وروح. أهكذا؟ هذا الكلام العمومي، كلام الكليات هو فشلنا. أسسنا مقدماته بقلة الشجاعة، بقلة الحيلة، بالخلط بين وجهنا في المرآة وصورة الأجداد على جدار البيت الأبوي. ولكن، لماذا لا نكتب الخيبة، ندوّن التفاصيل الفردية ولقاءات الأصدقاء في غرفة وحيدة على سطح مبنى عال. هناك توهمنا تغيير العالم، فيما ابن البيك وابن الفلاح يمزجان السمفونية بالربابة. كونشيرتو الربابة، عنوان خيبتنا... هكذا؟ الأربعاء 8/9/2010: الصخرة لا حظّ لساكن هذه البلاد لناطق هذه اللغة. لن يعمر بيتاً ويسكنه فالبناء يستغرق العمر كله والبيت للأبناء أو للمحتلين. كتابات الماضي تفاقم اغترابك ولا أحد يكتب عن الحاضر. يصطدم رأس المؤلف بصخرة ولا يكتب عن الصخرة يستعير حساسياته من كتب مترجمة ويبصم رأيه في تذييل نص تراثي. الخميس 9/9/2010: حريق جديد ضج العالم بالاعتراض على قرار القسيس الأميركي تيري جونز احراق مئتي مصحف في 11 سبتمبر في «حفل مفتوح» قرب كنيسة (عدد أتباعها 50 شخصاً) في احدى بلدات فلوريدا، وشملت الأصوات المعترضة سياسيين ورجال دين من قارات العالم ينتمون الى الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام. قد يتراجع جونز في اللحظة الأخيرة أو ينفذ قراره، لكن المبادرة نفسها دليل التمادي في نقل الصراع السياسي والاقتصادي والثقافي الى المجال الديني، ومحاولة احلال رجال الدين الغربيين في مكان السياسيين، مقلدين زملاءهم في الشرق، ليصبح الانتخاب مبايعة، والمنصب كرسياً مدى العمر، والتأييد المشروط ولاء بلا حدود، والخصومة المشروطة براء لا رجعة عنه. ولا ندري رمزية الرقم 200، عدد المصاحف التي سيحرقها تيري جونز، لكنه برر القرار ب «تذكر من قتلوا في أحداث 11/9» و «تحذير الى العناصر الإسلامية المتطرفة». ويبدو جونز لمن رآه على شاشة التلفزيون أشبه بممثلي الوسترن حيث ينسب بطل الفيلم الى نفسه صفة القاضي ومنفذ الحكم في فوضى ما قبل تكوّن المجتمع. وإذا بحثنا عن شبيه لجونز عندنا نراه في أولئك التكفيريين الذين يحتكرون الحقيقة ويرون في عقائد الآخرين خطأ أصلياً يودي الى أشد أنواع العقاب لمجرد أنهم اعتنقوها. أسامة بن لادن، إن كان على قيد الحياة، سيفرحه كثيراً قرار جونز لأنه خطوة في مسار تقسيم العالم الى قسطاطين وتدمير التنوع، صورة الحضارة الحديثة وجوهرها. وفيما يصرّ تيري جونز على قرار الإحراق حدثت في العراق هاتان الجريمتان من بين جرائم كثيرة: أعلنت الشرطة العراقية مقتل صفاء الخياط مقدم البرنامج الديني في فضائية «الموصلية»، وكانت أعلنت مقتل رياض السراي مقدم البرنامج الديني في قناة «العراقية» - دعاة في التلفزيون يقتلهم المشاهدون. أين الإيمان من كل هذه الالتباسات؟ أين المدى الروحي في هذه العسكرة المتمادية باسم العبادة؟ الجمعة 10/9/2010: مؤيد الراوي مؤيد الراوي، من جماعة كركوك في الشعر العراقي الحديث، يستقر في برلين بعد حياة عاصفة من مسقط رأسه الى بغداد الى عمّان الى بيروت: كيف تواجه الديكتاتورية وتعيش مستقراً؟ انه المستحيل. التقيته قليلاً في بيروت، هذا الذي غزا الشيب شعره مبكراً لا أدري لم كان يلبس حذاء عالي الكعب على رغم طول قامته؟ يكسب قوت يومه من تصميم صحف ومجلات وكتب، فيعمل في الغرف الداخلية فلا يظهر إلا أمام الصحب المؤتمنين. وفي بيروت، سبعينات القرن الماضي، اجتمعت المتناقضات، في ظل ياسر عرفات صاحب الخيمة الكبيرة. كان مؤيد الراوي معارضاً لصدام حسين تحت خيمة عرفات التي تضم أنصاراً لصدام. وحين انقطع خيط التعايش المفتعل وبدأ اغتيال المعارضين فرّ مؤيد الراوي وكثيرون غيره من لبنان ليستقروا في الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية حيث الشيوعيون يحكمون. سمعنا آنذاك عن جماعة كركوك (مؤيد الراوي وجان دمو وسركون بولص وجليل القيسي وآخرون)، وقرأنا لمؤيد ديوانه «احتمالات الوضوح» الصادر في بيروت في طبعة محدودة. شعر صعب لأنه معرض في أي لحظة للاندراج في أدب الانطباع على مشهد أو حادث أو ذاكرة أو محطة تاريخية. لذلك كان مؤيد الراوي مقلاً، ولعل كتابه الشعري «ممالك» الصادر حديثاً عن دار الجمل في بغداد وبيروت يمثل صورة شعره الحاضرة. قوارب الموت التي يتوسلها المهاجرون غير الشرعيين للوصول الى أوروبا فلا يصلون أو تصل أجسادهم الغرقى، هي موضوع قصائد عدة في «ممالك»، ونقتطف منها: «في كل ربيع يخرج من باطن الأرض جراد. يريد أن يعبر البرزخ ويطير فوق المياه مغتبطاً، إلا أن الريح غير مواتية/ والزاد قليل/ والهواء قليل. تلك وقائع إبحار مثبتة في سجلات حرس الحدود، / وتفاصيل موت حُشيت في الحاسبات. خبر في صحيفة. شريط حدثٍ لبضع ثوان: كاشفات الضوء في الليل تمر على أجساد مبللة ملقاة / على الساحل. أجساد منتفخة، عارية الأقدام، / مغطاة بملاءة من البلاستيك، مركونة على الرصيف. / موتى – هم مجرد أرقام في سجل، / يأتي الغد / فيُنسى فائض / هذا اليوم».