بعد سنوات عجاف دامت منذ العام 2000، عادت صناعة الاتّصالات لتدرّ الأرباح مجدداً. وفي المقابل، فان التطوّرات في تكنولوجيا الإنترنت تتحدّى دور الشركات التقليدية للاتصالات السلكية واللاسلكية بما فيها الخليوي وطرق عملها، مما يوّلد ضغوطاً لإيجاد مقاربة جديدة لتنظيم هذه الصناعة. ورد هذا الاستنتاج الاساسي في اختتام تقرير الاتصالات لسنة 2005 الذي صدر اخيراً عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. والمعلوم ان تلك المنظمة تعتبر اطاراً مشتركاً يضم الدول الاكثر غنى في العالم. يخلص التقرير عينه الى الإشارة إلى أنّ الشعبية المتنامية للإرسال الهاتفي عبر الإنترنت، التي تسمى تقنياً"الصوت عبر بروتوكول الإنترنت"Voice over Internet Protocol، واختصاراً VoIP، تهدّد عائدات الخطوط الثابتة لدى الشركات التقليدية، خصوصاً في ما يتعلّق بالاتّصالات الدولية. وفي سياق مماثل، فقد مثّل"الصوت عبر بروتوكول الإنترنت"تحدّياً للهواتف الجوّالة ايضاً، وهو امر لم يكن متوقعاً. وزاد من وقع هذا التحدي انه جاء في الوقت الذي حقق فيه الخليوي تفوقاً تاريخياً على الهواتف الثابتة، في عدد كبير من دول العالم، وخصوصاً في الدول الصناعية المتقدمة. الخليوي يهزم النائب في سنة 2003، وللمرة الأولى تاريخياً، خفض عدد خطوط الهاتف الثابتة في بلدان"منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية". وبدأت شركات الهواتف الجوّالة تتوسع في السوق على حساب الشركات التقليدية للاتصالات السلكية واللاسلكية. واستمرّت هذه الموجة في السنتين 2004 و2005. وعلى سبيل المثال، أعلنت وزارة الاتصالات في النروج في وقت سابق من العام الجاري، ان عدد اشتراكات الهواتف الخليوية في النروج فاق وللمرة الأولى عدد سكان البلاد. والمعلوم ان سكان النروج، كما الكثير من سكان الدول الاوروبية المجاورة، يفضلون استخدام الهواتف الخليوية اكثر من العادية. وقد الغى كثير منهم اشتراكات هواتفهم العادية لمصلحة الاشتراك في شبكات للخلوي. وفي نهاية العام 2004 ، ضمت النروج اكثر من 4 ملايين و710 آلاف اشتراك بالهاتف الخليوي مقابل اربعة ملايين و600 الف نسمة هم سكان البلد. وتبين ان نسبة 17 في المئة من العائلات النروجية تشترك في الهواتف الخليوية بعد ان الغاء اشتراكات هواتفها العادية. أما بالنسبة إلى الإرسال الهاتفي عبر الإنترنت، فقد أجرى التقرير الوارد اعلاه مقارنة بين كلفة الاتصالات عبر مزوّدي الصوت عبر بروتوكول الإنترنت، وكلفتها عبر الخطوط الثابتة التقليدية في بلدان"منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية". وأظهرت معدّل توفير يبلغ 80 في المئة لدى استخدام الانترنت. وتعتبر الدنمارك وبولندا وهولندا أكثر البلدان التي تستخدم"الصوت عبر الانترنت". ويميل الناس فيها الى حجز خطوط على أساس سنويّ للمكالمات عبر الويب. لذا، تتوقّع"منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية"للسنة المقبلة أن تظهر عروض خدمات جديدة من الشركات التقليدية، مثل إنشاء مراكز اتّصال لاسلكي بالإنترنت عبر تقنية"واي-فاي"Wi-Fi، التي يُشار اليها تقنياً باسم"النقاط الساخنة"Hot Points، في المدن الكبرى. ومن المتوقع ان يؤدي انتشار تلك النقاط الى استعار المنافسة بين الانترنت وخلويات الجيل الثالث 3G التي تمثّل الموجة الراهنة من الاجهزة التي تصنعها شركات الهاتف الجوّال. وقد تصل تلك المنافسة الى امدية أكبر مما كانت تتوقّعه شركات الخليوي عندما حصلت على رخص صنع اجهزة الجيل الثالث مقابل مبالغ كبيرة من المال في حالات عدّة. وبهدف زيادة العائدات، يقترح التقرير أنّ الجيل الثالث من الهواتف الجوّالة قد يضطرّ إلى تغيير سياساته. فقد تلجاً، مثلاً الى إقناع الزبائن بتوقيع عقود على المدى الطويل، بدل شراء وقت الاتّصال على أساس يوميّ، كما هي الحال اليوم مع نسبة كبيرة من الزبائن الذين يعتمدون على البطاقات المدفوعة سلفاً. توقعات لمستقبل المنافسة في الاتصالات إضافة إلى مواضيع تقنية أخرى، يورد التقرير السالف الذكر التوقعات التالية بالنسبة الى مستقبل هذه المنافسة غير المتوقعة في عالم الاتصالات: 