شهد المراقبون الدوليون والمحليون بنزاهة الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت في اجواء من الهدوء والتنظيم تسجل كانجاز كبير للشعب الفلسطيني في الضفة الغربيةالمحتلة وفي قطاع غزة المتحرر من الاحتلال ولرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي دعا، رغم هزيمة حركته"فتح"أمام"حماس"، الى احترام نتائج الانتخابات. ولكن فوز"حماس"جاء في مثابة زلزال قوي صدع اركان حركة"فتح"التي قادت النضال الفلسطيني على مدى بضعة عقود من الزمن وظلت حزب السلطة الحاكم منذ 1996 حتى الآن وجعل هذه الحركة تترنح من هول الصدمة والارتجاج. ومع ان حلول"فتح"في المرتبة الثانية في المجلس التشريعي وراء"حماس"لا يشكل بالنسبة اليها ضربة قاضية سياسياً بأي حال من الاحوال بل ربما يسدي لها خدمةً قيمة اذا استطاعت استخلاص الدروس والعبر من الكارثة التي حلت بها، فان مما لا شك فيه ان الساحة السياسية الفلسطينية قد طرأ عليها تغيير جذري مفاجئ ليس من السهل استقراء نتائجه بدقة، خصوصاً على صعيد العلاقات بين القوى والفصائل الفلسطينية وايضاً على صعيد العلاقات الفلسطينية - الاسرائيلية التي ما زالت في اساسها علاقات قوة احتلال بشعب خاضع للاحتلال معرض لفقدان أراضيه وحقوقه وقدرته على الحركة بيسر. كذلك ما زالت ردود الافعال الدولية مستمرة وآخذة في التبلور على رغم ان بعضها، لا سيما الصادر عن دول الاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدة، له خطوطه المحددة وهي ان لا احد سيتحدث الى"حماس"ما لم تعترف باسرائيل وتغير ميثاقها بما يتفق وذلك الاعتراف وما لم تركن سلاحها الذي يتناقض حمله مع وجودها في المجلس التشريعي وفي الحكم لاحقاً وقريباً. ومع ان استقراء ما قد يحدث على صعيد القضية الفلسطينية صعب الآن ولما تمض على انتهاء الانتخابات سوى ساعات، فان بعض الامور باتت واضحة او شبه واضحة ومن ابرزها: - فلسطينياً: صدمت"فتح"نتيجة لخروجها من السلطة وفقاً للارادة الشعبية، ومن الواضح ان عاملين اساسيين كانا وراء هزيمتها اولهما ان اسرائيل لم تعط حزب السلطة منذ تولي الرئيس عباس الرئاسة خلفاً للراحل ياسر عرفات اي شيء يمكنه ان يقدمه لشعبه كانجاز مثلاً من قبيل لبدء بالسير نحو تسوية مقبولة في وقت ليس ببعيد، كما ان الرئيس الاميركي جورج بوش ادار ظهره للفلسطينيين وانشغل بتبعات الحرب في العراق وبقي حليفاً قوياً لاسرائيل على رغم مخالفتها القرارات الدولية، ناكثاً بذلك وعوده لعباس. اما العامل الثاني فهو ان الفساد في حزب السلطة بقي ملازماً لعدم تحسن مستوى المعيشة. وفيما اعلنت"فتح"انها ترفض ان تكون شريكة حكومية ل"حماس"ربما رغبة منها في ان تراها وهي تتعثر في الحكم وحدها ولا تستطيع التحدث الى الاسرائيليين واطراف دولية اخرى، فإن"حماس"بدت في الساعات الأولى بعد الانتخابات كمن فوجئ بالفوز وفوجئ أكثر بوصول لحظة الحقيقة واعباء الحكم واعباء التفاوض الذي لن يحدث الا في ظل شروط قاسية مطلوبة اميركياً واسرائيلياً واوروبياً. اسرائيلياً، على رغم شعور حكومة ايهود اولمرت بالارتباك والصدمة من وصول"حماس"الوشيك الى الحكم، فإن اسرائيل مصممة على عدم التعامل مع الحركة الاسلامية وقد اعلنت امس انها ستدعو الى وقف الدعم المالي للسلطة الفلسطينية ولن تتفاوض معها. وقد بات الطريق مفتوحاً على مصراعيه الآن امام اسرائيل لاتخاذ مزيد من الخطوات الاحادية الجانب، وهو ما يعني انها ستواصل ترسيم حدودها بقضم مزيد من الاراضي الفلسطينية متذرعةً بالعذر الواهي القديم نفسه ان"لا شريك في الطرف الآخر". في النهاية ان ليست هناك عملية سلام اصلاً وان الولاياتالمتحدة لم تكن جادة في السعي خلال السنوات القليلة الماضية الى تحقيق تسوية. وان فوز"حماس"في الانتخابات وفقاً لأرقى معايير الديموقراطية هو مفخرة للشعب الفلسطيني لكنه فوز يتطلب من"حماس"نفسها ومن"فتح"والاطراف الدولية تكيفاً حقيقياً مع متطلبات التقدم نحو تسوية للصراع الاقدم في العالم الحديث. امس ارتكب انصار"حماس"خطأ برفع علم حركتهم على المجلس التشريعي الفلسطيني في رام الله مكان العلم الفلسطيني. ولم تكن تلك بداية جيدة.