"بلهاء" و "لص خطير" و "مدع" و "فيلان من الماضي"... يتنافسون على خوض انتخابات الرئاسة الفرنسية في ايار مايو المقبل وفقاً للأوصاف والنعوت المتبادلة بين المسترئسين المختلفين والاوساط المؤيدة لكل منهم. وتستهدف هذه التعابير، التي يتناقلها الاعلام الفرنسي شبه يومياً، النائبة الاشتراكية سيغولين رويال، التي أفادت استطلاعات الرأي الأخيرة انها الأوفر حظاً في خلافة الرئيس الفرنسي جاك شيراك ووزير الداخلية نيكولا ساركوزي، الذي يعتبر منذ سنوات ترشيح حزب"الاتحاد من أجل الحركة الشعبية"حقاً شرعياً ومكتسباً له. كما تطاول رئيس الحكومة الفرنسي دومينيك دوفيلبان، الذي يتكتم حتى الآن عن احتمال خوضه المعترك الرئاسي، مؤكداً ان اولوياته تبقى إدارة العمل الحكومي وفقاً لتوجيهات شيراك، ورئيس الحكومة الاشتراكي السابق لوران فابيوس والوزير الاشتراكي السابق دومينيك شتروس كان، العازمين على منافسة رويال على ترشيح الحزب الاشتراكي لها، على رغم ضعف نسبة التأييد الشعبي لهما. ويكاد التراشق الكلامي اليومي، والعبارات المسمومة، السمة الأبرز للمعركة المحتدمة في الوسط السياسي نتيجة الانقسامات الداخلية التي يثيرها تعدد الطامحين للمنصب في الجانبين اليميني واليساري. ويفرض هذا الواقع على كل من هؤلاء خوض"معركة مزدوجة"، احداها مع الرأي العام الفرنسي عموماً، لإقناعه بمواصفاته الرئاسية، والأخرى مع اسرته السياسية لفرض نفسه عليها بصفته أفضل المرشحين، ما يلف الحملة في وضعها الحالي بأجواء من التوتر الشديد. وبالتالي فإن الجهد الذي يكرسه ساركوزي والطاقة التي يوظفها لقطع الطريق على دوفيلبان أو على وزيرة الدفاع ميشال اليوماري، والحؤول دون سعيهما لمناقشته على ترشيح حزبه له يفوق بالتأكيد ما يكرسه لمقارعة رويال، التي يتعمد دائماً الحديث عنها بهذر وسخرية، بوصفها ب"البلهاء"أو"الفارغة بالمطلق"، مسخفاً منافستها له على الرئاسة. وعندما يعلن ساركوزي، خلال مهرجان اقيم في مدينة بيريغو، بأنه لن يسمح لأحد"بأن يسرق منه النصر"في انتخابات 2007 فإن كلامه هذا موجه الى اليمين الحاكم وليس الى المعارضة اليسارية. وهو قد لا يجد ما يمنعه من اتهام منافسيه بالسرقة، كونه يعرف جيداً انهم يصفونه بالشخص الخطير وباللص الذي سطا على الحزب الحاكم وجير أطره المختلفة لصالح معركته الانتخابية. وعندما يُنتقد ساركوزي ب"الادعاء"و"الغطرسة"اللذين يقول ان السياسة الفرنسية الخارجية اتسمت بهما، فإنه يحمل وبشكل مباشر على دوفيلبان والرئيس جاك شيراك. وما ان يصل كلام ساركوزي الى مسمع أحد المقربين من شيراك، رئيس البرلمان الفرنسي جان لوي دوبريه، حتى ينفجر غضبه على وزير الداخلية ويدعوه الى وقف هجماته على الحكومة، التي لا يزال عضواً فيها، وعلى رئيس الجمهورية، والكف عن تبرير هذه الهجمات"بسياسة القطيعة"التي يرغب بتجسيدها. ويرد الوزير المفوض بريس هورتفو، المقرب من ساركوزي، على دوبريه ويصفه ب"المنافق المهووس"، ويتهمه بالتحامل على أحد أكثر المرشحين شعبية لدى الرأي العام الفرنسي. في المقابل، وعلى جبهة المعارضة الاشتراكية، ساهم انسحاب كل من رئيس الحكومة السابق ليونيل جوسبان والوزير السابق جاك لانغ من المنافسة، في تهدئة حدة التوتر الداخلي، لكن هذا لم يمنع أنصار رويال من تشبيها ب"الغزال"، المضطر لمقارعة"فيلين من الماضي"هما شتروس كان وفابيوس. ولا تخفي أوساط المسؤولين الاشتراكيين، خوفها من الازدراء الذي تعتمده رويال حيالهما خصوصاً انها أعلنت أخيراً انها قد لا تكون ملزمة بالمشاركة بجلسات النقاش الست التي قررها الحزب، ويفترض ان يكشف خلالها المتنافسون آراءهم وطروحاتهم. ويجر هذا الحنق نفسه على الأمين العام للحزب الاشتراكي فرانسوا هولاند، الذي بات أنصار شتروس كان وفابيوس يشككون بالحياد المفترض ان يلتزمه بين المرشحين الثلاثة، رغم كون رويال شريكة حياته. وتبدو هذه الأجواء وما يرافقها من شتائم متبادلة سلبية للمراقب المحايد، لكنها قد لا تكون كذلك بالنسبة الى الفرنسي الذي يواجه يومياً مشكلات على صعيد الضائقة المعيشية وانحسار القدرة الشرائية والتردي الأمني، ولا يرى عبر الحملة الدائرة من حوله سوى المنافسة والتناحر الشخصي.