كبُرَ محسن الخفاجيّ في اسمه كما لم يكبُرْ من قبل. الرجل الذي لم يغادر مدينته الناصرية إلاّ مرةً إلى باريس صيفَ عام 1977 وإلاّ مراتٍ إلى بغداد وغيرها من مدن العراق من أجل شؤونه الأدبية سافرَ الآن إلى العالم كله معتَقَلاً في معتقل بوكا منذ أكثر من عامين. كبُرَ محسن الخفاجيّ الذي خدعني مرة باقتناعه بكلامي في ضرورة السفر من العراق فهربت أنا وبقي هو بعدي الوقتَ كلّه ليعيش ذروة غرور"البطل"في أواخر الثمانينات وحربَ الكويت ثم حربَ احتلال العراق. كبُرَ محسن الخفاجيّ القاصُّ الواقعيُّ كما يبدو أولَ وهلةٍ والمتوهمُ أوهاماً قد لا يتوهمها غيره. كبُرَ محسن الخفاجيّ وهو يدلّ سجانيه الأميركيين على روايات أميركية دارت أحداثها في مدنهم أو على أبطال فيها يحملون أسماءهم ذاتها... ولن يسمع شيئاً منهم ولن يرى غيرَ نظرات حائرة وغير هزِّ الرؤوس ادّعاءً بالفهم الكاذب. كبُرَ محسن الخفاجيّ... المعلّم ، وهو يعلّم سجانيه أسراراً من هوليوود يحفظها عن ظهر قلب، فيكتشف أثناءَ الدرس لعبة هوليوود في صنع تاريخ واقعيٍّ يتمثلها... في معتقله ببوكا. كبُرَ محسن الخفاجيّ إذ يُمنَع من كتابة قصصه في معتقله وإذ يكتشف تراجيديا انبهاره بسجانيه طوال عمره كله. كبُرَ محسن الخفاجيّ وهو يقسّم مثقفي بلاده بين مدافع عنه ومتضامن معه وسَقْطِ مَتاعٍ غير مبال به أو شامت به أو خائف منه. كبُرَ محسن الخفاجيّ وقد أضحى اعتقاله عارَ ثقافةٍ بأكملها... ثقافة لا طعمَ لها ولا لون لها ولا رائحة. كبُرَ محسن الخفاجيّ وصغُرَ خدَمُ الاحتلال الذين يهربونَ من كلِّ سؤال عنه في بغداد. كبر محسن الخفاجيّ في اسمه كما لم يكبر من قبل. هو الآن في الخامسة والخمسين. عمرٌ متوقف في بوكا واسمٌ يكبُرُ كلَّ يوم. كبُرَ محسن الخفاجيّ في عراقٍ يصغُرُ كلَّ يوم. رئيس لجنة الدفاع عن القاص العراقي محسن الخفاجي المعتقل منذ أكثر من سنتين في معتقل بوكا الأميركي في أم قصر. 16-7-2005 هولندا