من يعرف مدينة "صيدا" عاصمة الجنوب اللبناني، وخبر شوارعها وانماط عيش أهلها، يدرك اليوم أن تبدلاً كبيراً أصابها: ازدحام سير غير عادي على رغم أزمة البنزين والأرصفة التي قلما شهدت كثرة المشاة، تمتلئ بأعداد من المارة لم تعتد كثرتها. اما الوجوه التي تصادفها في كل مكان فتنبئك بألف حكاية وحكاية عن المكان الذي غادرته مجبرة. فالمدينة التي لا يتجاوز عدد سكانها مئة ألف نسمة، أصبحت تحتضن في أحيائها اكثر من 135 ألف نازح من مختلف مناطق الجنوب اللبناني، توزعوا على أكثر من 87 مركزاً، وترعى"هيئة الشهيد الرئيس رفيق الحريري للإغاثة"أكثر من نصف هذه المراكز، بينما تتولى بلدية صيدا وعدد من المؤسسات الاهلية اضافة الى"الجماعة الاسلامية"ادارة المراكز الباقية. وتجدر الاشارة الى أن المراكز تلك على كثرة عددها، لا تضم العدد الأكبر من نازحي الجنوب الذين لجأ العديد منهم الى الاصدقاء أو الاهل، أو ستأجر ميسور الحال منهم شققاً سكنية في احياء المدينة المختلفة. مع العلم أن معظم المؤسسات المذكورة، قامت باحصاء شامل لهذه العائلات"من خارج المراكز"، كما زودت مع وصول المعونات الغذائية والطبية، معظمهم بالفرش والاغطية. وفي شكل دوري، توزع هذه المؤسسات المواد الغذائية عليهم. كما تجرى زيارات طبية في شكل دائم توزع خلالها الأدوية مجاناً على المرضى، في حين تحوّل الحالات الأكثر صعوبة الى مستشفيات المدينة. وفي أحد مراكز المدينة، الذي يضم اكثر من 600 مهجر، قال علي وهو مهجر مع خمسة أفراد من عائلته من بلدة البستان الحدودية، انه خبر سياسة اسرائيل وعدوانيتها بحكم معايشته جميع اعتداءاتها واحتلالاتها، واضاف انه لا يتوقع أن يسمح له بالعودة الى قريته قبل شهرين على الاقل حتى ولو صدر قرار من مجلس الامن بوقف اطلاق النار"ذلك ان اسرائيل قد عودتنا على المماطلة دائماً". وجل ما يشغل باله في الوقت الحالي مسألة"من سيدفع التعويضات عند عودته لإعادة اعمار منزله الذي تهدم"وهو الذي رممه سابقاً بعد اجتياح العام 82 على نفقته الخاصة. وحول نمط العلاقة التي تنشأ بين الناس في ظروف التهجير، قال عادل درويش من بلدة الدوير قرب النبطية، والذي يعمل في حدادة السيارات ان"المصيبة بتجمع"، وهو على وفاق تام مع"رفاقي في المصيبة"ويشعر بالاعتزاز والفخر لأنه استطاع أن يكوّن صداقات مع اشخاص كثر ومن قرى كان يسمع عنها فقط بالأمس القريب، ولكنه الآن اصبح يشعر بأكثر من رابط يربطه بهذه القرى وأهلها. وعند عودته الى قريته التي يأمل بأن تكون قريبة سوف يعمل على الاستمرار في صداقاته تلك.