1- سوف يقدّم مزودو خدمات الانترنت خطوطاً تجمع الفيديو والصوت والمعلومات في رزمة واحدة. ولعل خطوط الانترنت السريعة من نوع"آيه دي اس ال"ADSL هي نموذج لما ستكونه خطوط الويب في المستقبل القريب. - مع ارتفاع الشعبية المتزايدة التي يلقاها تسجيل الفيديو عبر الإنترنت، سينخفض الوقت الذي يمضيه الأشخاص في مشاهدة التلفزيون، ومما سيؤدّي إلى خفض نسبة مشاهدي التلفزة، ما يؤدي استطراداً الى خفض عائدات الإعلانات على الأقنية التلفزيونية. ويطرح الامر اسئلة صعبة عن الدور الاجتماعي لتلك الاقنية، وللتلفزيون عموماً. - قد تتطلّب المنافسة المتزايدة التي تفرضها التقنيات الصوتية والبصرية الجديدة في الشبكة الدولية للكومبيوتر، مع مزوّدي البرامج أو الاتصالات السلكية واللاسلكية التقليدية، إعادة النظر في أطر العمل التنظيمية الموجودة في عالم الاتصالات راهناً. وقد يحتاج المنظّمون بوجه خاص إلى مراجعة الالتزامات في ما يتعلّق بخدمة الاتصالات السلكية واللاسلكية العالمية، نظراً إلى أنّ المزيد من الشركات تقدّم خدمات هاتفية على الإنترنت من دون ضرورة إلى الوجود الفعلي لها في البلد. ادمان الانترنت يمكن القول ببساطة ان تقرير"منظمة دول التعاون والتنمية الاقتصادية"عن الاتصالات يتوقع ان يقضي الجمهور ساعات اطول في التعامل مع الانترنت. ويثير الامر اسئلة عدة، وخصوصاً عن ظاهرة ادمان الانترنت، التي باتت من الهموم الاجتماعية المقلقة في الكثير من الدول. فقد ذكر مكتب الاحصاءات التابع للاتحاد الاوروبي يوروستات أخيراً، أن ثلاثة أرباع الشباب الاوروبي الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً أدمنوا الانترنت. وأظهرت دراسة واسعة أُعدّت باشراف المكتب المذكور، ان 80 في المئة من الاوروبيين البالغين و90 في المئة من الشركات التابعة للاتحاد الاوروبي تستخدم الانترنت. وأكدت تلك الدراسة أن الرجال يستخدمون الانترنت أكثر من النساء. وأشارت إلى أنه في الربع الاول من العام 2004 سجل الشعب السويدي أعلى معدل في استخدام الانترنت إذ وصلت نسبة المستخدمين إلى 82 في المئة، يليه الشعب الدنماركي بنسبة 76 في المئة ثم الفنلندي بنسبة 70 في المئة. تحوّلات الكومبيوتر وشيوعه وفي سياق متصل، من الواضح ان الكومبيوتر يتغير بدوره، ليتلاءم مع المتغيّرات المستمرة في عالم الاتصالات. فقد اصبح الخليوي كومبيوتراً مُصغّراً. ويقف"المساعد الشخصي الرقمي"في منزلة وسطى بين الحاسوب والخليوي. ويحاول بعض الخبراء صنع كومبيوتر"مُبسّط"، لكي يروج بين الايدي، فيضمن لنفسه مكاناً في خضم الصراع بين الخليوي والتلفزيون والانترنت والكومبيوتر العادي والمساعد الرقمي الشخصي وغيرها. ويأتي النموذج الاقوى في هذا المجال من الهند. فقد اعلنت شركة هندية رائدة في صناعة البرمجيات أخيراً أنها بصدد طرح جهاز كومبيوتر محمول في الاسواق يبلغ سعره عشرة آلاف روبية نحو 230 دولاراً. ولا يزيد وزنه على كليوغرام. وذكرت بعض وسائل الاعلام أن الجهاز الجديد سيعمل بنظام التشغيل المفتوح المصدر من نوع"لينوكس" Linux. ويعمل بواسطة بطارية داخلية تدوم ست ساعات. وصرح كابيل سابيل وزير العلوم والتكنولوجيا الهندي، الذي يترأس ايضاً الشركة المنتجة للكومبيوتر الجديد، بأن هذا الجهاز المبتكر يلبي تماماً الظروف الهندية واحتياجات الانسان العادي. وبيّن فيناني ديشباندي رئيس الشركة المنتجة للجهاز، واسمه"موبيلس" إن الكومبيوتر الجديد سيصل الى السوق في غضون الشهور الثلاثة المقبلة، بأسعار تراوح بين 230 و280 دولاراً. وأكد رئيس الشركة أن هذه الاجهزة التى يبلغ حجم شاشة الواحد منها نحو 8 بوصات، ستكون أحدث ما توصل إليه العلم. كما ستتمتع بمزايا مبتكرة تفي باحتياجات المستخدمين الذين يرغبون في تنفيذ أعمالهم في أي وقت وأي مكان يتواجدون فيه. وساهمت الحكومة الهندية في تمويل الابحاث الخاصة بإنتاج هذا الجهاز على أمل أن ينقل هذا الجهاز ثورة تكنولوجيا المعلومات في البلاد إلى أكبر عدد من مواطنيها، خصوصاً في المناطق الريفية. هل يصبح الكومبيوتر الرخيص بُعداً آخر في الصراع الضاري بين الاجهزة للسيطرة على عالم الاتصالات المتطورة؟