على رغم احتلال الولاياتالمتحدة ثلث بلدان"محور الشر"، يشكل ثلثا هذه البلدان، أي إيران وكوريا الشمالية، تهديداً لمصالح أميركا. ولطالما أبدت حكومة بوش تفضيلها حل المشكلات النابعة من هذا التهديد بتغيير الأنظمة الحاكمة في طهران وبيونغ يانغ. ولا يصعب على المرء إدراك السبب في التفضيل. فإدارة بوش تزدري الحلول الديبلوماسية، وتعتبر أن تغيير أنظمة"محور الشر"أفضل من العيش في ظل تهديد نووي. ولكن النتيجة المتوخاة من هذا التغيير لا تحصل بالسرعة التي يشتهيها البعض. وليس استعمال سياسة تغيير الأنظمة، أو مواجهة التحديات التي تفرضها أنظمة قمعية تملك أسلحة تهدد أمن المجتمع الدولي، أمراً محدثاً يميز حقبة ما بعد الحرب الباردة أو حقبة ما بعد الحادي عشر من أيلول سبتمبر. فالحرب الباردة هي مواجهة طويلة مع نظام قمعي. وشكل كل من الاتحاد السوفياتي واليابانوألمانيا النازية، وارتكابات كل بلد منها خارج حدوده، تهديداً للولايات المتحدة، وأقلقها جراء ممارساته داخل حدوده. واختارت إدارة روزفلت تغيير الأنظمة الحاكمة في اليابانوألمانيا، ولم تكتف بهزيمة هذين البلدين وانكفائهما إلى حدودهما الوطنية، بل واصلت هجماتها إلى حين سقوط هذين النظامين. ولزم إحلال نظام أفضل في ألمانياواليابان سنوات طويلة من الاحتلال العسكري، ومن التدخل في شؤونهما السياسية الداخلية، وهو ما يعرف اليوم بپ"بناء الامة". وكانت سياسة الولاياتالمتحدة مع الاتحاد السوفياتي مختلفة تماماً عن مقاربتها ألمانيا النازية واليابان. وبعد الحرب العالمية الثانية، وبروز الاتحاد السوفياتي قوة منافسة للولايات المتحدة ومهددة لها، أمسى مفهوم"رول باك"دفع نظام حاكم إلى الانهيار شائعاً. ودفع احتمال اندلاع حرب نووية يمنى فيها الطرفان المتحاربان بالهزيمة، بالسياسة الأميركية إلى الاعتدال. وليست سياسة الاحتواء بسيطة متواضعة على ما يزعم منتقدوها. ففي سعي هذه السياسة إلى مقاومة محاولات موسكو نشر الشيوعية وتوسيع النفوذ السوفياتي، تغييرٌ للنظام. وربما من الافضل اعتبار سياسة الاحتواء وسيلة تدريجية لتحويل نظام حاكم. وغالباً ما يرفض المدافعون عن سياسة تغيير النظام التعامل مع نظام مارق. فتُهمّش الديبلوماسية، ويُعتمد نهج مماثل لسياسة الولاياتالمتحدة إزاء كوبا في السنوات الاربعين الماضية. مع العلم أن الحركة الديبلوماسية الناشطة بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي لم تتوقف في أثناء الحرب الباردة. ولم تعنِ هذه الحركة تجاهل الولاياتالمتحدة لما كان يجري داخل الاتحاد السوفياتي. والدليل على ذلك هو دعم أميركا محطات إذاعية توجهت الى شعوب الاتحاد السوفياتي، وتناولت قضايا حقوق الإنسان والحق في الهجرة. وفاوض الديبلوماسيون الأميركيون بانتظام نظراءهم السوفيات، وأبرموا اتفاقات على حد التسلح النووي. وربما ساهمت سياسة الاحتواء في إطالة عمر النظام السوفياتي، ولكنها حرصت على تجنب الحرب، وضبط سباق التسلح النووي بين أميركا والاتحاد السوفياتي. واعتمدت الولاياتالمتحدة النهج نفسه في التعامل الاقتصادي مع السوفيات. وفي نهاية الأمر، تغير النظام السوفياتي. ويختلف المؤرخون في تحديد الأسباب التي أدت الى تغير النظام. ويعزوها بعضهم إلى ضعف النظام الداخلي، وبعضهم الآخر إلى السياسات الغربية والأميركية. والحق أن تغير النظام يعود إلى العاملين هذين مجتمعين. وليست الاطاحة بنظام سياسي واجتماعي بالأمر السهل. ووجدت الولاياتالمتحدة صعوبة في تحديد مكان مانويل نورييغا في بناما في 1989 وتوقيفه. واستحالت عليها إطاحة محمد فرح عيديد بالصومال في 1993. ولا يزال فيديل كاسترو صامداً الى اليوم في هافانا. وأما استبدال النظام المطاح بآخر، فهو مهمة أصعب من إطاحة النظام. ويزيد صعود القوميات، بالتزامن مع انتشار العولمة، من الخسائر الإنسانية والعسكرية والاقتصادية التي تواجه أي احتلال طويل الأمد. ويسع الولاياتالمتحدة القيام بضربات وقائية ضد إيران وكوريا الشمالية. ولكن هذا النوع من الضربات يطرح عدداً من المشكلات أبرزها صعوبة الحصول على دعم دولي، والحاجة الى معلومات استخبارية دقيقة عن البرامج النووية. وعلى الولاياتالمتحدة أن تضع الديبلوماسية في قلب سياستها مع ايران وكوريا الشمالية. فتغيير النظام الحاكم ليس سوى تتمة للديبلوماسية. ولا شك في ان رفض التعامل مع نظام سلطوي يتيح له النفخ في المشاعر القومية والإمساك بزمام الأمور. وقد تكون السياسة الخارجية التي تختار عدم تهميش نظام استبدادي حصان طروادة الذي يروض هذا النظام على المدى الطويل. ريتشارد هآس مدير مكتب وزارة الداخلية الاميركية للتخطيط، فورين أفيرز الاميركية، تموز يوليو - آب أغسطس -2005