أرجو ان يصبر القارئ معي وعلي حتى النهاية اسرائيل كمملكة ورد ذكرها في التوراة خرافة، أو حبّة أصبحت قبّة من دون أي دليل تاريخي تقوم عليه. عالما الآثار الاسرائيليان اسرائيل فنكلستين ونيل اشر سيلبرمان يقولان هذا في كتابهما الجديد"بحثاً عن الملوك المقدسين في التوراة وجذور التقليد الغربي"التقليد هنا بمعنى الرواية المتّفق عليها. وهما يتحدثان عن مملكتين هما يهودية واسرائيل، والأولى أهمّ، ويشككان في وجود ملوك اسرائيل أو أنبيائها. وأذكر من كتاب سابق لفنكلستين انه يقول ان القدس التوراتية، لو وُجدت لكانت قرية صغيرة، لا علاقة لها بالقدس الحالية. والكتاب الجديد يكرّر هذا الرأي اعتماداً على الحفريات الأثرية، وتحديداً على ما لم تجده الحفريات لاثبات التاريخ المزعوم. أختصر ثلاثة آلاف سنة من التاريخ، فإسرائيل الحالية موجودة وآثارها من جرائم ضد الانسانية تشهد على وجودها، ومرة أخرى لا أبدي رأياً من عندي، فالبروفسور الاسرائيلي ايلان باب وثّق هذه الجرائم في كتابه"التطهير الاثني للفلسطينيين"، والبروفسورة الاسرائيلية تانيا رينهارت قالت في محاضرة في ملبورن هذا الشهر ان اسرائيل مارست تطهيراً اثنياً ضد الفلسطينيين سنة 1948، وأيضاً سنة 1967، وانها في سبيل تطهير ثالث الآن. والعدد الأخير من مجلة جامعة أوكسفورد يضم 28 مقالاً توثق هذه التهمة. أرجو من القارئ ان يلاحظ انني استشهدت بعالمين اسرائيليين يدحضان خرافة اسرائيل القديمة، وإنني استشهدت بأشهر جامعة في العالم، وبأستاذين من جامعتي حيفا وتل أبيب لتأكيد انها عندما قامت ارتكبت جرائم ضد الانسانية. هناك أكاديميون اسرائيليون ويهود حول العالم من هذا النوع الانساني الراقي، يجب ان نقدّر جميعاً عملهم وجرأتهم في الحق. غير انني أبقى مع اسرائيل وما ترتكب يوماً بعد يوم، فعندي مرجع اسرائيلي آخر هو"بتسلم"، أو مركز المعلومات الاسرائيلي لحقوق الانسان في الأراضي المحتلة، الذي أتوكأ باستمرار على أرقامه، فإذا كان أكاديميون اسرائيليون لا يكذبون ضد اسرائيل، فإن الأرقام لا تكذب على كل الناس. بتسلم تقول إن عدد القتلى من الفلسطينيين في ست سنوات كاملة منذ بدء الانتفاضة الثانية في 29/9/2000 وحتى 30/9/2006 كان 3738 قتيلاً في الأراضي المحتلة، و60 في اسرائيل و41 قتلهم مدنيون اسرائيليون أي مستوطنون، والمجموع 3839 قتيلاً. وفي القترة نفسها قتل الفلسطينيون من الاسرائيليين 235 في الأراضي المحتلة و462 في اسرائيل، أي ما مجموعه 697 قتيلاً هناك حوالى 300 قتيل عسكري اسرائيلي الا انني هنا أكتفي بالمدنيين لأن قتل هؤلاء من دون ان يكونوا مشاركين في أي قتال هو ارهاب. أرقام الضحايا الفلسطينيين ارتفعت خلال الأسبوعين التاليين، وتحديداً حتى 15 الجاري وآخر إحصاء متوافر، الى 3769 قتيلاً في الأراضي المحتلة و61 قتيلاً في اسرائيل، وأيضاً 41 قتيلاً بأيدي المستوطنين، أي ما مجموعه 3871 قتيلاً. وهناك قتلى آخرون بعد 15 الجاري بينهم خمسة من أسرة واحدة. حتى نتجنّب أي جدل حول المدنيين وپ"الارهابيين"من الفلسطينيين، أكتفي باختيار أرقام الضحايا من القاصرين، أي دون الخامسة عشرة، حتى 15 الجاري. وبتسلم تقول انهم كانوا 775 ولداً فلسطينياً في الأراضي المحتلة واسرائيل مقابل 119 ولداً اسرائيلياً. قتل القاصرين ارهاب ولا جدال، والأرقام الأخيرة تظهر ان اسرائيل كانت ارهابية سبع مرات أكثر من الفصائل الفلسطينية مجتمعة، بما فيها حماس والجهاد الاسلامي. والآن ننتقل الى حربي الصيف على الفلسطينيين في قطاع غزةولبنان واللبنانيين، فكل يوم خبر جديد عن جرائم الصيف، تنفيه اسرائيل ما يؤكد صحته، وأكتفي بثلاثة نماذج: - استخدمت اسرائيل قنابل الفوسفور، وهذه مادة كيماوية تستخدم في القنابل والقذائف والصواريخ، وتسبب حروقاً من الدرجة الثالثة. وقد اعترف الوزير جاكوب ايديري رداً على سؤال في الكنيست باستعمال الفوسفور الأبيض غير الممنوع دولياً وقال إنه جزء من ذخائر مختلفة لدى الجيش الاسرائيلي. - كشف برنامج تلفزيوني ايطالي ان القوات الاسرائيلية تجرّب أسلحة جديدة في الفلسطينيين وتحدث تحديداً عن شيء اسمه بالحروف الأولى DIME، وهو من نوع سلاح أميركي يؤدي الى انفجار هائل قاتل ولكن في مكان محدود. وكان أطباء فلسطينيون لاحظوا إصابات غير مألوفة في القتلى والجرحى، وأكد مختبر ايطالي سبب هذه الاصابات، كما ان الصليب الأحمر الدولي يحقق فيها. - استخدمت اسرائيل قنابل عنقودية، وهي معروفة من اسمها، فالقنبلة الواحدة تطلق عشرات القنابل الصغيرة، وثمة خبراء من الأممالمتحدة وغيرها يقدرون ان اسرائيل تركت مليون قنبلة صغيرة وراءها في لبنان، وهناك كل يوم الآن ثلاثة أو أربعة قتلى معظمهم من الصغار الذين يتعثرون بهذه القنابل أو يجدونها ويلعبون بها. أرجو ان يكون القارئ لاحظ انني استشهدت باسرائيليين على خرافة اسرائيل التوراة، وباسرائيليين ومصادر غربية ودولية على جرائمها ضد الانسانية منذ قيامها، وإرهابها المتواصل حتى الصيف. بعد هذا كله أقرأ ما يكتب اعتذاريون للجرائم الاسرائيلية، ومثال واحد يكفي فقد كتب جيرالد ستاينبرغ في"واشنطن تايمز"المتطرفة مثله مقالاً بعنوان"أكاذيب حقوق الانسان"هاجم فيها منظمات حقوق الانسان الأميركية والعالمية التي سجلت جرائم اسرائيل، وقال ان اسرائيل دافعت عن نفسها ضد صواريخ حزب الله، مع ان صاروخاً واحداً لم يطلق قبل بدء الغارات الاسرائيلية على المدنيين من قانا الى القاع. عزاؤنا انه مقابل كل ستاينبرغ هناك فنكلستين وباب ورينهارت وعشرات، بل مئات، مثلهم، وأيضاً منظمات حقوق الانسان في اسرائيل والعالم.